(1)
أريد أن ألفت إلى الروح التي تتململ [ وهي تعلن عن نفسها بين وقت
وآخر] عبر الفعاليات الأدبية و الفنية التي يشهدها الواقع الثقافي
في البحرين في الأشهر الأخيرة. ففي السياق المتنوع الشامل الذي تسهم
فيه " أسرة الأدباء والكتاب "بقسط و ملحوظ من هذه الفعاليات،
يتسنى لمن يتابع الوعي النقدي والميل إلى المعرفة، يمكن الإشارة إلى
واحدة من مظاهرها في الندوة التي أقامتها " أسرة الأدباء "
مؤخراً في قاعة "جمعية البحرين للفن المعاصر"، والتي تحدث
فيها الفنان عصام الجودر عن تجربة " فرقة أجراس الموسيقية ".
ففي هذه الندوة يمكننا أن نرى ملمحين مهمين، ربما لم يتوقف عندهما
الكثيرون، من الذين حضروا الندوة، [غفلة أو إغفالاً]. فعندما تقام
ندوة خاصة لمناقشة تجربة "أجراس" في البحرين، لطرح الرأي
النقدي المتخصص من قبل أحد الشباب الممارسين [نظراً و تجربة] للعمل
الموسيقي. فان هذا يشير إلى الالتفات الجاد الذي تريد "أسرة الأدباء
والكتاب" أن تؤكد عليه، والذي يتعلق بأمرين :
الأول :
التقدير الخاص لتجربة "أجراس" كمؤسسة فنية متخصصة دأبت منذ
سنوات على اقتحام التجارب المستمرة في مجال زاخر بالركام الموسيقي
والغنائي الفقير للإبداع و الجدية [لكي لا نقول شيئاً آخر]، و لكي
تثبت -هذه الفرقة - أن العمل الفني، المتسم بالجدية، المسلح بالموهبة
و المعرفة، يمكنه المساهمة في الخطوات التأسيسية لمسار فني مغاير،
أو الذهاب إليه على الأقل. ولعل في الاحتفاء النقدي "بفرقة أجراس
" هو نوع من الانحياز إلى ما تشير إليه هذه التجربة - فنياً -
أكثر من إطلاق حكم قيمة على ما أنجزته حتى الآن.
الثاني :
الإيمان بأن أية كلمة نقدية في مجال فني يتصل بالعلم و التقنية، لابد
أن تصدر عن شخص يمتلك أدواته المعرفية، و يتوفر لديه تخصص يتيح له
الثقة العلمية الجديرة بالاحترام. و حين اختارت " أسرة الأدباء
" الفنان عصام الجودر فإنها أرادت القول بأن طاقات فنية و علمية
جديدة [ موهبة ورؤية ] ينبغي أن تتاح لها الأفاق لكي تطرح إسهامها
في تجربتنا الثقافية الراهنة. و أعتقد أن عصام الجودر قد اقترح علينا،
في حديثه عن تجربة أجراس، أسلوباً رزيناً جديراً بمناقشة بعض القضايا
و التجارب الثقافية الجادة الراهنة.
ومما ينبغي اللفت إليه، ضمن معطيات الندوة، أن إحساساً إيجابياً [
لم يتم الجهر به ] تسنى " لفرقة أجراس " أن تشعر بضرورته
كشرط لبلورة تجربتها، فبالرغم من بعض التدخلات الهامشية، المتسمة بالحماس
أثناء الندوة، فان المناخ العام كان يشكل حواراً موضوعياً مع الروح
النقدية الرزينة التي يقترحها عصام الجودر، فالعمق الفني للحضور، و
من بينه أعضاء " فرقة أجراس "، بدا ميالاً إلى الإيمان بأن
الحب و التعاطف مع التجربة يمكن أن يجري التعبير عنهما بصورة أكثر
جمالاً و وعياً، و بمعزل عن مهرجانات الحماس و الاندفاع العفوي إلى
حدود التعصب أحياناً. فان أسلوب الحشد العاطفي في مثل هذه المجالات
قد يكون ضرورياً للفنان، و يمكن أن يشبع غروره العاطفي، لكن من المؤكد
أنه لن يمنح ضميره الفني اطمئناناً حقيقياً يليق بالمبدع. لذلك فان
التأمل النقدي في تجاربنا الراهنة هو، بشكل ما، نوع من الحوار الخلاق
الذي تتطلبه العملية الإبداعية. ونريد أن نعتبر التعاطي الإيجابي "
لفرقة أجراس " مع الملاحظات المتخصصة [ و بأدواتها الأكاديمية
بالذات ] التي قدمها الفنان عصام الجودر، نفياً بيّناً لأوهام بعض
الذين ظلوا يرون في اختلاف وجهات النظر حول تجربة " فرقة أجراس
" إلغاء لحضورها و تقليلاً من أهميتها الفنية. في حين ينبغي الإيمان
بأن أهمية أية ظاهرة فنية تكمن في ما تثيره من الحوار والجدل و ليس
القبول الهش. فالاختلاف في الفن هو الشرط الإبداعي لبلورته، و إلا
فسوف نحصل على بحيرة ساكنة، و سيفوتنا الاستحمام في بهجة النهر المتدفق
المتألق.
معذرة، لم أتكلم عن أطروحات عصام الجودر النقدية، لأنني لست مؤهلاً
لذلك. ولم أقل شيئاً عن "أجراس" لأنني أحسن الإصغاء للغناء
أكثر.*
|