(1)
شاع في المأثور الشعبي الساخر الكثير من مفارقات أسماء الناس, ومن
بين أبرزها ما يجري تداوله (بتندر محبب) عن القول بأن اسم ابراهيم
يرتبط في الغالب ببعض الخفة أو الإرتجال في السلوك أو اتخاذ القرارات
والتصرفات التي غالبا ما تؤدي الى المآزق. وإذا افترضنا كون هذه الأسطورة
ضرب من العبث البريء أو دعابة الخرافة, ليس لعدم واقعيتها فحسب, ولكن
لبعدها عن المنطق البدائي لعلم النفس والسلوك البشري. فكل ما في الأمر,
كما يبدو لي, هو أن هذه الأسطورة الشعبية ارتجلها شخص خفيف الظل ميال
إلى المزاح لا تنقصه النكتة , ومن المحتمل أن يكون اسمه أبو خليل أيضا
(2)
عند السرياليين ثمة ما يسمونه المصادفات الموضوعية, وهي مصادفات يرصدها
الشخص ليكتشف فيها مفارقات بين النقائض, بحيث تتداعى أفكار وصور غاية
في التجريد وموغلة في الخيال و المصادفات المتناقضة, حتى يكاد المرء
يعتقد أن مصادفات على هذه الشاكلة لابد أن يتميز الإنسان بالصرامة
الفنية لكي يقدر على تفاديها. وفي الأسماء هامش كبير يتيح لنا اكتشاف
بعض المفارقات التي يمكن مصادفتها في الحياة اليوميةأعرف شخصا يدعى
فرحان لم أصادفه مبتسما أبدا
لا أعرف لماذا كنت عرضة لواحدة من هذه المصادفات طوال السنوات الأخيرة
وهي مصادفة حاولت تفاديها أول الأمر إلا أن طرافتها تغلبت علي وتستجيب
مع ميلي للعبث مع الأصدقاء, الأمر الذي دفعتني لرصدها واختبار قدرتها
على التحقق يوما بعد يوم. وكنت كلما تجدد لقائي بهذه المصادفة تحدثت
إلى صديق لي عن الأمر, فإذا به يتوغل معي بحماس, مؤكدا أن هذه المصادفة
واحدة من المصادفات الطريفة التي لا يمكن تفاديها في حياتنا, بل أنه
كان قادرا على إثبات الأمر بعدد إضافي من الدلائل التي تثبت تحقق المصادفة
(3)
صادفت من الأصدقاء الذين يحملون اسم (أحمد) الكثير. معظمهم لا يزالون
قريبين في حياتي اليومية. ومنذ سنوات حدث لي مع أحدهم موقف طريف تصرف
فيه تصرفا قدرت أنه ضرب من الحماقة, وبسبب الهيام اللغوي الذي ينتابني
في الكثير من المواقف حبكت مفارقات اللغة, وكنت في بعض الإنفعال, فأجريت
على اسم (أحمد) تحريفا سريعا من وحي الموقف وسميت صديقي ( أحمق ) مستبدلا
حرف الدال بحرف القاف وانفجر بيننا موقف من الضحك الصاخب, كما لو أن
صديقي اكتشف معي كنزا للدعابة لم نكن نشعر به فيما هو بين أيدينا
ومر على ذلك الموقف بعض الوقت, لكي أصادفه ثانية مع صديق آخر, الصدفة
الخرافية ذاتها جعلت اسمه (أحمد) أيضا , فلم أتردد في اطلاقه بنفس
الروح الساخرة. وشيئا فشيئا أوشك الأمر أن يبدو حقيقة ثابتة ما إن
أواجه موقفا أحمقا مع شخص اسمه (أحمد) حتى تنتابني نوع من التفاتة
غير الواعية لصديقي الذي يهز كتفيه لكي يشير إلى أن هذه الصدفة باتت
حقيقة موضوعية يتوجب تأملها بشيئ من عدم الإكتراث, مع استعداد فطري
للدعابة والغريب أنني يمكن أن أرصد الآن أكثر من عشر حالات لأشخاص
يحملون اسم أحمد ولا تنقصهم موهبة الدعابة (مع ظل خفيف من الحمق) في
الكثير من المواقف التي نتذكرها بين وقت وآخر إذا استدعى الأمر
الذي يتوجب الالتفات إليه هو الجانب اللغوي في كلمة (الحماقة), فهي
سوف تتجاوز المعنى المباشر الشائع الذي يمكن أن يتوارد إلى أذهاننا
للوهلة الأولى وسوف يتصل العامة من أهل المغرب العربي بالجذر اللغوي
لهذه المفردة, عندما يشيرون إلى الحمق بمعنى الجنون, ولعلنا نجد في
هذا البعد تألقا لافتا لمفردة قد يخل صها من شوائبها الشائعة
ففي اللغة ( الأحمق : هو قلة العقل أو فساد الرأى أو قلته) ولا يقتصر
دائما على المعنى الشائع الذي يجري تداوله في حياتنا اليومية بالمعني
اللغوي المذكور حرفيا ويبدو أن المعنى تعرض لكثير من التخفيف لفرط
استخدامه الدارج, بحيث نستطيع المجازفة باعتبار اطلاق تعبير (الأحمق)
على شخص ما, لا يفترض أننا نعني به قلة العقل أو فساد الرأى, فربما
قصدنا به الشطح والتصرف الجنوني البريء ففي حياتنا اليومية مواقف لا
تحصى يمكننا فيها أن نضبط أنفسنا نتصرف بشيئ من الحماقة, ليس كسلوك
ثابت, ولكن ربما لفرط انفعال طارئ, أو سوء تقدير متوقع, وربما لشيئ
من العناد والتعصب, وهما تصرفان ليس من المتوقع أن يكونا طبيعة خالصة
في الشخص, و إنما هما رد فعل يصدر غالبا عن ضعف الحجة أو ضيقة الخلق
مع شيئ من الأدعاء الذي يؤدي بصاحبه للوقوع في مأزق ساذج لا يليق سوى
بالحمقى
(4)
في ضوء المصادفات التي سبق أن اقترحت علينا أن كل ابراهيم هو (أبو
خليل) , أي أنه الشخص الذي يتميز بالإرتجال والخفة مما لا يعو ل عليه.
طاب لي أن أكتشف أن معظم الذين يحملون اسم (أحمد) ويتحفونني, بين الوقت
والآخر, بموقف يزخر بإحتمالات ظريفة من الدعابة. وبما أننا قوم مجبولون
على مجافاة الدعابة وعدم استقبالنا لها بالروح المرح الواسع الأفق,
فسوف أقترح حبكة قابلة للمراجعة مفادها أننا, عندما نصادف أنفسنا في
مأزق طريف, ويكون أحمد (أي أحمد) هو الطرف الآخر المعني بالأمر, سنتريث
لحظة لمراجعة الموقف. ونتأمل ما إذا كان هذا الأحمد يمتلك هذه الموهبة
بحيث يمكننا رصد مواقف سابقة له على نفس الشاكلة من الحماقة إنها مجرد
فرضية بريئة فحسب
بوسعي أن أرصد (على أقل تقدير) تسعة أصدقاء أحبهم, لن يخذلونني عندما
يتعلق **الأمر بما يجترحونه من الحماقات الظريفة
|