وجــوه

ليس ثمـة نهاية لنص

يوسف المحميد

بمهماز يسوق المفردات في براري اللغة، يدفعها في عتمة الدهاليز، ويفجؤها بعشب الخلاء، تتلاحق صخبا، هدأة، جنونا، عشقا، غبطة، ضلالا، حد ان لا تعرف نهاية تقف عندها: " ليس لك أن تنجو من وهدة الخاتمة / فليس ثمة نهاية لنص " كما يقول الشاعر قاسم حداد في تجربته الأخيرة " وجوه " ، مقترفا خطيئة التجربة والمغامرة، مع إبراهيم بوسعد تشكيلا بوجوه تتدلى مواربة، ومع خالد الشيخ بموسيقى إن تغفل عنها يتنامى زغب أجنحتها خلسة، لتطير من شجر أذنيك.
إذا، الموسيقى تتدحرج في السلام، فينثال " أدونيس " صوتا وارفأ، كأنما يتسلق أسوار " أوروك " تجرحك مفردات " قاسم " شلواً شلواً، كما استسلمت لها كلما باغتك " رماد غادر " يحمل في طيه هزاجتها، حرارتها، وحرقتها.

لماذا المغامرة

ربما بدءا ينهض السؤال، عن قاسم حداد الشاعر، عن إبراهيم بوسعد التشكيلي، وعن خالد الشيخ الموسيقي، و " أدونيس " الشاعر الكبير، والرائي المغاير، قارئا فقط للنص الشعري " وجوه " ، وغيرهم كثير: هدى عبد الله، حسام أحمد، محمد عبد الرحيم، جاسم درويش، باسل أحمد، المخرج عبد الله السعداوي، وغيرهم، لم كل هذا الحشد، لم كل هذا الجنون، إذ يعنون المشاركون مقدمة كتابهم : " على مبعدة من العقل، عن كثب من الجنون " . ما الذي يجمع هؤلاء ليس هناك أقوى من إجابتهم التي نلمسها ولا نكاد نقبض عليها: " لا يجمع بيننا سوى الإيمان بأن حرية المخيلة هي شرط الإبداع الأول، لا يجمع بيننا سوى الشك في أن لا جديد تحت الشمس .
لا يجمع بيننا سوى اليقين بان في الإمكان أحسن مما كان .
لا يجمع بيننا سوى الثقة بأن كل شيء ليس على ما يرام .
لا يجمع بيننا سوى لذة التجربة وتوق التعبير عن الذات .
بما يجعل الفن جديدا مثل الطفولة وجديرا مثل الحب .
لا يجمع بيننا غير الصوت الغامض الخفي الذي يصدر من الأعماق، هامسا بان في المخيلة من الطاقة ما يعني عن الجلوس تحت عتمة الذهن وكآبة العقل وجلافة المنطق وادعاء الكمال " .

أين نقف

لوهلة، والقارئ يهمز أحلامه خفيفة، في تفاصيل النص الشعري، داخل الكتيب، يسيرها مسكوناً بشخوص النص، وجوهه، الحوذي فيه، الباب الموارب، النساء، الساحل، الموت، الجسد.. إلخ . كلما خالطته تلك، وقادته إلى متاهة النص، كلما ارتبك القارئ، بالوجوه يدليها بخيوط رفيعة من رؤوس الصفحات الفنان إبراهيم بوسعد. كأنما الوجوه، ملامحها، ألفتها، ندوبها، دهشتها، تسابق قطيع الكلمات النافرة، كأنما الموسيقى، على مهل، ترجرج القارئ عنوه، فلا يحيا " ولا يقدر عليه موت " . الأصوات تأتى هادئة، من أقاصي الساحل، أو الغابة، أو الجبال، لا تكاد تخبو، حتى يلتقط الكلام صوت رفيع وحاذ كبياض فجر.

حدود النص

ينهال النص، بغتة، فلا بكاد القارئ أو السامع أن بتمهل، ولا يملك، أن يراه يفر أمامه، هي إذا تجربة لا تعني تورط الشاعر والتشكيلي والموسيقي، قدر ما تورط المتلقى، الذي يلمس الوجوه، حيث :
الوجوه الوجوه
استعارت حيادا من الماء
استدارت لتخلع أقنعة من هواء.
ويلمس الوجوه، التي تجابه بحدقة واحدة .
هذا النص الذي لا حدود له، إذ يهدم حدود الفنون (بوصفها تخوما) ويعيد بناءها من جديد لم بوصفها أفقا). يسعى في نهايته، نصا، تشكيلا، وموسيقى، إلى النجاة، ليس من المغامرة، إذ المغامرة هي ما يجمع هؤلاء، بل مما يجعل منهم باحثين " عن المعنى، قبل كتابة النص، وقبل نهاية الإيقاع، ودون أن يجف اللون، وقبل مغادرة القاعة " .

هذا الثلاثي

قاسم حداد في " وجوه " هو ذاته الذي يخف من هدأة الشعر، إلى همهمة اللون ويقظته (في تجربته ما قبل الأخيرة مع ضياء العزاوي)، لا يفتأ أن يطارد وجوه القص، وتستوقفه إغماضه الفوتوغرافيا الخاطفة، هذا " ‹الحداد " لم يغرر، ولم يغرر به، فخالد الشيخ، الذي آثر العزلة، وردم أنين الموسيقى وشهقاتها في خزانة عتيقة، وقال : لا، إنما تمهل ليرى إلى التكرار بعين بصيرة، باحثا عما يهيم به، ويفلت موسيقاه من خزائنها. فكان هذا النص الذاهب إلى الأعمق، وهذي الوجوه التي، لم تفتش خزائن خالد الشيخ، بل سلبت ألوان إبراهيم بوسعد، وفرت بها، بعيدا، في مركز الفنون الذي سجل تجربتهم الأولى في 8/3/97

إشارة أخيرة

القسم الثاني من هذه التجربة قدمها " مسرح أوال " بعنوان " وجوه " شعر: قاسم حداد، موسيقى: خالد الشيخ، وتشكيل: إبراهيم بوسعد، وذلك على الصالة الثقافية يوم الثلاثاء الماضي 8/ 4/97م .

اليمامة - العدد 1450
27- ذو القعدة 1417هـ

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى