نشيد الحديقة الذهبية
تهيئي، أيتها الحديقة المختومة بزرقة الرموز وخضرة المعنى. تهيئي
أيتها الحديقة ذات الزرقة الذهبية، واكشفي طينتك الطرية لقصف الزائر
الوشيك المندفع نحوك مثل نيزك الأساطير، يرفع الماء من الآبار السحيقة
ويروي لك العطش القديم. نيزك شحذته السنوات الضوئية المشحونة بالوحشة
وغربة السفر، نيزك كتبته لك الآلهة كما يكتب النبي رسائله في شمس الليل
ويدور بها على الضالين يدعوهم للركوب معه في عربته المقطورة بالعاصفة.
هذا هو النيزك النبوي قادم لك محملاً بشهوة الطين وبهجة الدم مندفقاً
في الشرايين. فافتحي له الأرض لكي تعرف اليقظة الأبدية. تهيئي بسجادتك
المجعدة عند المداخل لفرط تدافع زائريك في منعطفات الليل وفي غفلة
النهار. سجادتك الممتدة من عتبة الانتظار حتى شرفة الأفق. سجادتك التي
أوشكت على نسيان الخضرة وطزاجة الرحيق الذي يوقف عن الحركة في أروقة
النباتات. ابسطي له سجادة لنوم يعلمك صلاة اليقظة. تهيئي وأنت مسوّرة
بممرات مذعورة تكتظ كل صباح بعربات مخبولة تخطف حجاجك من المحطات الموحشة
وتذهب بهم نحو الأقاصي زاعمة أنك هناك، حيث المجهول اللانهائي يحصنك
ضد النسيان. عربات تعربد مثل إعصار في غرفة النوم، عربات مندفعة في
جنون جامح، لا حوذي يقودها ولا ريح تطرد الغبار المتصاعد وراء عبورها
العاصف. ولا ينال منها التعب. تهيئي، وأنت المحروسة ببرج الصلوات وتضرعات
المشمولين بحنانك المبذول في هواء أحلامنا المكبوتة. يتهدج تحت شرفتك
الناس وهم يبللون بدموعهم طينتك المبتهجة لكي تزدهر فيك الخضرة وتتصاعد
أزهارك بأعناق عباد الشمس معلنة جهات جديدة لا تدركها هندسة الطبيعة.
تهيئي، وأنت ترقبين غيرة النساء متماهية في حمرة الجهنميات موغلة في
غموض يحفّ بشرفاتهن مثل وصيفات متمزقات بين بياض الحنان وصفرة الخجل.
وصيفات يتدربن لإعداد مليكتهن لعرسها الوشيك، وصيفات يدارين ارتباكهن
فيما يرمقن العرق الخفيف يتفصد في الزغب الشفيف وراء أذن مليكتهن وهي
تصف لهن اللحظة الفاتنة، فتنتابهن شهوة المخيلة وهن ذاهبات إلى تجهيز
الغرفة الملكية، متعثرات بالأذيال المرتعشة. تهيئي، وأنت تصقلين حيوانك
الصغير الذي يبعث الصهيل الجريح كلما طال الانتظار. صهيل يتصاعد مثل
رسائل فاتنة تشي بالرغبة الوحشية للانطلاق نحو السهوب. حيوانك المكنون
في لهف الأخلاط و العناصر، آن له أن ينال حريته ويفتح الريح بغرته
الشقراء ويبدأ النشيد. تهيئي، بحيوانك الصغير المتحفز مثل تنور ناضج،
يلتهب له قلب الفارس وهو يدرب أعضاءه على المبارزة كمن يذهب إلى القتال
الملكي معلناً الحب في حضرة المليكة. تهيئي، لتطلقي حيوانك الأبيض
بشهيقه وزبده الكثيف المكبوت وبعشقه الجامح. أطلقيه. أطلقيه، يحمل
لك الهودج نحو الأفق المجنون في اقتتال باسل، اقتتال اللذة الضارية
ينتصر فيه الاثنان فيما ينهزمان.تهيئي، وافتحي حديقتك الذهبية ولا
تأخذك غفلة عن الليل.*
|