مجنون ليلى

( بالاشتراك مع الفنان العراقي ضياء العزاوي)
طبعة لندن
مجموعة أرابسك - لندن 1996

 

في الحج

نقلت لنا الروايات مواقف صادفها قيس في الحج، مما يوحي أنه قد سافر غير مرةٍ إلى البيت الحرام إلا أن شيخنا أبا صلاحٍ خلف الغساني روى عن أحد المجاورين، نمت إليه طرف عن قيس، قال ( إن قيساً، ربما ذهب إلى الحج مرةً واحدة، وأقول، ذهب، لكي أعني أنه لم يسافر بنيته في الحج، ولم يؤد حجاً بمناسكنا وشعائرنا، تلك هي يتيمته التي ذهبها مع أبيه للشفاء من الولع، وقد منعته حكومة الحج وسدنة البيت من دخول الحرم بعد شنيعته فقد سلك طريقةً وقال شعراً ابتدع بهما بدعةً هي الهرطقة عينها، مما أثار عليه الخلق وحرك إليه أحجار البيت كلها ويتراءى لي أن قيساً لم يأت مكة ليعلن عشقه ويذيع غزله في ليلى، وهذا مألوف في وقته، لكنه، والله أعلم، جاء لأمر آخر وقد إلتفت يومها كثيرون إلى شعر ذلك المجنون بدهشةٍ تسبق السحر، ولولا قدرة الله لدبت في الناس الفتنة)
قال، وقد أخبرني ذلك المجاور أنه لـما حضروا به مكة، بات ليلةً يحدث نفسه كالذي في النوم يهذي ويعاتب امرأةً حاضرةً فسئل عن ذلك فحلف أن ليلى كانت إلى جانبه في الوقت وأنها تجلت له في هيئة أتانٍ، تقود قطيعاً عظيماً من بقر الوحش، وتدور به حول نبع ماءٍ، يتفجر ويصيب القطيع فيغسله والبقر يطوف ويطلب من الله رحمة ليلى ورفع غضبها، والأتان لا يكف عن السعي والدوران حول الماء فسأل ليلى لماذا تأخذ طبيعة الأتان، قالت له إن في الأتان شيئاً من رائحة الأنبياء)

قيل أيضاً إنه لما طلب منه أبوه أن يتعلق بأستار الكعبة لينسى، امتثل له، وما أن لامست يداه قطيفة الأستار، حتى شعر بحياةٍ غامضةٍ تنداح بين يديه وعينيه فاخترقته شرارة الشهوة لفرط ما رأى فأخذ يتمرغ في الأستار كما في تختٍ مترفٍ، وأطلق صرخةً عظيمةً، زلزلت صحن البيت كله، وسمعها من في روؤس الجبال (يالهذه الأردية الهائلة، الكائن الصغير وراء قميصٍ بهذه الرحابة والهيبة، إنها هنا)

وأخذ يشهق ويتقلص وينفرج وينبسط ويشب جسده وتدب فيه الحمى ثم يرشح بالعرق ولا يدرك أحد أن هذا يكفيه
في روايةٍ أخرى قال علي بن محمدٍ أنه كان يسعى بين الصفا والمروة و إذا بمنادٍ ينادي من فوق صخرةٍ كبيرةٍ، والناس تنصرف عن السعي متحلقةً حوله، فاقتربت لكي أرى شخصاً علمت فيما بعد أنه المجنون يشيد هيكله في الناس فما إن وصل بناؤه إلى تقويض البناء الأول، حتى شعرت بأن أعضائي تفلج وتقصر عن حملي فأنهار جسمي لشدة ما سمعت، فحملني أصحابي إلى ناحيةٍ ينضحون الماء فوق جسدي لكي أخرج من إغمائي وكان ذلك آخر علمي بذلك المجنون)

 

 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى