(ميرزا الكبير صابر) شاعر ليس من المتوقع أن يعرفه القارئ العربي.
ليس لأنه عاش في الفترة بين نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن
العشرين
( 1862-1911) فقط، و لكن لأنه من بلدة صغيرة في أذربيجان، وهو عالم
لم يكن في يوم من الأيام معروفاً بالنسبة للقارئ العربي بأي شكل. فلا
السبب الإسلامي أتاح لنا التعرف على عالم تلك الشعوب، و لا السبب السوفيتي
ساهم في تعريفنا بتلك التجربة الإنسانية. و لم نزل حتى الآن في معزل
عن تلك العوالم بالرغم من كل المتغيرات الهائلة التي هدمت ما لايقاس
من الحواجز و الأسباب أمام شعوب تلك المناطق من الكرة الأرضية.
المصادفات وحدها يمكن أن تجعلنا نسمع شيئاً عن حياة الشعوب الأخرى،
مهما كان موقعها الجغرافي و سياقها التاريخي. فوسائل الإعلام لاتزال
مرهونة بالمصالح السياسية و التجارية. أما الثقافة فتبقى في هامش الأهداف
الرئيسية لأصحاب الحكم في كل مكان. على أن الأهمية الإنسانية للشأن
الثقافي تبقى هي المرفأ الوحيد الذي يمكن أن يساهم في التعارف العميق
و الباقي بين الشعوب.
أذربيجان منطقة تزخر بالتراث الشعري، و هو تراث اتصل بشعر الفرس و
العرب بصورة يأخذ من المزاج الشرقي أكثر من تأثره بما ورد عليه بعد
الثورة الروسية و عهد الاتحاد السوفيتي. الشاعر اللبناني ميشال سليمان
زار أذربيجان عام 1979 و اكتشف جانباً مجهولاً بالنسبة، وبعد عودته
قام بترجمة عدد من النصوص الشعرية الجميلة من الشعر الأذربيجاني من
عصور مختلفة تبدأ من قرون سالفة حتى الزمن المعاصر. و ذكر لنا الشاعر
اللبناني كيف أن شعراء أذربيجان كانوا يكتبون شعرهم بالعربية و الفارسية
بجانب اللغة الأذربيجانية.
ومن بين شعراء أذربيجان (ميرزا الكبير صابر) الذي أدرك الثورة الروسية
الأولى ( 1905) ، و عمل في مجلة ( ملا ناصر الدين) في بلده، عاش حياته
فقيراً عمل في صناعة الصابون، و الفترة القصيرة التي عمل فيها مدرساً
بفضل ثقافته و موهبته الشعرية حقق إسهاما مهماً في تطوير الشعر في
بلده. و كانت له مواقف نقدية جذرية للتقاليد الاجتماعية والفكرية آنذاك.
أما البساطة العميقة التي اشتهرت به كتابته الشعرية فقد كانت الملح
المحبوب في تجربته
الشعرية، حتى أنك تكاد تشعر أنه يصوغ قصيدته للأطفال لفرط الرمزية
الشفافة التي تتصل بالبساطة العميقة و التأمل الحكيم و النقد الصارم
للواقع من حوله، وهذه واحدة من التأثر الصادق بطبيعة المجتمع الأذربيجاني
في تلك المرحلية.
من بين قصائده سوف نتعرف هنا على قصيدة بعنوان (نصائح إلى الدواجن)
ولعلنا نلحظ السخرية الجارحة التي سوف يفضح بها النظام الاجتماعي و
السياسي، حيث الدواجن في النص هم البشر الذين يعيشون حياة لا تختلف
عن حياة الحيوانات إلا بالشكل، حتى أنني أجد نفسي متلبساً بمقاربة
واقعنا الراهن حين أختار هذه القصيدة دون غيرها، وسوف يجد القارئ معي
كم نحن نضاهي دواجن أذربيجان عندما نتأمل ونحاول وصف حالتنا.
نصائح إلى الدواجن
نامي واصمتي أيتها الدجاجة الجائعة، و احلمي بالحَب
أنظري
و خافي في الصقر أيتها الواهنة، هجومه المفاجئ
انظري
الخطر يواجه القنّ، والباحة أيضاً في خطر
و السيد يشحذ سكينه و الدم يصبغ كفه
انظري
من هذه البيضات التي تبيض
لا تنتظري أية سلامه
فالعجة في الفرن، النار تتقد
انظري
لا تسأليني قمحك أين ولى، و طحينك وكسرتك
الخازن و البيك يستفيدان منهما. هناك يذهب خبزك
انظري
حاذري الخطب الرنانة لدى الذين يبخرون أنفسهم
و ساعة تأزف ساعة العمل، قلما يظهرون
انظري
انتبهي حيي، الملا، و سدي الأذن عن وعظه
فمن تحت قفطانه يسحّ السمّ
انظري
و بدلاً من أن تأملي رؤية المحاسب يصيح : مجاعة
يحضّر كفن، فالقبر ليس بعيداً
انظري
أما رؤوسنا المستنيرة، فلن تأمل أكثر
لكنها ستنهمك في البطاقات و الخمر
انظري
كل ما يفعلون، يقولون، ليس سوى سياسة محنطة
ضجة مفتعلة، خطب رنانة لا أكثر
انظري.
*
|