في مسألة الأدب الخليجي

( 1 ) خصوصية الأدب والثقافة

  • هل يمكن القول بأن هناك أدباً خليجياً، وثقافة خليجية، بامتياز خاص وهوية مختلفة ؟
    لقد ازدادت وتيرة هذا السؤال حضوراً في السنوات الأخيرة، في مقابل كثرة الحديث عن الأدب الخليجي أما باعتباره حقيقة حاضرة، أو بكونه مطلباً يستوجب تحقيق حضوره، وعندما يتجاوز الأمر كونه بحثاً عن الاحتمالات ستبدو المسألة محفوفة بالمحاذير الفكرية وبالتالي الاجتماعية والسياسية.
    وسيكون استجوابنا لهذه الأطروحة نابعاً من إحساسنا بضرورة محاورة هذا السؤال بسؤال (أو أسئلة) النفي، وليس رغبة في تكريس ذلك المفهوم.

  • يجري الكلام كثيراً عن هوية خاصة بأدب الخليج وثقافته، بل أن هناك من يبالغ في ذلك فيلجأ إلى التنظير لملامح فنية وموضوعية ويطالب بوجوب توفرها في أدب هذه المنطقة لكي يصير خليجياً.
    وتنبغي الإشارة هنا إلى أن هذه المقولة قد ازدادت بروزاً في السنوات الأخيرة وهذا ما يعطي قلقنا مبرراً من الوجهة الأدبية.
    إننا نخشى حقاً أن تسهم الدعوة إلى (أدب خليجي) في الانجراف نحو التفتت الذي يتعرض له ما يمكن أن نسميه الكيان الإنساني العربي، هذا الكيان الذي لم يتوقف عن تلقي عوامل التصدع والتفتت من مئات السنين.
    إن الرغبة الجارفة في (خلجنة) كل مظاهر الحياة في هذه المنطقة، تنم عن خلل في الرؤية لهذا الكيان (الحضاري) الذي لا يحتاج إلى شيء أكثر من حاجته لطاقة الاتحاد والتماسك. والملفت في تلك الرغبة أنها تشكل استجابة (إعلامية) لتجربة سياسية وربما شكلت هذه الاستجابة (الواعية، المنظمة، المدفوع بها) نموذجاً لأوضح مظاهر تدخل السياسي في حقل الأدبي والثقافي، مما سيؤدي بالأدب إلى الانزلاق في المحاذير الرؤيوية، والرضوخ للمشروع السياسي، لتأدية الدور الذي ليس له إلا أن يكون إعلاميا بقشور أدبية ولافتات ثقافية.

  • والذين يعتقدون (دون جدال) بأن للخليج هويته الخاصة. بجانب هويته العربية، ويدفعون بالمفاهيم الأدبية والنقدية لتأسيس هذه الرؤية وتكريسها، سوف يوفرون لمستقبل هذه المنطقة محاذير كثيرة، ليس على صعيد الأدب والثقافة فحسب، ولكن على صعيد الواقع الاجتماعي أيضاً.
    فإذا جاز للبعض أن يرى في تجربة مجلس التعاون بعداً حضارياً محتملاً ينبغي أن يكون هذا البعد في تأكيد التماسك العربي، والممارسة العربية على أنقاض أية تفاصيل إقليمية يراد لها أن تصبح مظاهر تمايز وعناصر إثبات لمحليات صغيرة وليس على تجربة من هذا النوع إلا أن تكون طريقاً لتجاوز (الوحدات) الصغيرة لتأكيد ضرورة الوحدة الأكثر شمولاً بالمعنى العربي.
    فعندما ينشغل الأدب في خلق المعادلات الفنية في الكتابة لتلك المقولات (النظرية) سيبذر في الذهنية الاجتماعية انحيازات موضوعية (تقوم على الوهم) معتقدة بأن للإنسان في هذه المنطقة هوية وطبيعة ومشاغيل مختلفة عن الهوية العربية.
    وبالتالي ستكون هذه الاستجابة محض استقبال وقبول للاجتهادات السياسية، ومن ثم الخضوع والامتثال لها. دون أية مبادرة إلى تأملها ومراجعة ظروفها التاريخية وهذه هي إحدى الثغرات التي ينفذ منها السياسي لدفع الأدبي إلى حدود وهم الواقع كأنه الحقيقة. فبدل أن يسهم الثقافي في التنمية الإنسانية، بتشغيل طاقاته، نقداً وإبداعاً نراه مرشحاً لأن يتحول إلى أداة تستقبل شروط المشروع السياسي، وتؤدي دورها الإعلامي تبريراً وتكريساً.

  • يجوز للأديب أن يرى في الاجتهادات السياسية (أيا كان مصدرها) مشروعاً قابلاً للجدل، وله أيضاً الحق في أن يعتقد خلاف ما يعتقده السياسي. وهذا ما يرشح الأديب (باعتباره طاقة رؤيوية) لأن يكتشف ويكشف الجوانب والعناصر التي سيعبر عليها الآخرون، في غمرة حماسهم (أو تحميسهم).
    ومادام السياسيون يضربون في صحراء الواقع ومجاهيله اجتهاداً وتجريباً، فإن الأديب من باب أولى، سيكون مؤهلاً لرؤية ما لايراه الآخرون (السياسيون خاصة). إذ ليس له (أعني ليس مجبراً) أن يعتقد بأن الاطروحات التي تروج للكيانات الصغيرة في الوطن العربي هي إحدى الحلول الحضارية لمستقبلنا. وليس سهلاً في حقبة صغيرة من الزمن أن تتغير الضرورات التاريخية إلى نقيضها. فبعد أن كان مشروع الوحدة العربية مطلباً موضوعياً تتحرك نحوه أشواق الإنسان العربي (بشتى اجتهاداته السياسية)، وبعد أن كانت كافة التجارب السياسية، التي نشأت في ذروتها الأجيال الحديثة، ترى إلى ذلك المشروع باعتباره أملاً ممكناً، نراه اليوم مشروعاً يدخل في حدود الأسطورة.
    إن انعطافات (إعلامية - سياسية) من هذا النوع من شأنها أن تحدث شروخاً مميتة، ليس في سياق الكتابة الأدبية فقط، ولكن في البنية الفكرية والثقافية العربية لهذه الأجيال، ولن يكون لدينا جواب مقنع للجيل الذي يخلق تحت وطأة هذه التصدعات إذا هو راح يقارن بين ما يؤسس الآن وبين ما تعرض للانهيار قبل قليل من الزمن، مع كل التضحيات الضخمة التي صاغت تلك الأحلام المنهارة.

  • لن نختلف كثيراً في أن حيثيات فشل ذلك المشروع كانت كامنة في بنية الواقع العربي المتمثلة في طبيعة المنظومات السياسية المهيمنة، لكننا سوف نختلف مع الذين يذهبون إلى الطريق المعاكس مباشرة. لأن أسلوبا كهذا من شأنه أن يسهم في تفتيت البناء وليس في تصليبه.
    من هنا نرى أن التوظيف الإعلامي للأدب والثقافة في سياق رؤية إقليمية وعزل الفعالية الإبداعية عن مسارها العربي، من شأنه أن يضر بمعطيات المستقبل، مهما كانت النوايا حسنة في هذا المجال. ونخشى حقاً أن فشلاً سياسياً عربياً، وانهياراً مؤسسياً يجرف الواقع العربي، دون أن تكون المنظومات السائدة على استعداد، ليس للاعتراف بحدوثه، ولكن أيضاً لإفساح المجال لمساءلته. مما سيؤدي إلى ممارسة تلفيق الحاضر والمستقبل على أساسه. ويبدو أن الأدب هو المستهدف الآن ليحقق هذه المهمة. ؟!
    عندما يجري تأسيس المفاهيم والمنظورات في مناخ قاصر أو مقيد، فإن المتطلبات سوف تكون ملتبسة، وفاقدة لطبيعتها التاريخية. وبالتالي سيجري تجيير كل مظاهر الحياة وتوظيفها لتكريس مشاريع ومنظورات ليست فوق مستوى الشك والمساءلة.
    هذا ما يجعل الدعوة إلى (أدب خليجي) وثقافة خليجية، أطروحة تكتسب إثارة كلما ازداد الكلام عليها كما لو كانت هدفاً ووسيلة في آن.
 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى