يحسب لجامعة البحرين أنها بادرت بأول فعالياتها بهاجس الاتصال بحركة
الحياة الثقافية بعمقها العربي، و في هذا إنجاز أول يمكن أن يؤسس لمنظور
ينجو من أوهام الموضوع المحلي بعد أن صرنا نرى العديد من النشاطات
الأدبية و الثقافية في المنطقة تتورط في ما يمكن اعتباره ضرباً من
المبالغات التي يستدعيها الإعلام الثقافي. و ما أعنيه بالضبط هو أن
الموضوع النقدي الذي صدرت منه محاور هذا المؤتمر يؤكد أننا نجونا للوهلة
الأولي من الوقوع في ذات الوهم، فقد تعودنا أن كل مؤسسة في الخليج
تتسابق في كل موسم لإقامة الندوات الكبيرة من أجل مناقشة أدب هذه البلاد
أو تلك، و اجتراح موضوعات عن الأدب الخليجي أو الشخصية الخليجية في
الأدب، حتى بلغ الأمر عند عدد كبير من الأدباء و المثقفين هنا و هناك
أنهم صاروا يحدثوننا عن الانسان (الخليجي) دون شعور بالحرج أو الخلط
العلمي، كما لو أننا إزاء إنسان يمتلك المواصفات الخارقة التي تميزه
عن أي إنسان آخر، وبعد ذلك سوف يتاح للكثيرين التورط في التنظير لأشكال
فنية مثل الرواية أو القصة القصيرة أو الشعر أو المسرح في بلدان الخليج
الصغيرة بوحداتها السياسية الأصغر، وذلك بالكلام عن تجارب أدبية لم
تزل في طور التخلّق أو المحاولات، وأصبح علينا أن نتوقع وجود ما يسمى
القصة الإماراتية أو الشعر البحريني أو المسرح الكويتي،
وأزعم أن في هذا من المخاطر و المغالطات ما يوقع بعض الباحثين في
التلفيق أو المبالغة أو المجاملة أو المداورة. و إذا نحن تأملنا البعد
السياسي والفكري لمثل هذه الفعاليات (التي ربما صدرت أحياناً عن حسن
نية و حماس ساذجين) سنجد أنها يمكن أن تكون خضوعاً لا واعياً لأوهام
أو مشاريع سياسية باتت تمعن في التعامل مع الثقافة و الأدب والفكر
باعتبارها ملحقات لابد لها أن تعبر و تخدم تلك المشاريع و الأوهام
السياسية التي أثبتت الأيام أنها ليست فوق مستوى الشبهة. و كل ما أخشاه
هو أن الاستمرار في تكريس تلك الأطروحات الأدبية ضيقة الأفق من شأنه
أن يشكل مأزقاً نقدياً و حضارياً بسبب صدوره عن الإقليمية أو الذهاب
إليها. ففي وقت يكاد المرء يتحرج في الكلام عن تخوم موضوعية بين الأدب
في الشام و الأدب في مصر أو بلاد المغرب، سيكون من الهزل الكلام عن
أدب بحريني أو أدب عماني أو أدب سعودي أو أدب خاص بالإمارات.
إن هذه المسألة إذا لم نتوقف عندها بتأمل عميق سوف نواجه المزيد من
الحرج عندما يعلن بعضهم حقه في الكلام عن الرواية في (فيلكه) أو الشعر
في (دار كليب) أو الأقصوصة في (خميس مشيط).
لذلك ألفت إلى أن الاختراق الذي تحققه جامعة البحرين يكتسب أهمية
موضوعية لا ينبغي الاستهانة بها.
لستُ معنياً بتوقع نتائج هذا المؤتمر، لكنني قد لا أتفق تماماً مع
الأهداف التي تم الإشارة إليها، و التي تقف عند البعد الأكاديمي القصير
المدي. فمثل هذه الفعاليات لا أهمية لها إذا لم تتصل بحيوية المستقبل
الثقافي العربي في بعده الإبداعي، لذلك تمنيت أن يجري تجاوز تفصيل
مثل تلك الأهداف المذكورة، إلا إذا كانت ثمة ضرورة (أكاديمية) استدعاها
المشروع. و علينا قبل كل شيء أن نقرأ الدراسات والطروحات المقدمة لنرى
مدى جدتها و إضافتها للتجربة النقدية العربية، ثم نتيح الوقت الكافي
للواقع لكي يتأمل هذه الاجتهادات، لأن ثلاثة أيام لهذا العدد من البحوث
والمشاركين لا تكفي لأكثر من إشارة الشاعر الذي قال ( ما سلّم حتى
ودّعا..). وعلينا أن لا نتعجل النتائج على كل حال، فسعادتنا عميقة
بوجود هذا العدد من الأصدقاء الذين ينتقلون إلى الغرفة المجاورة في
بيتهم.*
|