1
ثمة جيشٌ من الحمقى يتفاقم في المشهد .
إحساس فاجع يلازمني في السنوات الأخيرة. وبيني ويبن الجهر بهذا الأمر
كثير من الخنادق. فمن السهولة أن تفتك بي كتيبة كاملة (مجهزة بكل الأدوات)
عندما أفصح عن هذا. لماذا يتوجب على المرء أن يسكت عن مشاعره تجاه
الوباء الذي يتراكم أمامه إلى هذا الحد ؟
لا أملك الأجوبة. أملك أن أمسك نفسي (حتى الآن على الأقل) عن البوح
أمام كائنات لا تفهم الفرق بين النوم والكوابيس .
خالجني شعور هذا الصباح أن لا أخرج من البيت. أترك العمل في مكانه،
وأتجاهل الشارع، وأغفل عن الناس الذين يركضون في كل الإتجاهات، دون
أن يدركوا إختراعاً يسمى البوصلة. لا يعرفون أن الذهاب، الذي يذهبون
إليه، لا يعود له معنى إذا هم تخلوا عن إعلان يقظتهم في مقابل النوم
الزاخر بالكوابيس.
شعور نبيل في غابة تحصنني ضد إنسانيتي. قلت هذا شعور نبيل ، لكن يتوجب
تأجيله لما بعد الموت، الآن لا أستطيع الجهر بأن ثمة بشر يتفاقمون
في طبيعة القطيع والحماقة، فيما يزعمون عكس ذلك. قلت هذا شعور نبيل،
جدير بنبلاء يصغون إليه ويفهمونه ويتفهمون رغبة الحياة فيه. الحمقى
لا يزالون عبيداً، يلزمهم عدة قرون ضوئية لكي يدركوا أنهم ليسوا هنا
.. على الإطلاق.
هاهم يتفاقمون في المشهد ، فيما أكون قد أوشكت على المغادرة .
2
طرقوا باب الليل، لم أكن نائماً تماماً، وكانوا في يقظة الوحش. كنت
أفتح لهم الباب بخسارة فادحة. وبّختهم لاقتحامهم سكينة غيابي، بادرني
أحدهم بجدية فجّة :
- أين كنت طوال الوقت ؟
- لم أكن في مكان .
- عليك أن تكبح أحلامك .
- عفواً ، لكنني لا أحلم.
- لا تحلم؟! ، مالذي تفعله إذن فيما تلوذ بالصمت .
- ها أنت قلتها، ... ألوذ بالصمت فحسب.
- لا ، ليس هناك صمت خالص. إنك توهمنا بذلك، لابد أنك تستسلم لأحلامك.
- في مثل هذا الضجيج الشامل ! كيف يمكن العثور على حلم.
- نكاد نسمع أحلامك الصاخبة تشغل الفضاء وتفسد علينا المهرجان.
- عجباً، يوم كنتُ أتكلم عالياً لم يكن أحداً يصغي ، والآن ..
- على الأقل كنا نعرف ماذا يدور في رأسك ، الآن، في صمت فاضح كهذا
، مَنْ يعرف .
- كنتم تسمعون إذن، لماذا لم ..
- دع ذلك الآن، وقتها لم يكن الوقت مناسباً.
- حسناً ، لقد توقفت عن الكلام ، ربما أجد في الصمت بعض العزاء.
- في الحياة شيئان : الكلام والأحلام. وأنت أما أن تكون هنا أو
تكون هناك، وفي الحالين يتوجب أن نسمعك بوضوح.
- لقد كنتم تسمعونني طوال الوقت، ما الفائدة. ربما كان الصمت أكثر
سلاماً لروحي.
- ما دمت في الصمت فأنت إلى الحلم أقرب منه إلى الواقع. من يعرف،
ربما لا يكون تقديرك لواقعية أحلامك موفقاً. لذا تظل بحاجة لمن يرشد
أحلامك، إنها مسألة أنسانية محضة.
- كيف يمكن لمن يتغافل عن الكلام أن يكترث بالصمت.
- في الحياة، الصمت يعني غياباً، لكن ثمة حضور يشفُّ عن صمت عامرٍ
بأحلام تصل حد الشطح. عليك أن تكون واقعياً .
- أنتم تعرفون ، لم أكن واقعياً في يوم ما.
- لقد كنت تحلم بمعزل عنا، المشكلة أننا نشعر بأحلامك، لكننا لم
نعد نفهمها بوضوح، يتوجب عليك أن تجهر بأحلامك لكي نراها.
- لكن كيف يمكن أن أجهر بالصمت ، هل صادف ورأيتم صمتاً يقدر على
الكلام ؟
- ربما يمكن تفسيره على الأقل. هذا ما نحاول التعامل معه هذه المرة
، وعليك أن تتفهم الأمر .
- لستُ مختصاً في ترجمة الصمت، هذا شأنكم ، لقد سأمت الكلام والصمت
معاً .
- لكن للأسف ، فأنت لم تترك عادة الحلم .
- الحلم ، وماذا يمنع ؟
- ربما احتجت لتقويم أحلامك، فلم يعد كافياً تقويم الكلام، يجب
أن تشعر بمسؤليتك الإنسانية، فأنت أحد بناة المستقبل .
- مستقبل ؟ !!
حاولت أن أكتم ضحكة كئيبة ، لكنني فطستُ ، ثم متُّ ، ففرحتُ لذلك
قليلاً .*
|