درس العلقم
لماذا يتوجب علينا أن نتجرع الدرس، إلى آخره في كل مرة، مراً صراحاً
بلا شك ولا مواربة، ثم نعود ثانية لنبدأ من الصفر، كأننا لم نتعلم
شيئاً، وكأن الضحايا ليست سوى قناديل مطفأة على طريق محفوفة بالخسارة
ومنذورة للمرارات. لماذا يتوقع الآخرون أن نصدق كذبهم، كما لو أنه
الحقيقة الناجزة. لماذا لا يدركون بأن الكلام (بوصفه بوح الروح وراحتها)
ضرورة تضاهي الهواء، كما لو أن أحداً لا يريد أن يتيح لموهبة الإصغاء
أن تنمو في أعضاء الجسد والفكر معاً.
لماذا، كلما تغرغرت أرواحنا بالشهيق صعوداً نحو هواء نادر انهالت
علينا زخات الكواسر السوداء لتحصد الأحلام أمام أبصارنا في حضور أكثر
العواطف اهتياجاً وأقلها تصديقاً للأكاذيب المرصودة لنا بوصفها الحق
الأبلق. لماذا، عندما تتصل حواسنا المحبوسة بالضوء الشاحب المنسرب
تحت عقب أبوابنا، وتتضرع أعضاؤنا العليلة بما يشفّ عن طريق تذهب بنا
نحو نهار واحد (واحد على الأقل)، تندلع فوق رؤوسنا أسراب الغربان السعفاء
الواردة تواً من الأزمان السحيقة لتصفع وجوهنا بأجنحتها الكالحة ناثرة
رمادها القديم في الأحداق المذهولة، تنهرنا لنكف عن النظر إلى عقب
الباب الموصد ونزيح عن عواطفنا تبادل الحب مع ذلك الضوء الشحيح، ونحمي
أنفسنا من ندم وافد.
لماذا، في منتصف الموت (بين النحر والنصل) تنبثق الكواكب بغتة لتصد
الاختلاج الأعظم عن بهجة الفضة وهي تطيش من هياكلنا المعروقة مثل أقداح
فاضت بعطف القناني وشفق النبيذ. لماذا، من بين كل الكائنات المرتعشة
تنتخب أسلحتهم أكثرنا رهافة لتضعه في امتحان الهجوم، وتحاصره بأكثر
الحيوانات وحشية وأثقل القيود حديدا وأبشعها صليلاً. لماذا، فقط عندما
يتعلق الأمر بشهوة النوم (بين الوهم والحلم) تصطفق صفائح المعدن الكثيف
حاجبة قصعة المعرفة عن شفاهنا اليابسة وأفواهنا المشرشة لفرط العطش.
لماذا، ونحن في شفير الدرس المرّ يطيب لهم أن يضعوا النسيان وشماً
لذاكرتنا لئلا نقوى على تفادي شاقول الجحيم وهو يطحن ضحايانا الموسمية،
ولا نقدر على تبادل الأنخاب مع أنفسنا.
لا أعرف جهات. أعرف رملاً يقود قدميّ. اثر قوافل ماثلة. تحدو في نحيب
حائر. لا تقطع الطريق. ولا تقص الأثر. بوصلتها نجمة الضياع . قدمي
تقرأ الرمل. مثل كتاب تكتبه الريح . درس يستعصي على التأويل.
ليست المقارنة بين إنسان ووحش، . المقارنة بين إنسان وإنسان. ففي الأولى
لن تصادف فروقاً مهمة. المفارقات الكثيرة في الثانية. *
|