سؤال الثقافة

سيتوقف النفط / ستبدأ الفطنة.
لاشيء لهذا الإنسان، لهذه الأرض، يبقى غير الكلمة والمعنى. الكلمة، لأنها جسد الإنسان وقدرته على الحضور، والمعنى، لأنه الروح المتأججة المتجددة التي تمنح الحياة الطاقة والطريق.
الفطنة التي نقصد هي الإحساس بأهمية الإنسان، مدركاً ويمسك بزناد المستقبل، سيد الطاقة والطريق وليس عبداً لهما.
في المجتمع العربي، لم يكن النفط (لنا) جميعاً، لكنه بلا شك كان (علينا) جميعاً، ضدنا بلا تبصر :

  • ضد الذين استغرقوا في حريره، لأنه حال دون اتصالهم، بجوهر الحضارة والتقدم الإنساني، ودفعهم إلى وهم الرقي بقشور لا تحصى، وأدى بهم إلى استلاب المعرفة في آن.

  • وضد الذين حرموا من خيره، لأنهم وقعوا تحت وطأة العوز، والوهم، اتصل الكثيرون منهم بالمعرفة والعلم، ولم يزدهم ذلك إلا ألماً، فقد قيل قديماً كلما ازداد الإنسان معرفة ازداد أسى، لديهم فطنة وفقر كثير، فيما كان الآخرون يرفلون في النفط ونادر الفطنة، والآن، نحن في حل من تفسير ما يحدث للنفط، وفي حل من تبريره، يودع النفط مضاربنا فلا تصيبنا الندامة، فقد كنا طوال الوقت على ثقة بثروة أكثر غنى وجمالاً، الإنسان حيث الفطنة.

ويستدير الجميع الآن نحو الفطنة مادام النفط يرشح ذويه للخذلان.
وسنرى الجميع ينهال على الثقافة والأدب حباً وتبجيلاً بعد أن كان الجميع ينهال عليهما غبناً وإحباطا وعزلا.
سنراهم الآن يأتون إلى الثقافة بهدف ترميم واقع يفسد، ويهدده العطب، وينبغي أن نرى في هذه (الالتفاتة) وهذا الاستدراك المعنى الحضاري قبل أن يصدمنا المعنى السياسي.

كان السياسي يضع أمام الثقافة شروطه قبل أي مشروع، مسقطاً من اعتباره الشرط الثقافي، الآن علينا أن نفطن جيداً، ونقترح على الآخرين الفطنة أيضاً، الاحتفاء بالثقافة والأدب(الذي سيبالغ البعض في مهرجانيته) سيدفعنا دوماً إلى تأمل الخيط الأبيض من الخيط الأسود فيه، سنرى إلى واقع يتأرجح بين الحيلة والتحول، ونقول هذا حسن.
لكن بين ذهاب النفط وذهب الثقافة علاقة لم تتحقق أو هي لا تتحقق في مجتمع عربي لا يطال الحكمة من معادنها على كثرة تمرغه في المعادن وهدره لها.

وعندما يستديرون ناحية الثقافة نضع أيدينا على أعضاء الفكر والفعل في أجسادنا، ونقول : هذا حسن.
لم نتصل بالنفط مثلما اتصلوا فيما الثقافة متاحة للجميع، إلى درجة السفح، كيف ينبغي أن تطرح الأسئلة ؟ فمن يحسن اختيار الأسئلة يكون أقرب إلى نجاح محتمل.

لانقدم شرطاً ونؤجل آخر، في ميدان بناء الانسان لا تنفصل الكلمة عن المعنى، مثلما الحرف عن الحرية.
الذين ينهالون على الثقافة احتفاء واحتفالا ومهرجانات وجوائز يصنعون شيئاً جميلاً فنقول : هذا حسن.
وهيامنا بالجمال لا يجعلنا نغفل عن أهمية أن يكون هذا الجمال (فيما يتحول عن النفط) متميزاً بالفطنة.
لكن كيف ؟! نشغف بالأسئلة، لكن : سؤال الثقافة لا يتقدم / لا يتأخر عن سؤال الحرية.

الأحد 27 سبتمبر1987

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى