( وجـوه )
عرض مبهم بتشويش بصري
الكلمات مبهمة، معقدة،
غامضة، موغلة بالعبث
قاسم دشتي
جريدة (الوطن) الكويتية
2-4-97
ضمن فعاليات المهرجان المسرحي الخامس لمجلس التعاون لدول الخليج العربية قدم مسرح أوال من دولة البحرين عرض "وجوه " وهو عبارة عن تجربة لمزج ثلاثة فنون عبر عمل واحد معتمدا على نصوص شعرية لقاسم حداد وموسيقا خالد الشيخ ولوحات تشكيلية وسينوغرافية لإبراهيم بو سعد.
ولا يعتمد (وجوه) على شكل المسرح الروماني التقليدي بل يوظف بعض ملامح الفرجة العربية بأن يلتف الجمهور كحلقة حول الممثلين مع مزجها ببعض الطقوس كإشعال الشموع والجبازة حين يحاول المخرج عبد الله يوسف تغيير كلمات القصائد الملحنة أو المغناة إلى تعبير حركي مصاحب لأداء الممثلين مع توظيف الإضاءة لتغيير بعض الحالات، كما يقوم الممثلون بلبس ملابسهم والدخول في الدور إمام المشاهدين .
يبدأ العرض بهمهمات الممثلين بتشكيلاتهم الجسدية المتنوعة على الأرض ، فيما يبدو الكاتب شاهدا على الأحداث لنستمع بعدها إلى النداء التحريضي من (زهرة الناس) كما ورد في مجلة المهرجان .
تقول زهرة الناس : تدفقوا من صرخة تشتعل لتركم الأرض وتلمس أطرافكم راياتكم كوفية البيت وثيابكم حزن ثاقب.
موشحون بيسالة الذهب نحو تخوم الخريطة وفجوة الأرض تحزمون المدن بشكيمة الحجر!!.
وإزاء هذا التحريض تتحرك أجساد الممثلين بتعبيرات حركية تبعاً للكلمات بأوضاع مختلفة متنوعة وسط اللوحات التشكيلية الجميلة واللافتات المعلقة في أرجاء المكان عبر السقف وعبر أعمدة متشابكة بينما يظل الكرسي - أشبه بكرسي العرش معلقا في الهواء في اقصى اليسار، ويتحرك الراقص والراقصة بتعبيرات ورقصات بالية مفسرين لحالة فنية كمعادل لمدلولات النص الشعري، وتدور الاتجاهات في هذا العمل حول أربع فئات بدءا بالكاتب والحوذي والشعب أو مجاميع الممثلين والسلطة القمعية.
تشويش بصري
في هذا العمل نجد تشويشا بصريا لعدم وجود بؤرة ارتكاز بصرية لدى المتفرج باتجاه أي جزء في العمل، الذي كان يبدو برؤاه الإخراجية أشبه بأذرع الأخطبوط التي تلطش "قفا" المتفرج وتلقيه ذات اليمين وذات الشمال دون الوصول إلى نتيجة فالكلمات الشعرية مبهمة معقدة غامضة موغلة بالعبث ولا تؤدي إلى معنى مفهوم بالعقلية البشرية المجردة وربما تحتاج لجهاز حاسوب آلي لترجمة المفردات الكثيرة التي تلقى في وجه المتفرج المذهول إمام هذا "المولد"!! فأي متلق سيستوعب "راياتكم كوفية البيت وثيابكم حزن ثاقب" أو "موشحون بيسالة الذهب نحو تحوم الخريطة وفجوة الأرض"!!.
وكيف سيستقبل العقل البشري العادي هذه السينوغرافيا التي تحوم في أرجاء المكان وهتي تقول "تحرسون الاحلام المذعورة في نوم الأطفال" تقذفون بقناديلكم نيازك تبغت الغافل والمأخوذ والشريد والنائم !!
وأين لحظات الراحة التي يحتاجها ذهن المتلقي وعيناه في ظل هذه الحركة التي تدور في ارجاء الحلقة وتحول رقاب المتفرجين إلى "سبرنكات" تتف حول الجميع للبحث عن خيط رفيع يمسك به الجمهور للسير معه فى لحمة العمل وفي ظل وجود نصوص شعرية مبهمة: ترهق العقل وتصيبه " بالدهشة ؟
مقومات المسرح
بصراحة، أستطيع ان أصرح بأن ما شاهدته لا يرتبط بمقومات العمل المسرحي لأنه يفتقد لأهم ركيزة إلا وهي النص المسرحي ببنيته الدرامية بشتى أنواع الكتابة المسرحية وما فى شاهدناه ليس سوى عرض تجريبي يعتمد على قصائد حداثية تبدأ وتتفرع وتتفرع إلى يوم القيامة ، دون الوصول معها إلى نتيجة، لذا اعتقد ان مدلول هذه الاحتفالية الخليجية واضح اذ ان اسمه هو "المهرجان المسرحي" وليس مهرجان البحث عن "القطو والفار" لذا يتحتم على القائمين على هذا المهرجان الخليجي في دول "مجلس التعاون اختيار الأعمال التي ترتبط بفن المسرح حتى في ظل توظيف بعض الرؤى المبتكرة والتجريبية لا ان تقدم أعمالا تضيع مشيتها ومشية الحمامة" فلا هي معرض تشكيلي ولا هي أمسية شعريا ولا هي عرض باليه . وكون المسرح هو أبو الفنون فلا يعني ذلك ان نقدم فيا أي فكرة دون النظر إلى أبعادها ونتائجها.
فلا يشفع لهذا العمل تصفيق الجمهور الذي كان يتهامس أثناء العرض وهو يبحلق عيونه مذهولاً دون استيعاب ما يشاهد إمامه حتى ولو ادعى كثيرون فهمهم لهذه الألغاز التي دمجت تحت اسم "وجوه".
قاسم دشتي
|