اللجّ
في اللج. كنت في اللج. الموج يشهق بي ويسوّر أطرافي بتيجانه البيض.
والأعماق تهتف بي وتدعوني لوليمة الأقاصي. لم أكن وحدي وحيداً. الأسماك
كانت وحيدة هناك. والقواقع أيضاً. الزرقة تطيشُ في وحشة الإقامة اللانهائية.
ما من خشبة عابرة ولا جناح. وما إن يرفّ نورسٌ ويلمحني حتى يسفّ هارباً
كمن صادف شبحاً. لم أكن وحدي وحيداً. واللج ليس نهاراً دوماً. ثمة
الليل الأخرس، حيث النجوم في التيه. كل نجمة في وحدتها مشدودة بهواء
الأعالي. ليست ثريات في سقف. ولا هي قناديل في أعمدة أو جدار. وليس
للأرض سلطة عليها. معلقة في فراغ يضاعف وحشتها. حتى أوشكت على الظنّ
بأن وحدتي في اللج أكثر رأفة من وحدة النجوم المقذوفة في فراغها الشاهق.
لم أكن وحدي وحيداً. ثمة أشياء غير منظورة تمنح الملح سطوة على أعضائي.
يأسٌ شفيف طابَ له أن يغرّر بأهداب روحي. ولنزوع الطبيعة نحو يأس جاهز.
كدتُ أرفع قميصي المهلهل شارة للاستسلام. لئلا يفوتني الموت الرحيم.
في اللج. كنت في اللج. مثل وحيد وحدي. فكدت. فإذا بالحب يمد لي يداً
رؤوفة، حميمة. وتشفُّ لي عن طريق في البحر مثل الأسطورة. حب يضع وردة
الملاك في قلبي وجمرة الحلم في دمي. من منكم عرف هذه اللحظة. من منكم
انتخبته مليكة الماء وكان في العطش. الحب كان هناك. وكان خلصني وهداني.
أنا الغريق في البحر. وحدي.
|