1
يستعد الممثل لكي يذهب إلى البروفة .
يقرأ النص، يتخيله، يحرّكه ويتحرك فيه، ثم يضع النص على الطاولة ويخرج
من غرفة القراءة إلى فضاء الصالة. بعد القراءة وتخطيط الحركة وتخيلها،
يبقى أن يدخل الممثل إلى الحياة. هو الآن يستعد لمنح الكلام المكتوب
طاقة الوقوف على قدمين، والتقدم إلى الآخر مشحوناً باللحم والعظم والدم
البشري.
2
المسافة بين الشخصية والممثل لا تقاس بما بين الدم واللحم، لكن بمابين
الروح والجسد.
يعلن الممثل أنه يتدرب (على الدور المسند إلىه) لكي يقدر على تقمص
الشخصية الجديدة بعد الخروج من شخصيته الأصلية. بمعنى أنه يتدرب على
الهروب من شخصيته الأصلية للتماهي في شخصية ثانية. بمعنى أنه يريد
أن يقنع أشخاصاً آخرين (المخرج، الممثلون، الجمهور) بأنه -حين يبدأ
في التمثيل - لا يعود نفس الشخص الحقيقي الذي يعرفونه، لكنه شخص آخر
اقترحه الكاتب وصاغه المخرج، يحاول هو أن يجعله موجوداً. ولكي يطمئن
الممثل إلى تصديق كل أولئك الآخرين لهذه المسألة، سوف يعتبر كلمات
الإطراء من المخرج وتصفيق الجمهور تأكيداً على أنهم قبلوا زعمه، وتعاملوا
مع أدائه على ذلك الأساس. وبالتالى فسوف يشعر بالأمان تماماً، بحيث
يستطيع، بكل حرية، أن يشحن الشخصية التي يؤديها بطاقة المعاني والدلالات
والإيحاءات التي يريدها، وهو أيضاً سوف يعتقد بأن كل ما سيجري على
لسان هذه الشخصية وما توحي به في العرض، لا يعدو كونه كلامها وصوتها
ومعناها ودلالاتها، وربما تصاعد الأداء ببعض الممثلين لكي يظهر الشخصية
وهي تشطح، إلى الحد الذي تنقض كل ما يتوقعه المخرج منها، وما يتوجب
أن تصل به إلى الجمهور، كل ذلك تحت مظلة الإنفعال الفني الذي تتميز
به موهبة هذا الممثل، الذي أصبح، بدوره، يصدر عن ثقة كاملة بأن الجميع
لن يتجاوز الوهم بأن ما يراه ليس سوى ضرب من اجتهاد الممثل لأجل احياء
النص بواسطة الخيال. ولن يستطيع الممثل مصادرة حق الآخرين في تشغيل
مخيلتهم، ليروا في ذلك العرض شيئاً يتمنى الممثل (في قرارته) أن لا
يروه أبداً.
3
لكن الحقيقة ليست كذلك على وجه التقريب.
ففي كل ما سبق، لم يكن الممثل يتدرب على تقمص الشخصية الأخرى، تلك
التي يرسمها النص ويصوغ المخرج ملامحها الدرامية. حقيقة الأمر، الذي
لن يغفل عنها الممثل الموهوب، تتمثل في الشهوة الكامنة لدي هذا الممثل
لإزاحة الشخصية الفنية التي يقترحها النص والمخرج معاً، واقتحام الفضاء
كاملاً بشخصيته الأصلية لكي تبدأ في الحضور الطاغي، بحيث يتوهم الجمهور
بأن الممثل يتقمص شخصاً آخر، في حين إنه لا يفعل غير التقدم إلينا
بلحمه وعظمه وروحه وكامل عواطفه، التي سوف تبدأ في التفجر أمامنا،
منتهزة حالة الوهم المركبة التي استطاع الممثل أن يفرضها على الجميع.
والجميع هنا سيكون على درجات متفاوتة من معرفة اللعبة. فالكاتب، وهو
يتعامل مع ممثل موهوب، سوف يسرّه أن يرقب شخصيته وهي تتعرض لعملية
التحول العميقة، منتقلة عبر تخوم شاحبة متلفعة بضباب شفيف، من وهم
يقترحه النص إلى حقيقة يجسدها الممثل. وسوف يشعر الكاتب بالثقة الإبداعية
وهو يرى إلى كائناته تتحقق منذ اللحظة الأولى، بواسطة ممثل موهوب،
منتقلة من وهم الجميع إلى حلم الشخص.
4
بالنسبة للكاتب، على صعيد العرض، لا يعود مهماً المعنى العام للنجاح
والفشل. بالنسبة للمخرج، فإنه الطرف الذي يسهر على صياغة ملامح الشخصية
أمام الممثل، مقترحاً أشكالاً مختلفة من العناصر التعبيرية، مجتهداً،
بدأب وصبر كبيرين، في سبيل أن يدرك الممثل، بمواهبه الثقافية والإنسانية،
الأبعاد الدرامية التي يعتقد المخرج أنها ممكنة، لكي يتسنى لهما معاً
(المخرج والممثل) تحقيق الشخصية التي كتبها النص. ولكنه (هذا المخرج
خصوصاً) سيصلي في أعماقه من أجل أن لا يتقيد الممثل (الموهوب) بالتفاصيل
التي يقدمها له، متمنياً بصمت أن يتجاوز الممثل الحدود الواضحة والمعلنة،
وأن ينزع إلى اكتشاف أعماق ذاته. والمخرج الذي يتعامل مع موهوبين،
سوف يطمئن لكل الخروجات التي يمارسها الممثل، متحرراً من شخصية النص
والإخراج، متقدماً إلينا بشخصية الذات الكامنة والمسكوت عنها.
في هذه الحالة، سيكون المخرج مدركاً ما يحدث أمامه، فهو أقرب إلى
هذا التحول من الكاتب، لكنه سوف يهيئ لما يجري ويحرّض عليه. فالمخرج،
فيما يضع القناديل في طريق الممثل، سوف يطفئها بذيل قفطانه في غفلة
من الممثل، لئلا تجد خطواته أرضاً تم اكتشافها، المخرج، وهو يتصل بمحاولة
الممثل الموهوب، وهو يضع قدمه على الأرض، يريد من الممثل أن يقوده
نحو التخوم الجديدة التي يحلم بها. المخرج إذن (إذا كان ممن يذهبون
إلى المكان المختلف في كل مرة) سوف يجد في الممثل، غير الممتثل، قائداً
بديلاً نحو التجربة الجديدة، وليس تابعاً ذليلاً لنصيحة النص ومواعظ
الإخراج، فكلما نجح الممثل في تفادي وضع أقدامه على آثار مَنْ سبقوه،
تيسر للمخرج (ومعه الكاتب) أن يطمئن إلى أن التخوم التي تترآى له ليست
سوى الأفق. فالممثل، وهو يستعد للبروفة، لا يعرف سوى حقيقة واحدة،
هي أن كل هذا العرض والمشهد ذريعة للبوح والتفجّر الذاتي بواسطة خلع
النص وشخصياته، والخروج من الجلد الذي يتبرع به الكاتب والأقنعة التي
يقترحها المخرج. فالبروفة هي لحظة الإنتقال من الخارج إلى الداخل،
وليس العكس.
5
الممثل الذي يحاول تقمّص شخصية (أخرى)، سيفشل غالباً في التعبير عن
ذاته. فأنت لن تقبل الدور إلا لكونه يحمل قدراً منك، إلا لكونه يفتح
لذاتك نافذة تطل منها على العالم. كلما ضاقت المسافة بينك وبين الشخصية،
تضاعف الضوء المتفجر في داخلك. وبهذا تكون فترة التدريبات بمثابة الصقل
الواعي للمرايا التي يمكن أن تعكس لاوعيك المكبوت أو الكامن. التدريب
هنا ليس على ما تعرفه وما هو مكتوب أو مخطط له عند المخرج. التدريب
يكون مثمراً كلما توجه للجانب المجهول وغير المعروف فيك كذاتٍ أولاً،
وكممثل أثناء ذلك. وهو جانب لا يطاله النص ولايستطيع المخرج إدراكه،
أنت فحسب يمكنك فتح الطرق عليه لكي يندلع مثل نار في الهشيم، وبعدها
سوف ترى كيف تتحول البروفة (وهي حالة الخلق المتواصل) إلى عوالم لا
نهائية، حيث الكلمات والتوجيهات لا تمثل تخوماً تحبسك، ولكنها تصبح
أفاقاً تغري بالإقتحام والتقدم، وما عليك إلا أن تتميز بالبسالة والثقة
والإبداع، فليس عملك هو أن تنقل ما يقال لك، عملك هو أن تقول الشيئ
الذي لم يقله لك أحد، وربما بالضبط، كشف الشيء الذي سكت عنه الجميع.
ولهذا فإن البروفة هي التهيؤ لإختراق الآخر بذاتك، وليس تقمص الآخر.
ففي كل مرة يحاول فيه الممثل تقمص غيره حرفياً، سوف يقع في هامش النص
والعرض معاً، فالتقمص عملية لا تتحقق، لأنها غير ممكنة بسبب خارجيتها،
ولإقتصارها في حدود الفعالية الفنية الخالصة، فيما التمثيل ليس كذلك،
التمثيل هو فعل إنساني أولاً .
6
أنت تتهيأ في التدريبات لكي تستعد لحفلة نزع الأقنعة، لا لوضعها.
الوهم الذي يصدر عنه الممثل، معتقداً بأن عليه أن يحسن اختيار القناع
المناسب واحكامه على الشخص والملامح، هو الوهم نفسه الذي يؤدي بالعرض
إلى تقديم الآخر على أشلاء الذات ورمادها. وبالتالي سيكون أمامنا رصيد
كبير من الأقنعة، دون أن نلامس الشخص الحقيقي الذي يظل مكبوتاً في
الممثل. القناع (مهما أحسنت اختياره والتواري خلفه) يظل قناعاً لا
يمثلك (لفرط ما حاولت تمثيله)، إنه قناع / شخص آخر غيرك. وأنت لا تقدر
على تقديم غيرك على نفسك، مهما أتقنت التقمص، إنه شيئ يشبه المستحيل،
هو مستحيل بالمعنى المطلق للمحاكاة. فإنك سوف تراكم القناع فوق القناع،
لكي تقنع المشاهد بأنك لست أنت. ولعلك تنجح في ذلك، بمقدار نجاحك في
إقناع الكرسي بأنه بهو البيت؟ الإنسان ليس قناعاً، كما أنه ليس مطية
أفكار. الأقنعة لا تقدر على تحقيق ذاتها، فكيف يكون بمقدورها أن تحقق
غيرها، الإنسان خصوصاً. ليس ثمة قناع ينجح في ذلك. لكنك بالمقابل ستكون
قادراً (ما دمت ممثلاً موهوباً) أن تنزع القناع الذي تضعه طوال الوقت،
وتقدم حقيقة نفسك المتوارية، مثلما تقف تحت ضوء ساطع أمام مرآة، أو
العديد من المرايا. فإذا سعيتَ في فترة التدريب من أجل تحقيق ذاتك
في العرض، سيتاح لك أن تفوت على الشخصية الأخرى نيتها في نفيك.
البروفة، من هذه الشرفة، هي التهيؤ، يوماً بعد يوم، لكشف الشخصية
الأخرى التي يقترحها عليك النص، لا لتوهمها أو تقمصها أو التماهي فيها،
ولكن للعمل على تفاديها أثناء العرض. ففي لحظة العرض، يتوجب علينا
أن نتعرف عليك أنت، وليس غيرك، فالشخص الآخر يمكن أن نصادفه هناك،
لحظة تحققه في الحياة. أما أنت، الممثل، فعليك أن تحول دون امتثالك
لغيرك. وغيرك هنا سوف يكون الكاتب والمخرج والشخصية الأخرى، كل هؤلاء
الذين يطلبون منك تقمص ذواتهم. من يقدر على تقمص شخص آخر ... سواه
؟
7
ليس دقيقاً القول بأن الممثل الجيد هو الذي يقنعنا بغيره. البهلوان
في السيرك (وهو فنان في مجاله) سيعمل على إقناعنا بأن القرد أقل موهبه
منه. لكننا سنظل على يقين أنه ليس قرداً، ثم نواصل الضحك، فلا محاولات
البهلوان تنتهي ولا نحن نصدق. الممثل سيقنعنا بأنه هو عندما يقف في
المشهد، أياً كانت الشخصية وأياً كان المشهد. فليس من الحكمة أن يترك
الممثل نفسه خارج المشهد ويدخل علينا بما لا ينتمي إليه. فربما استهوانا
هذا العمل كبراعة فنية، لكنه بالتأكيد لن يستوقفنا كفعالية إنسانية.
ففي حضورنا رغبة للتعرف على ذات الممثل وليس موضوعه. ثمة مئات الممثلين
وما لا يحصى من الموضوعات، لكن ما يميز أداء الممثل المحدد للدور المحدد
هو الذات الخاصة بالممثل. وعندما يزعم ممثلٌ أنه سيقدم شخصية هاملت
بمعزل عن ذاته، سوف يقدم لنا أحد شيئين : إما ما كتبه شكسبير منذ مئات
السنين أو ما اقترحه المخرج فحسب. والحقيقة إننا سنتعرف على هذين الاحتمالين
كما لو أنهما رسالة محايدة خالية من الروح الإنساني الخاص، رسالة باردة
عارية من اللحم والدم فقيرة الروح. الروح هنا هي ذات الممثل الذي لابد
له أن يقف في الشخصية والمشهد بما يكتنز به هو من موهبة وتجربة وخصوصية،
وإلا فإننا سنتصل بتقنية المخرج ونص الكاتب، دون أن يستوقفنا الحضور
الإنساني للممثل، ربما لأنه غير موجود كفعل إبداع. كيف يستقيم للممثل
إذن الزعم بأنه حقق حضوره الإبداعي في العرض؟
8
نذهب إلى العرض المسرحي لا لنشاهد الحلاج وما جرى له، كلنا يعرف ذلك
أو سمع عنه. نحن نذهب لكي نرى الممثل المحدد وهو يتوسل شخصية الحلاج،
ويتفاداه ، لكي يقدم لنا تجربته هو. هو كشخص في الحياة وتجربته فيها،
وفيما عدا ذلك فإن العرض لن يشكل لنا حدثاً ذا معنى. الممثل الذي اختار
أن يؤدي هذه الشخصية يتوجب عليه أن يكون مستعداً (بمعنى أن يكون قبل
التدريبات وبدونها مهيئاً) لأن يبوح لنا بمكنون ذاتي قد لا يوازي تجربة
الحلاج، ولا يضاهيه أو يتجاوزه، ولكن لابد له أن يختلف عنه لحظة المنحنى
الإنساني الذي يتقاطع فيه معه. وهو بالتالي سيكون مستعداً لأن يتفادى
مفهوم التقمص التقني الذي يتوهمه البعض لحظة العرض. إنه سيقدم لنا
ذاته الخاصة كتجربة انسانية، تجربة متصلة بالجذر الإنساني للحلاج من
جهة، وبكاتب النص المعاصر من جهة، وبما يقترحه المخرج من جهة ثالثة.
أقول متصلة وليست مقتصرة على ذلك. فثمة حقيقة (يمكن التثبت منها) في
حياتنا تقول، بأنه لابد من العثور على شيئ من تجربة الشخصية الدرامية
في حياة الممثل، وهذا الشيئ هو الذي سوف يسعى الممثل لتقديمه لنا والبوح
به تحت ضوء البروفة وأمام مرايا المشهد. وسوف يتوقف الأمر دوماً على
مقدرة الممثل في العثور على ما يلامس شغافه من ملامح الشخصية الدرامية
وتضاريسها الروحية والنفسية، فكلما توغل الممثل في تأمل أعماقه وسبر
تفاصيل حياته، أتيحت له الفرص للإمساك بالعناصر الدرامية في فعاليته
المسرحية، مما يحقق التفجرات الإبداعية بينه وبين الشخصية الأخرى.
ففي كل منا شيئ من جنون الملك لير و ذعر هاملت وعقدة أوديب وعذاب عطيل
ومنعطف الحلاج، وليس على الممثل إلا أن يتيح المجال لحرية مخيلته في
اقتحام التخوم التي تحول بينه وبين ذاته الداخلية.
9
في العرض، لا يأتي الممثل لكي يقبل قمع المخرج بتوجيهاته، ولا مصادرة
النص للنزوع الفطري لدى الممثل لأن يقول نفسه، بدل أن ينقل نفوس أخرى،
يرتديها ويخلعها مثل القميص وبقية أدوات الإكسسوار والديكور. التمثيل
ليس كذلك. التمثيل ليس لاحقاً لعناصر العرض والمشهد، ولكنه سابق عليه
وفاعل فيه. وإذا أراد الممثل أن يمثل شخصية المرأة التي سيتحتم عليها
قتل زوجها(مادياً أومعنوياً) لتُخلص لمن تحب، لابد أن نكتشف أن ثمة
مشكلة ذاتية يحاول الممثل تجاوزها فيما يتعرض لهذه الشخصية، ليس لنقاء
الممثل مما تعالجه المسرحية كموضوع خارج عن إرادة الشخص، ولكن، خصوصاً،
لأن الممثل جاء العرض ليؤكد بأن أحداً منا لن يكون بريئاً عندما يراقب
ما يحدث، فما يحدث، يحدثُ لأن أحداً منا سوف يخرج من العرض ليواجه
مايشبه أو يضاهي ذلك في الحياة خارج العرض، وبالتالي فإن الممثل لا
يقول شيئاً كتبه المؤلف أو تخيله المخرج، على العكس إنه يبوح بالشيئ
المغفل والمسكوت عنه، وهذا ما سيجعل أغلبية المشاهدين تغادر العرض،
لا لكي (تخرج) من الصالة، لكن لكي (تدخل) في الحالة. وإذا كان ثمة
من سيأتي إلى العرض للتخلص (لئلا نقول التطهر) من حقيقته، بواسطة تقمّص
الممثل لشخصية درامية، ثم يذهب بعد ذلك إلى الفراش مطمئناً إلى أن
كل شيئ كان وهماً محظاً، عليه أن يعيد النظر في المفهوم المهيمن لمعنى
التمثيل بوصفه جرعة مسكنة، بمساعدة ممثل لا علاقة له بالنص ولا بالعرض
ولا بالشخصية الدرامية ولا بالموضوع، أكثر من هذا، لا علاقة له بذاته
كإنسان في الحياة، فالجميع كانوا يلعبون (بالمعنى المجاني للعب). ممثلٌ
مثل هذا سيذهب إلى فراشه (مثل ذلك المشاهد) مطمئناً بأن كل شيئ ليس
كذلك.
10
ترى هل يستطيع الممثل أن يقبل فكرة التمثيل، عندما يشعر إنه قام (بالدور)
الذي أسند إليه، محايداً إلى هذا الحد؟ بمعنى أنه كان يؤدي دوراً ليس
له علاقة به. وإنما هو تقمّص الشخصية التي ليست هو. وبناء عليه فإنه
الآن يستعد لأن يجري البروفة القادمة على شخصية درامية أخرى، لا يعنيه
أن يعرف ما إذا كانت ذاتاً تنتمي إليه إنسانياً، ويتصل بها في البؤرة
النفسية العميقة أم لا. كيف يمكننا مواصلة الخضوع للوهم، بأن الشخص
يمارس التمثيل مؤمناً بأن لا علاقة له بما يجري، وما هو إلا موصل جيد
للنص والإخراج، وإنه سيكون دوماً بريئاً من الجنون والحب والحقد والشهوة
والهزيمة والضعف والرغبة والتمرد والرفض والشك والعشق والذل والشجاعة
والإحباط والأمل واليأس والخيانة والكذب والصدق والخبث والقسوة والخذلان
والحنين والشيخوخة والطفولة، إلى آخر هذه العناصر، التي لن يخلو منها
كائن إنساني على الإطلاق، مثلما لن تخلق الشخصيات الدرامية بمعزل عنها.
11
كيف يمكننا أن نقبل فكرة البروفة، بوصفها تدريبات وتمارين، يجتازها
الممثل لكي يستعد للخروج من شخصيته وتقمص شخصية سواه؟. ألا يجوز لنا
حقاً أن نتوقف أمام هذه الفكرة، لكي نتيقن ما إذا كنا نفعل الصواب،
ونحن في وارد الحديث عن التمثيل باعتباره حياتنا؟*
|