مساء السبت الماضي وتحديدا. فى معرض " وجوه " للفنان إبراهيم بو سعد والشاعر قاسم حداد والفنان، خالد الشيخ اكتشفنا كجمهور نلج قاعة العرض بمركز الفنون وجوه كثيرة لبو سعد.. ووجوه أخري لقصائد قاسم حداد ووجه آخر ملفت وجديد للفنان خالد الشيخ تمثل في شريط الجديد وهو العمل الموسيقى المرافق لمعرض الفنان التشكيلي إبراهيم بو سعد. ففى حين راحت الأيدي تتلقف الشريط الجديد الذي كان يباع في المعرض لم يعط خالد الشيخ الناس فرصة الذهاب للسيارة أو المنزل لسماع هذا النتاج الفني الجديد.. فمجرد دخول الجمهور
إلى متاهة المعرض الفني المبتكر بكل المقاييس قياسا بساحتنا المحلية. دارت رحى الشريط وراحة القاعة تضج بالصوت القراءات والمؤدين والآلات بنكهة جديدة لم تتعودها آذان الجمهور من قبل خالد الشيخ .. سيما وهو الذى خرج على جمهوره بوجوه عديدة مختلفة فيما مضى من الزمن عندما غنى كلما كنت بقربى ويا عبيد ومدير الراح وكمنجة ونعم نعم وأبو إسحاق والعب العب وعطش النخيل وغزالى ناهيك من وجوهه الأخرى عبر موسيقى وأغاني المسرحيات كما فى وطن الطائر والأطفال يزورون المعري وليلى والذئب وديرة العجائب وارض لا تنبت الزهور والنملة والأسد أو وجوهه التلفزيونية كسهرة الوفاء وعيال بو جاسم وملفى الاياويد واوبريت صدى الأشواق ومختلف المهرجانات الموسيقية والغنائية.
جاء خالد الشيخ هذه المرة حاملا وجهه الجديد المتشح بدلالات صور وعوالم وجوه بو سعد ومفردات وأجواء وموضوعات قصائد قاسم حداد ذات الأنساق التعبيرية المبهرة وغير الاعتيادية والتي تحمل درجة عالية من الخصوصية بحيث تؤسس حقولها الدلالية بعيدا عن توقعات مخيلة القارئ والمتلقي وهى فوق ذلك تأتى مدججة ببناها الإيقاعية التي لا يعرف المرء إن كانت خارجة على الوزن أم إنها (داخلة) عليه !
فعندما يكتب حداد:
" كلما وضعت عليك عضوا لئلا تصيبك الوحشة، انتابتني النصال، النصال كلها هاجسدى يكاد أن يذهب مشغوفا بك، وأنت في الفقد".
يأتي خالد الشيخ ليغنى مع هدى عبد الله المقطع على هذا النحو:
" كلما وضعت عليك ..
لئلا تصيبك الوحشة ..
انتابتني النصال "!!
عندما سمعت هذا المقنع قلت :
إن خالد الشيخ ليبدو لي اكثر جنونا فى التعامل مع الإلحاح اللغوي من قاسم حداد ذاته وإلا فكيف كأن له أن يتجاوز المفعول به "عضوا" فى هذه التعدية الغريبة.
ليقول : كلما وضعت عليك (....) لئلا تصيبك الوحشة "!!
ورحت أتساءل .. "وضعا عليك "!؟ والى أي نوع من البلاغة هذا؟ والى أيبيت ينتمي ؟ أبيت الشعر ؟ أبيت الموسيقى؟ أم بيت التوزيع ؟ والحق أن في الشريط مما يثير الملاحظات ما يكفى لملء هذه الصفحة من الصحيفة .. إلا إن ذلك يتطلب وقتا طويلا من التأمل والسماع .. ولا احسب إني بلغت هذه المرحلة من التشبع بالشريط بعد. ومع ذلك بدا لي خالد قادرا على إثارة الدهشة والبلبلة .. فعندما طرح الشريط أول الأمر قلت لبعض الأصدقاء المشغوفين بمناقشة المعرض.. وكان من بينهم الفنان خليفة زيمان والفنان عبد الله يوسف والزميل محمد البنكي: كيف يجرؤ خالد على طرح مثل هذه التجربة فى السوق فوافق البعض منهم هذا التساؤل، ونفى بعضهم الآخر.. كون إن خالد يطرح هذه التجربة لتوزيع السوق وعامة الناس، وإثما كان الأمر بالنسبة لخالد بمثابة العودة إلى ذاته وجذوره !
ورغم تحفظي على وجها النظر هذه أو بعضها.. وجدت أن هذا الطرح يمكن أن يكون معقولا لجهة مغايرة أسلوب التناول الموسيقى فى تجربا خالد الشيخ وهو الذى تعامل مع موضوعات كلاسيكيا وموضوعات قصائد تفعيلة وقصائد نصف نثرية مضى له من أعمال ! بل رحت احدس إن هذا الشريط سيحقق حضورا كبيرا ليس في البحرين فقط وانما فى سائر العواصم الثقافية العربية. أين ما تجمعت ثلة متشردة أو شاردة من العرب المثقفين خاصة وان صوت أدونيس الشجي ضالع فى قراءة النصوص المؤداة والمغناة.
مختارات من النص الموسيقي
(1)
غابة أم بشر،
هذى الوجوه التى تؤرجح أحداقها
فى زجاج الفضاء
بهجة أم كدر.
(2)
تقدم
نعد لك الأعراس والمرائي،
تقدم .. تقدم.
(3)
كلما وضعت عليك عضوا
لئلا تصيبك الوحشة،
انتابتني النصال،
النصال كلها.
هاجسدى يكاد أن يذهب
مشغوفاً بك، وأنت في الفقد.
(4)
الوجوه، الوجوه
استعارت حيادا من الماء
الوجوه، الوجوه
استدارت لتخلع أقنعة من هواء.
الوجوه الوجوه .
(5)
كأنه يسمع، كأنه يرى.
يا زهرة الناس،
كلما وضعت يدي عليك
غاصت كأنها في ريشة السديم جرحك جهة
تحج إليها الجيوش
وتتدفق فيها الأنهار،
ويصاب بالفقد
كل باسل
يتوهم النصر،
أو يتوسم الهزيمة .
(6)
لك النهر وشكله،
الريح وقميصها الأخير.
أخرج من النوم
وأخرج عليه،
تصادف طرقا مسقوفة بالرعب
فاحرسها بزعفران المرايا.
(7)
لنا دلالة الحزن،
والدم درج لمراراتنا،
لا النيران تغسل القميص،
لا الذئاب تالف الجب،
لا البحر يسعف السفن.
ولسنا النسيان .
(9)
بلادك أيها المجنون
ساحة حربك الأخرى،
خطيئتك الجميلة .
قاتل وانتظر واهدأ،
فهذى وردة للكأس
سوف تقول للأطفال عن جسد
تماثل واصطفى موتا وأبكى
غفلة النيران .
(9)
هنيئا للذي يلهو به يأس
ويحرسه رماد غادر
ويقول للموتى: صباح الليل،
ساعة الهذيان تفضح موت
موتانا
صباح الليل للموتى..
إذا ماتوا.
(10)
تسألنا الأرض عن العرس الذى وعدنا به،
فنتلعثم ونختلج .
أفواهنا مملوءة بالتراب.
لا نعرف هل كنا نتبل الأرض
كي تصفح عن سهونا
وغفلة قلوبنا.
أم كنا نكبت صرخات الذعر.
كادوا " وحوه "
" وجوه " احتوى خمسة عشر عملا هي زجاج الفضاء (الأعراس ) (النصال )، (الوجوه )، (زهرة الناس )، (النهر)، (الحزن )، (المجنون )، صباح الليل (السؤال ) الباب (الحوذى)، الوجوه الصغيرة (الهزيع الأخير) ماذا سيبقى.
موسيقى خالد الشيخ شعر قاسم حداد.
وأما القراءة فقد كانت بصوت الشاعر ادونيس . وشارك فى غناء " الوجوه " كل من خالد الشيخ وهدى عبد الله ومحمد عبد الرحيم وحسام احمد وباسل احمد وجاسم درويش. واشرف على الهندسة الصوتية وشارك فى التنفيذ ياسر البنا. وقد تم التسجيل فى "كوالتى استديو" البحرين .
جدير بالذكر أن المعرض لا يزال مفتوحا بمركز الفنون ومن فاته سماع الشرط ما عليه سوى الذهاب إلى " الوجوه " ليسمع ويرى موسيقاها.
|