(1)
لا تتوقف تجارب اصدار المجلات الثقافية عن التراكم ، حيث نصادف بين
يوم وآخر محاولة جديدة لشغل مراغ ملحوظ لغياب المجلة الأدبية العربية
ذات الرؤية الجديدة للكتابة و الحياة
وربما بسبب اختلاط الأشياء و المفاهيم في واقعنا، سوف تصادف هذه المحاولات
العديد من الصعوبات التي تتصل بما يمكن وصفه بفقد المشروع الثقافي
الجديد القادر على تحليل الواقع ووعيه ومواجهة أسئلة المستقبل تلك
الأسئلة التي باتت ملتبسة على ناس هذا الواقع على الصعيد العربي لم
نزل نواجه التخبط والتأرجح بين سطوة المؤسسات الرسمية وشروط السوق
و السلعة، وبين ارتباك القيم و المفاهيم الفنية و الثقافية، مما يؤدي
غالبا إلى وقوع معظم تلك الإصدارات في شراك الواقع الذي لم يعد يرى
في الثقافة سوى مادة للاستهلاك، يتوجب عليها الخضوع لشروط السلعة لكي
يجري التعامل معها في ضوء العرض و الطلب، لكي تصطدم سريعا بحقيقة ملفقة
بأن أحدا لم يعد يطلب الثقافة، خصوصا إذا هي صدرت من ذات المواقف المثالية
التي ترى في هذا الحقل شرفا ومسؤلية لا يتوجب تفاديهما أو التنازل
عنهما، لكونهما يتطلبان الموهبة و المعرفة بالدرجة الأولى
وبالرغم من هذه الملابسات ، إلا أننا يمكن أن نصادف محاولات نادرة،
من شأنها إذا هي تمكنت من الحفاظ على استقلاليتها أن تقدم لنا نوعا
متميزا من العمل الثقافي الجديد و الجاد معا
(2)
صدر مؤخرا العدد الأول من مجلة (بانيبال) ، وهي مجلة تصدر باللغة الإنجليزية
في لندن، وتعني بالأدب العربي الحديث خصوصا، شعرا وقصة وفعاليات مقاربة
لهاذين الفنين ترأس تحريرها مرغريت أوبانك، ويساعدها صموئيل شمعون
في كلمة التقديم الأول تطرح مرغريت ثلاثة أسباب مبدئية دفعتها للحماس
من أجل إصدار هذه المجلة ؛ أولا هو أن الأدب العربي جزء أساسى من التراث
العالمي والحضارة الإنسان ثانيا الشعور بأهمية تعميق الحوار الثقافي
بين التراث المختلف، ثالثا المساهمة في إثارة المتعة الفنية والصافية
لقراء الشعر الجميل والكتابة خصبة الخيال
ومن إنطباعنا بعد الإطلاع على مواد العدد الأول، يمكن القول بأن درجة
واضحة من الجدية وعمق الروح الجديدة وخصوصا الحرة يمكن ملامستها بشكل
يجعل المغامرة التي يدخلها المحرران تتطلب الإحترام والثقة
فمع إعتراف رئيسة التحرير في كلمتها بالصعوبات التي تواجه مهمة الترجمة
إلى الإنجليزية، فإن حذرا وعناية واضحتان تشير إليهما مواد العدد الأول
وعندما نعرف أن أسماء جديدة من الشباب العرب مرشحون لخوض مهمة الترجمة،
سوف نشعر أن مشروع المجلة من شأنه أن يدفع بجيل جديد من الشباب لكي
يحققوا حضورا متميزا في حقل الترجمة، وينجز إضافة تحتاجها الثقافة
العربية في هذا الحقل وبهذا يسهم في الذهاب إلى أفق جديد أمام الأدب
العربي الحديث للإتصال بالحوار الحضاري الذي فشلت في تحقيقه وسائل
عربية مختلفة لئلا نقول متخلفة, مثل السياسة خصوصا فإن مهمة فهم الآخر
وتبادل الحوار العميق معه لا يحدثان بدون أن تتوفر المادة الإبداعية
لهذه الأمة فأنت لا تستطيع أن تجعل الآخر يفهمك بالخطاب السياسي الفج
، في حين أن الآخر يجهلك ككائن مشحون بالعواطف والمشاعر الذاتية من
هذه الزاوية, يمكن أن نرى إلى التجربة التي تقترحها علينا مجلة بانيبال
دون أن يكون ذلك شعارا مباشرآ ضمن برنامجها ففي الكلمة اليقظة التي
كتبتها رئيسة التحرير, نلاحظ البعد الإبداعي والمعرفي الذي تذهب إليه
مباشرة، بمعزل عن أوهام المؤامرة التي يرددها الكثيرون، عندما يفسرون
؛نقص ترجمات الأدب العربي إلى الإنجليزية بوصفها مؤامرة ضد التراث
العربي وتدعو الكلمة جميع الجادين من الأدباء العرب للمساهمة بثقة
تليق بالإبداع في هذا المشروع بعيدا عن السلبية
(3)
من الأسماء الأدبية المساهمة في العدد الأول، يجوز لنا القول بأن البداية
القوية هذه يمكن أن تمنح الثقة لدي الكثيرين لكي يدعموا التجربة أدبيا
وماديا ، خصوصا إذا عرفنا أن المجلة سوف تعتمد (حسب الكلمة) على الكت
اب والقراء بالدرجة الأولى وفي زمن راهن كهذا، لابد لنا أن نذهب إلى
المشاريع المستقلة، والتي تستطيع المحافظة على هذه الإستقلالية عن
المؤسسات العربية التي لم تزل تراوح في مهمة تعويق المشاريع الإبداعية
الجادة أو تقويضها
في العدد الأول ، نقرأ أشعارا و حورات و قصصا و مقالات للأسماء التالية
أدونيس سركون بولص في واحد من أهم وأجمل أحاديثه كمال أبو ديب صلاح
فائق أمجد ناصر غازي القصيبي هاشم شفيق خالد النجار خالد مطاوع محي
الدين اللاذقاني عبدالقادر الجنابي محمد علي فرحات صبحي حديدي البرت
قصيري زكريا تامر طارق الطيب غالية قباني سميرة المانع وجدان السقاني
صموئيل شمعون حسونة المصباحي محمد شكري فيصل دراج مي غصوب بيتر كلارك
فيصل لعيبي فاضل سلطاني وآخرين
إضافة إلى إشارات عديدة لأسماء أخرى سوف يتضمن العدد القادم مساهماتها
أردت أن أشير إلى هذه الأسماء ، لكي ألفت إلى الرحابة الحضارية التي
تصدر عنها وتذهب إليها المجلة، بأمل أن يجد الآخرون في مثل هذه المبادرة
الجوهرية قرائن إيجابية لابد من تعضيدها ودعمها، بالجدية ذاتها التي
تؤكد عليها كلمة التقديم بقي أن نشير أيضا إلى أسماء الهيئة الإستشارية
اللمجلة : اردمت هيلر هشام شرابي بيتر كلارك محمد علي فرحات سيف الرحبي
سوف ننظر إلى آفاق هذه التجربة برأفة من يتمنى الفاكهة الجميلة للغصن
الصغير
|