(1)
* من هو الشاعر
- إنسان تعس، قلبه مفعم بالحزن العميق، ولكن شفتيه مقلوبتان على نحو
يحيل أناته وصرخاته، التي تمر من خلالهما، إلى موسيقى آسرة.
إن مصيره يشبه مصير الضحايا البائسين الذين سجنهم الطاغية(فالاريس)
داخل ثور نحاسي، وشرع يصلبهم ببطء فوق حامية. كانت صرخاتهم تخفق في
الوصول إلى إذني الطاغية بحيث تلقي الرعب في قلبه، وعندما وصلت إلى
أذنيه استحالت إلى موسيقى.
ويحتشد الناس من حول الشاعر قائلين :(ألا فلتغن لنا ثانية).
وهذا أشبه شيء بالقول :
- (فلتعذب روحك عذابات جديدة، ولتتقولب شفتاك كما في المرات القادمة،
الصرخات لن تثير فينا سوى الغم، وأما الموسيقى.. إن الموسيقى لممتعة.
) ويهرع النقاد قائلين :
- (هذا شعر بالغ الإتقان، تماماً كما ينبغي أن يكون عليه وفقاً لقواعد
الاستطيقا.)
(2)
بهذا الشكل المذهل وصف(كيركغارد) الشاعر، لقد شعرت بارتجافة عميقة
ومخلخلة وأنا أقرأ هذه الكلمات، وأتوقف عندها مرة تلو الأخرى. كما
لو أن (كيغارد) قال الشيء الغامض الذي يخالجني كلما حاولت أن أمسك
بطبيعة ما يحدث. طبيعة هذا التماهي الخطير بين أن يعيش الشاعر (حياته)،
التي عذاب بلا هوادة، وبين أن يكتب هذه الحياة، وأن تكون هذه الكتابة
جميلة في وقت واحد.
هذه التجربة، كلما حقق الشاعر فيها نجاحاً بدرجة ما فهذا يعني أنه
يتقدم، بنفس الدرجة، في العذاب، مما يجعلنا في يقين بأن الذين يكتبون
الآن عن الشاعر العربي، لم يقتربوا بعد من هذا العذاب الخرافي. ليظل
وحيداً في جراحه، يبتكر شكل جراحه يزرع الولع ويتملظ بشظايا قلبه.
فالشكل هو عذاب أيضاً.
والذين يتكلمون عن شكل العشر، يتعاملون معه كما لو كان ترفاً ورفاهية
يتنزه فيهما الشاعر. غاب عنهم أن للعذاب أشكالاً ليست تحصى، وهؤلاء
يأتون إلى النص الشعري ويرون فيه المجال المتاح لتطبيق أدواتهم النظرية،
بعد أن غفلوا(هل يمكن ذلك ؟) عن العذاب الذي اجتازه النص والشاعر في
سبيل الوصول إلى هذا الشكل. كيف يمكنهم فصل العذاب (النص) عن شكله؟!
لم يعد لدينا كاتب يرى إلى عذاب الشاعر بالعمل والإنسانية التي تحدث
بها كيغارد. مازلنا نتكلم عن الشعر ونترك الشاعر وحيداً.. وحيداً.
جسده المريض بلا توقف، وقلبه المفعم بالحزن العميق.
(3)
في رسالة كتبها فكتور هيجو إلى بودلير، يحدثه عن شعره، قال فيها :
(انك تبتكر قشعريرة جديدة)
الأحد 11 أكتوبر 1978
|