(1)
الروماني الحديث شييرون، قال ذات سخرية :
(من آيات التطور أن سيزيف في أيامنا لن يكون سوى نائب في المعارضة)
و لك أن تتخيل ما إذا كان (شييرون) يشير إلى إصرار الوصول إلى القمة
بالصخرة المبجلة، أم يلمح إلى عبثية و لا جدوى أشكال المعارضات السائدة
في سياق الديمقراطية (العربية) مثلما كان يقوم به سيزيف في تلك الأسطورة
من عبث، فما أن يوشك على الوصول إلى قمة الجبل حاملاً صخرته الكبيرة
حتى تخور قواه و تفلت منه الصخرة لتستقر في السفح. فيعود ليبدأ مشروعه
من أول الطريق، من نقطة الصفر، من الدرك الأسفل للجبل.
ترى من يستطيع الجزم بأن المعارضة العربية (في المطلق) تختلف كثيراً
عن سيزيف هذا. إن كان من جهة اللاجدوى و العبثية أو من جهة الإصرار
الخرافي على وصول قمة لا تطال. و القمة في الواقع العربي هي السلطة
و الحكم و قيادة العمل السياسي في البلاد التي توشك على أن تتحول إلى
اقطاعية يستحوذ عليها نفر من الناس لم يعد في مقدورهم قبول فكرة مشاركتهم
في إدارة مجريات الحكم. أكثر من هذا، يمكننا أن نصادف مزاجاً رائقاً
يرى في القمة التي يسعى إليها سيزيف ليست سوى كرسي السلطة الذي ما
أن يطاله أحدهم حتى يتشبث به كأنه البديل الدائم الذي لن يفكر في مزاحمة
الآخرين له، وإن كان الآخرون هم المعارضة مرة أخرى.
وما علينا إلا أن نتخيل سيزيف يبدأ في جرجرة صخرته كما يفعل عمال السخرة
من أجل أن يقنع القمة بأن ثمة ثروة هائلة من الحكمة تكمن في باطن هذه
الصخرة، وينبغي أن نسعفه من أجل الوصول بها إلى هناك. سيزيف هذا سوف
نراه يتناسخ بشكل أو بآخر في ما لا يحصى من أشكال الصراع العبثي علي
سلطة لا يطالها الشعب إلا في وسائل الإعلام.
(2)
* من البطولة أن تظل متشبثاً بصخرتك لعل المعجزة تسخط الجبل فيصير
سهلاً.
* و من البطولة أيضاً انتظار تدهور الصخرة بك لتسحقك وتصير شهيداً
يشهق باسمك المارة و هم يلتفتون إلى ضريحك :
- سيزيف صاحب الصخرة.. صرعته و لم يستسلم.
* و من البطولة كذلك أن يحسب الناس نضالك النادر جنوناً يستوعبه الحكم
ويفهمه و يتفاهم مع، في حين لا يدرك المحكومون عبرته و لا جدواه فينال
منهم الشك أن الأسطورة ضرباً من الماضي المنصرم.
* و من البطولة ( تقريباً ) أن يفعل الرومان ما يفعلون و يصرمون على
البدو.
(3)
يتـدرب شعـب ٌ، يـؤرخ للنيران و ينســى
يـزدرد النصـال من الحنجـرة حتى الإحليــل
يرفـل في براثـن الفتـك..
شعب ٌ له مـوتى يفوقون الأحياء حضـورا ً و مبارزة و تيهـا ً
كـوخه في آخـرة المـوت
و القناصون يتناوبـون في المنعطفات
شعب ٌ لـه أقـدام كثـيرة
و طريق واحـدة
و مـزيد من الشـراك
مَـن يعلن الأسـئلة على شعـب؟ *
|