قاسم حداد

مارسيل خليفة
أنت يوسف و أخوتك لا يحصون

(1)

أحب مارسيل خليفة أكثر قليلا من حبي لقصيدتي الجديدة. وعندما يمس مارسيل خليفة الجزع ينال مني الوجع حتى العظم. لذلك سوف أعتبر أن (القرار الظني) الذي تبرع به القاضي اللبناني هو بمثابة الشك في قمر الحب الذي يغمر ليلنا الدامس بالفضة الصريحة. نحن الذين لم تبق لنا في هذا العالم إلا الأغنيات. فلماذا يعتقد البعض أننا سوف نتنازل عن حقنا في الغناء ( بشتى أشكاله) في حين أنهم يمعنون
(في غزل الشباك ونصب الفخاخ لأجمل خطواتنا نحو المستقبل الغامض (نحبه غامضا دائما

أحب مارسيل خليفة، وهذا حق مشاع كما أعتقد ليس لأحد مصادرته مادام لا يتعارض مع الأمن العام ولا يخدش حياء العامة ولا يمس أمن الدولة المستقرة في سلطتها. هذا الحب الذي يشاركني فيه الملايين من العرب (الباقي منهم خصوصا خارج السرب العام) الذين سبقوني إلى تبني أغنية ( أنا يوسف يا أبي) متحصنين بكلمات محمود درويش و موسيقى مارسيل خليفة لكي يعلنوا أن ثمة أخوة لا يحصون للمغني الذي تمكن من مزج الأرض بأكثر المشاعر حميمية في سياق الأغنية العربية الجديدة. هو الذي ولد من صخرة الجبل متميزا برهافة العصفور

(2)

ليس سهلا الكلام عن مارسيل خليفة بمعزل عن حالنا العام ووضعنا الشامل. فالتهديد الذي يتعرض له هذا الكائن الصغير يمس شغاف كياننا بأكمله، حيث شبكة الظلام القديم الرهيبة ، منسوجة بأكثر الأظلاف ضراوة، تسعى لأعضاء التفكير و العمل الإبداعي في جسدنا المسالم وهي لن تكتفي بواحد منا على الإطلاق، وآلا كانت اكتفت بالعديد من الأسماء الكثيرة التي طالتها في السنوات الأخيرة في بعض (لئلا نقول كل ) البلاد العربية. ومن الخطورة النظر إلى الملابسات (التي يرغب البعض في حصرها بقضية مارسيل خليفة) مفصولة عما يجري في بعض البلاد العربية هذه الأيام، فالشبكة واحدة ، متماسكة ( سجان يمسك سجان) حسب تعبير حبيبنا مظفر النواب (الاحتياط الدائم لمجابهة العسف)

ليست الأغنية هي الهدف، إنما هي وسيلة للوصول إلى العنق الرقيقة التي دأب مارسيل على رفعها شاهقا بارتفاع صوت الغناء. وليس النص هو الغاية إنما هو حجة الصمت على صوت الشخص للوصول إلى الشاعر. وكأنهم يصوغون لنا المستقبل الظلامي على هواهم

(3)

لم يعد الواحد منا مطمئنا إلى جهة. لا الكلمات في منجاة من القصف و الموسيقى
فقد أصبح الخصوم يسأمون طبيعة الكلام فيما يحتدم الاختلاف، وهم الذين يطرحون علينا الصوت بالتعددية و حقوق الإنسان و حرية الرأي. جاء عليهم زمان لا يطيقون فيه صوت المغني وكلمات الشاعر ومخيلة الفنان وهي أضعف الوسائل وأكثرها مسالمة وحبا وتشبها بالهديل
ماذا يريدون من مارسيل خليفة بالضبط ؟

هل لأن الأغنية تصدر من النص المقدس؟ من يقدر على الزعم بأحقيته في الدفاع عن حياض نص هو من العلو و العمومية و المشاع بحيث يصبح من حق كل عاقل أن يقدر حدود الخطأ من الصواب في هذا الحقل. وظني أنه ليس ثمة شخص يقدر على الإحساس بذلك أكثر من المبدع
ماذا يريدون من مارسيل خليفة لكي يصيبهم اليقين بأنه يصدر عن الحق و الخير والجمال ويذهب إليها جميعا أيضا؟

(4)

هانحن، يحدق بنا الخطر دون أن نملك دفاعا غير الكلمات و الإيمان الأعظم بأننا ذاهبون إلى مستقبلنا الذي نحلم به، بالرغم من كل محاولات تعطيل خطواتنا وتعويق ذهابنا الفاتن

سنضع أغنية ( أنت يوسف يا أبي) تعويذة لركوة القهوة كل صباح ، ونرفع صوتنا بالغناء في ساحات العالم معلنين أن لمارسيل خليفة أخوة لا يحصون، وما على قضاة العالم إلا أن يبعثوا بعسسهم وجندرمتهم و صليل سلاسلهم لملاحقة الاخوة الذين لا يحصون

وعندما يتصاعد غيظ القضاة مما نحدث من صخب بهيج في هذا الكون، سوف نبالغ قليلا ونبعث بالتحية ذاتها للأخوة عن كثب في الكويت لنهمس لهم بكلمات يوسف وهو يكتب قصيدته الجديدة، ونقول للبغدادي وليلى العثمان وشملان العيسى وعالية شعيب، أن قلوبنا ترتجف في برد الكون ضعيفة مثلكم خائفة معكم، ولكنها من الثقة والقوة بحيث تقوى على القول أنها ذاهبة معكم إلى صباح الليل. فلا أحد يذكر القضاة في حين أننا نتذكر جيدا المبدعين الذين تعرضوا للعسف وجابهوه وانتصروا عليه

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى