غصت في الأرض إلى أطول شعره
وشربت المطر المخزون في الأرض إلى آخر قطرة
فرأيت القمر الميت من مليون عام
ذلك الغائب عن عالمنا الممدود في عين الظلام
قمر الدرب الطويل
كان يشكو المرض المغموس في الطين، وكان
يبصق القيء، وتعلوه على الخدين صفرة
مثلنا كان غريبا ذلك الطفل الجميل
تحت جلد الأرض مصلوبا على أبواب قبره
ماتت الرغبة في الإبحار عني
ماتت الرغبة إلا في الرجوع
ذلك النور الذي يشكو الغباء
وصراخ البشر الأموات من أجل البقاء
ليس لي إلا الرجوع
فسكبت المطر المخزون في قلبي على صدر القمر
وتلوت الآية الكبرى
تيممت وصليت لربي ركعتين
عند أقدام القمر
وقرأت السور الكبرى مع الصغرى
وطولت الدعاء
عشت في التوراة مرة
وعلى صفحة وجه القمر المسكين فوارة ماء
عشت في الإنجيل والقران - في رهبة قلبي- ألف مرة
ولبست الخرقة البيضاء
أفنيت، تصوفت، ترجيت الإله
أجل أن يعطي أمرا بالحياة
لدماء القمر الميت في أسفل صخرة
وتصبرت على السم الذي يأكل مني وانتظرت الأمر يأتي مثل برق
مثل سرب من حمام
يحمل النور إلى أرضي ويعطيها السلام
آه .. لكني تحجرت على جبهتي الملقاة في الأرض
وحاكيت الجدار
كاد موت القمر الميت يسري في عروقي
مثل أحلام الشروق
في نهايات النهار
قمت، حركت ذراعي، شلت ظهري
وشربت المطر المخزون في الأرض إلى آخر قطره
وحملت الألم المحزون في قلبي وأعددت الرحال
ذلك الجرح الذي يضرب إحداقي وأحداق النهار
ذلك الجرح الذي ينبت نار
ليس تفنيه الخرافات وأشباه الرجال
فنفضت الذل عن رأسي وأسقطت الخيال
ثم عانقت صليبي
وحملت القمر الميت من جوف التراب
وتقدمت بحملي
أضرب الأرض بإصراري وثقلي
وتجرعت العذابات الغزيرة
وتصارعت مع الموت- الذي مات على دربي- مرات كثيرة
وقتلت الألم المزروع في ملح البحار
فتخطيت البراكين التي تقذف نار
والمفازات المريرة
وإذا الجدران في دربي تنهار
ويحيا ألف باب
فعرفت الحب في خطوي و يممت السحاب
فرأيت القمر المحمول يرتج على صدري
يجري في فضاء الكون
يغتال السراب
وإذا النور الذي غاب عن الأرض يعود
مثلما يرجع إنسان إلى عهد الطفولة
عاد نور القمر الغائب في حب وثورة
يا رفاقي، فاسمعوا مني
اشربوا مثلي ماء المطر المخزون في الأرض إلى أخر قطره
يا رفاق العمر
غوصوا في عيون الأرض
وارتادوا إلى أطول شعره
|