في الجزء الأول من حوارنا مع الفنان التشكيلي إبراهيم بو سعد حول معرض "وجوه" الذي يشارك فيه ضمن تجربة مشتركة تجمعه مع الفنان خالد الشيخ والشاعر قاسم حداد إضافة الى عدد كبير من الفنانين البحرينيين تحدث بو سعد عن معاناة فترة التحضير للمعرض وعن الآفاق التي تذهب إليها هذه التجربة حيث معانقة لصدق وتنكر لمقاييس السوق والرواج وحيث النقص في إمكانيات التمويل هو العقبة الكؤود. وفي الحلقة الثانية والأخيرة من هذا الحوار نتعرف على المزيد من وجهات نظر إبراهيم بو سعد حول معرض " وجوه" الذي يفتتح يوم 8 مارس القادم وحول مجمل تجربته الفنية أيضا.
قد اتفق معك في كثير مما قلته من علاقة التدابر بين تجربة "وجوه " وبين المردود المادي والربحية المالية، ولكن هل تعتقد معي إن الفنان يحتاج كي يقدم على تجربة من هذا النوع، وهي تجربة من العيار الثقيل، إن يضمن تحقيقها عبر تقديم تجارب حولها الوزن الخفيف، بمعنى أن على خالد الشيخ كي ينفذ شريطا من ها النوع أن يسبقه بثلاثة أو أربعة أشرطة من النوعية التي تستجيب لمعايير السوق حتى يستطيع أن يكفل لمثل هذا الشريط أن يرد النور، وان على إبراهيم بو سعد حتى ينج عملا من فصيلة " وجوه " أن يقيم معرضا للواقعيات والأساليب التي يتراسل معها المقتنون حتى يضمن أن يوازن هذا كلفة ذاك.
قد ل أقول هذا الكلام من وحي قناعة مسبقة منحازة الى أي إجابة من الإجابات ولكنني اطرح هذا التصور للنقاش كرصة للتطرق لبعض ما يمكن أن يدور من هواجس.
ابراهيم بو سعد : لا بالطبع واعتقد أن السؤال الذي طرحته مرفوض نهائيا لأن الفن فن. والسؤال الذي طرحته الآن سبق أن طرحه الكثيرون، من هنا أقول انه بالنسبة لتجربتي الشخصية، ولا ينبغي أن يحسب ما سأقوله ردا على أحد، لأنني بصراحة لست معنيا الا بتوضيح وجهة نظري، من منطلق إنني اعرف بالتحديد ماذا أريد وماذا أفعل الاتبعاد دائما عن التراشقات والمهاترات، المفروض أن تكون لدى كل فنان خطأ واضحاً ومحدداً قبل كل شئ. وإذا كان هذا السؤال يلمح الى معرض " أضواء وظلال " فأنني لا أخجل عندما أعلن بكل صراحة ووضوح انه جاء بمثاب بحث تقني في أعقاب إحساسي بان مشكلة تقنية في جانب مهم من اللوحة كانت حلولها غائبة عني، ليس في القديم الذي أنجزت وانما في الجديد الذي أطمح إليه، كنت أحاول الاكتشاف، واجهد في الاهتداء الى معادلة تتوازن معها أحاسيسي وانفعالاتي المخزونة مع قدرتي على إظهار ذلك في القماش أمامي أصارحك أنني وجدت نفسي متبرماً، أردد بيني وبين نفسي : ليس هذا هو الذي أريده.. ولأنني مقتنع تماماً بأن المصدر الحقيقي للمعرفة الفنية هو المصدر الطبيعة فقد رأيت تجربتي تعود الى مهادها الأول الى مساءلة الوحدات الأولى والتكرس على أسئلتها وأنت بالضرورة تعرف أن وضع الصخور البحرية جنباً الى جنب مع الحرير الطبيعي المناسب يفرض على الفنان استفزازاً لجهة اكتشاف الكيفية التي تقول بها اللوحة مثل هذه المباينة الموجودة في الطبيعة. كيف تنقل مثل هذا الإحساس اللمس مثلاً، أنا أريد إجابة على أرق من هذا النوع من هنا عدت إلى الطبيعة، وانغمست بعمق في سؤال التقنية وتجارب كثافة اللون وإمكانيات الوسائط المستخدمة في كل حالة، وتنقلت بين الزيوت والأحماض والاصماغ والتربنتاين والكايد والورنيشات المختلفة وخلف كل من هذه التجارب كنت باحثا عن الإحساس و إمكان إبرازه، وقد توصلت إلى نتائج في هذا كله، من خلال معرض" أضواء وظلال " أنا راض عنها إلى حد كبير، وقد أري في الأعمال التي تلت أعمال ذلك المعرض من حيث الإنجاز استخلاصا واستثمارا لنتائج هذه التجربة واشارتي هنا تتصرف إلى لوحات " العاشق" التي شاركت بها في المعرض التشكيلي السنوي 96. وسأدعي في هذه الوهلة أن الوقوف أمام " العاشق " يفضي الى الإحساس بالزخم الموجود من حيث التكنيك في الأعمال ومن حيث الانفعال حتى انك ستجد أن كل لمسة في اللوحات محسوبة ومتحاورة مع علاقاتها بالضوء المسلط فوقها. إذن أعمال " أضواء وظلال " كانت بمثابة المختبر الذي عبرت منه تجربتي الى مساحات ارحب. وفي فترة من الفترات لم أكن قد عقدت العزم بعد على ضم هذه الأعمال في سياق معرض خاص كان الفنان عبد الله يوسف يلح على قائلا: هذه الأعمال قوية جدا يا بوسعد ولا بد من أن تقوم بعضها وقد أقول لك أن العرض عندي رجحة عامل آخر لأنني أرى أن تجربتي تمر بمراحل يقود بعضها البعض ومن الأنسب أن تأخذ كل مرحلة حقها من العرض والتقديم للجمهور حتى تسلم بسلاسة إلى المرحلة التي تليها، انك عندما تستعيد إلى الذاكرة لوحتان لي بعنوان العاشق عرضتهما في الجمعية سابقاً ثم تقارنهما بأعمال العاشق في المعرض السنوي الأخير ستلمح الفرق واضحا وجليا وستشعر بالنضج الموجود في أعمال الوزارة. لكل هذه الأسباب مجتمعة فأنني اقتنعت بأن معرض " أضواء وظلال" قد لا يكون هو البداية الحقيقية لي لكنه على الأقل هو البداية الصحيحة، خاصة على المستوى الأكاديمي، في تلك الأثناء كنت منشغلا بـ " وجوه " من ناحية أخرى تتملكني رغبة قوية في أن اصفي حسابي مع أعمالي السابقة لأنني اعتقد بأن المرحلة التي ستتلو معرض " وجوه " ينبغي أن تكون خلوا من أساليب الأعمال السابقة. ومع أنني سأستمر في التواصل مع الطبيعة وأعمال البيئة لكنني، على الأغلب، سأتعامل مع هذه الأعمال بوصفها توجهات للدراسة لا للعرض.
سأعود بعد هذا الاستقراء لما طرحته في سؤالك كي أقول بأنني لا اتفق أبدا مع المعادلة التي تضع أعمالا جادة في كفة وأخرى تسويقية في الكفة الثانية كي تتوازن المسألة في النهاية، مع ملاحظة أن الذهاب إلى الطبيعة والبيئة في أعمال فنية لا يعني في كل الأحوال رضوخا لمتطلبات السوق. إن الفنان كما يعايش الشر والقبح يتواصل مع الخبر والجمال ومن حقه أن يعبر عن مختلف تواصلاته ضمن فنية شرط الأول هو أن تكون جادة الازدواجية بين الجاد والسوقي غير صحيحة، ونحن أحوج ما تكون إلى الجدية في حركتنا التشكيلية، وليس من المصلحة أن نحجر على أي فنان يعبر عن نفسه بجدية إنما كانت طريقة تعبيره الفنية، إلى درجة أنني افترض أن من حق الفنان أن يأتينا ببرواز خالي ويعلقه كعمل فني شرط إن يكون جادا فيما يفعله ّ وسأعود في نهاية هذا التوضيح لأضع " أضواء وظلال " وسط المشهد الذي بينته لك ولن أجد منقصة في أن اكرر بالفم الملآن إن " أضواء وظلال " وسط المشهد الذي بينته لك ولن أجد منقصة في أن اكرر بالفم الملآن: أن " أضواء وظلال " هو البداية، لا الحقيقة، ولكن الصحيحة لي على الصعيد التقني في العمل الفني.
فيما تقدم من كلامك وضعتنا أمام قضية بحاجة الى تأمل ابراهيم، أنت تقول أن أضواء وظلال " هو الوجه الآخر لمشكلة تقنية تتمثل إن آلية الأداء الفني عندك لا تسعف انفعالاتك الداخلية العنيفة، أو أنها لا ترضي تطلبها بشكل أدق. أذن أنت محتشد داخليا، ربما أكثر من قدرة الفرشاة على الإفصاح، هل يمكن لنا، من زواية تأمل آخر، أن نقف عند هذا الاحتشاد لنتلمس تفسيرا لكون اللوحة عندك سواء في " وجوه " وأو العاشق " أو غيرها تميل الى الاغتناء بالعناصر والجزئيات على نحو التمس فيه أحيانا شكلاً من أشكال المبالغة، فهناك دائماً إضافة يذهب إليها إبراهيم بو سعد، ثم إضافة على الإضافة، وإضافة المضافة كذلك وهكذا. ماذا لو اكتفت لوحتك ببساطة باكرة مثلا؟ هل بالإمكان التماس تفسير نفسي لهذا الاحتشاد في لوحة بو سعد يرتبط بالاحتدام الداخلي القلق والموار في نفسك، وهل تري أن مثل هذا البعد النفسي الكثيف يفوت على لوحة بو سعد معرفة لحظة النهاية المناسبة أحياناً؟
ابراهيم بوسعد: أنا أتعامل مع العمل الفني، كما أتعامل مع الآخرين بصدق، و اترك للآخرين أن يتلقوا عملي بالشكل الذي يفترضونه. أن عندي مخزون أكاديمي تراكم على مدى 23 سنة و هو حاضر في ذهني و عيني و يدي وعلى أساس من هذا المخزون تترتب المسائل عندي،و على أساسه أيضا فإنني أستطيع أن أقول إنني مرتاح لنتائج البحث و الدراسة التي وصلت إليها في الوجوه والخامة، أشعر أن هذا الصحيح، ولو أنني أردت أن أجسد وجها حزينا ضمن معرض" وجوه " استخدمت الأسلوب الرومانسي أو الكلاسيكي في الأداء فإنني اعتقد إنني سأخفق في إيصال القيمة التعبيرية التي اطلبها، الانفعال في " وجه" يثري اللوحة من حيث توظيف التكنيك باختلاف المواد والخامات وفقط الدربة والخبرة والمخزون هي التي تدخل في حوار مع أثناء العمل فأقول لنفسي : لا، هذه اللمسة قوية، وذاك التكنيك لا يتناسب مع الخلفية وهكذا.
من جانب آخر فأن ما أشرت إليه صحيح ومهم في العمل الفني، وقد حدث ذات مرة إنني كنت في القاهرة، في منطقة اسمها بولاق الدكرور تحديداً وهي منطقة شعبية مكتظة ويتواجد فيها باعة الحمام والزغاليل وسط حركة تعج بالألوان والتفاصيل التي تفرض على العين مشاهد مكتنزة ومليئة بالجزئيات ونقاط الجذب وحدث أن طارت حمامة في هذه الأثناء وأخذت في التحليق نحو السماء وسرحت ببصري خلفها. في تلك اللحظة اكتشفت نتيجة استثمرتها في لوحاتها بعد ذلك، فعلي قدر ما يكون في اللوحة أحيانا جهد في اتكنيك والألوان فإن الأمر يحتاج الى إيجاد مساحة في نفس اللوحة تشكل نوعا من التضاد أو التضاد أو التناقض الذي يلعب على العين، العين التي ارتبكت هناك يجب أن ترتاح هنا، وأنا عندما أبصرت المشهد بين الساحة والفضاء شعرت براحة رغم إنني كنت متوترا قبلها، على أساس قانون مثل هذا يمكن للفنان أن يتلاعب بأحاسيس الملتقى عن طريق تشغيل مثل هذه التضادات والخاصيات الابصارية، هذا أمر لا نختلف في إمكانه ونتفق، لعلنا، أن ليس من قانون مسبق في هذا الصدد… المقصد هنا مهم، مقصد الفنان ومقصد المتلقي هما ما يفتح على التأويل المناسب، في " وجوه " استخدمت تكنيك حشد اللوحة بالوجوه والخطوط والألوان لآن العرض ليس عاديً، أنا هنا أحاول أن أوظف الكثير من الخطوط والمساحات والحركات والكتل والغزارة في التكنيك لهدف مقصود وافترض أن تسرقك الأعمال من بعضها بعضاً، لهذا السبب ربما جاءت بعض الأعمال معلقة في الفراغ وبعضها على خلفيات حائطية وهكذا، أقصد تماما أن يأخذك هذا العمل من ذاك وإن تكون فيما أنت تحدق في عمل ما عرضه لاقتحام عمل آخر في مجالك البصري، في هذا الإطار أيضا يأتي استخدام الألوان الحارة، سيجد الجمهور أن بعض العيون جاءت باللون الأحمر أو أن الوجه الأزرق البارد قد تأطر في خلفية حارة. اللون الحار يجذب العين ويساعد على تعيين بؤرة اللوحة , في " وجوه " تستمد الكثير من تعبيراتها عبر كينونتها في المكان، الهندسة الفراغية مهمة في هذا المجال، وجانب كبير من التحدي أمام هذا المعرض يكمن العرض وتوزيع المساحات والكتل.
سأعود للصدق لأقول أن صدقي يجعلني لا أخشى كثيرا من تدخل المخزون الأكاديمي الذي يخرج بتلقائية كما اللوحة وتتطلب، عندي هنا عيون واسعة تأتي لتعبر عن الخوف فهل يعقل أن أذهب إلى فرشاة عرضها أربع بوصات لمسح الوجه ؟ هذا يختلف بالطبع عن حراسة كيف استخدم نتؤات الخامة التي استعملها كي تتحاور مع إضاءة مسقطة من الأعلى على نحو يعطيني ظلال تحت على نحو يعطيني ظلال تحت هذه النتؤات يضيف العمل لعدا آخر.
من هنا فأنني حريص على تذكير عبدالله يوسف الذي سيقوم بإخراج المعرض بأهمية استغلال الإضاءة بحساسية فائقة لضمان وصول الملامس الموجودة في الأعمال المختلفة لأنها جزء مما يجب إيصاله للمتلقي. التعرجات والظل والاسقاطات الضوئية مهمة في هذه الحالة لأنها توحي فعلا بوجود عناصر أخرى غير العناصر الملموسة في تكوينات العمل.
أنا أتذكر إنني تحدثت معك طويلا، محمد حول مغزى المساحات الفراغية في هذا العمل، وأنا متنبه حقيقة الى أن الفراغ يمثل مشكلة لي ف هذا العمل أحاول مجاوزة هذا المشاكل بجدية في هذه التجربة لأن حضور الأثر الفني في الفراغ يجب أن يكون قويا حتى يتأمن جذب المتلقي.
ربما نلتمس عند هذه النقطة تأكيد جديدا على الأفق الجماعي لهذا العمل، لأن ما سيفعله عبدالله لابراز هذه الظل والتعريجات والأبعاد لك أما أن يسعفك اكثر أو أنه يمسح جوانب كثيرة كنت قد سهرت عليها وجهدت في إبرازها غير قليل من الجهد.
ابراهيم بو سعد : نعم هذا صحيح، لأن الوجوه كل فيها يختلف عن الوجه الآخر.
وهذا يحتاج بدور الى أجواء ومناخات نفسية مستقلة مرة ومتداخلة مرة وقادرة على نسج لعبة اشتغالها الخاص أيضا.
إبراهيم بو سعد : نعم بالضبط، هذا صحيح أنا أريد للمتلقي أن يركز ويعايش كل وجه على حدة، من هنا فإن ما أريده هو إضاءة خافته على هذا الوجه أو ذاك أحيانا، وهناك بعض أجهزة الإضاءة التي توفر لك إضاءة التي توفر لك إضاءة قوية في نقطة معينة ثم تبدأ في التلاشي يمكن استغلالها أيضاً، الإخراج مهم كثيرا في "وجوه".
¨ ماذا على خاماتك في هذا المعرض " إبراهيم ؟ كيف استطعت أن تسيطر على مثل هذه الخامات الجديدة على تجاربك السابقة ؟ اعتقد انك لم تغمس يدك في الطين من قبل كما فعلت في هذه التجربة، أنت هنا تستخدم خامات قد يبدو للكثيرين أن إمكانياتها محدودة، أنا اشعر أنك اغترفت مغامرات لذيذة مع هذه الخامات، وانتهيت الى نتائج أتحاشى بالطبع أن التمس منك الإفصاح عن الكيفية التي أوصلتك الى مثل النتائج لأن سر من أسرارك لكنني على الجانب الآخر أود أن اطرح سؤالا عن الصعوبات التي واجهتك في تطويع هذه الخامات وأدعوك الى الإدلاء بشهادة عن لعبتك مع الخامات.
¨ إبراهيم بو سعد : أنا في هذه التجربة انخرطت في بحث مختبري بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، وجربت طويلا على الخامات التي تلتقي مع بعضها والخامات التي تتنافر، وحتى القماش الذي استخدمته راعيت أن يكون من النوع الذي تتخلله المسام في أغلب الحالات، لأن هذا النوع يتفاعل بشكل جيد مع خواص المواد التي استخدمتها ويستقبلها بشكل جيد، هناك بالطبع خطوات كثيرة من التحضير قد لا أستطيع أن أطرح تفصيلاتها هنا، لضيق المقام ولأنها من قبيل اللقايا الخاصة التي انوي تطوير التعاطي معها في أعمال أخرى قادمة لا سيما وإنها عبر " جوه " قد فتحت لي أبواب كثيرة. ولا شك أن الوصول إلى نتائج وخلاصات بعد تجربة بحث طويلة كفيل باستجلاب مشاعر الرضا والسعادة، هذا هو ما ورثتني إياه هذه الخامات.
¨ في الدرس النقدي المتصل بالآثار الأدبية عندنا ما يعرف اصطلاحا بـ " قتل الأب " وهو مصطلح أدخله النقدي التفكيكي الانجلو أمريكي مقتبسا إياه من التحلي النفسي و علم النفس. و هو ينصرف الى لحظة يشعر فيها المبدع انه قام بتصفية حسابه مع الإرث الفني السابق عليه و ارتكب ذاتيته الخاصة بعيدا عن الدمغ السلالية المباشرة. مناسبة هذا الحديث إنني أريد أن أسألك: منذ متى يشعر ابراهيم بو سعد انه قد صفا حساباته السابقة مع أستاذه فائق حسن.
¨ و ليست "أضواء و ظلال"..
ابراهيم بو سعد: لا، ليس " أضواء وظلال ".. فرغم الجدة التي لحقت بالتجربة في جوانب عديدة الا أن هناك مسحات وأشياء أخرى.. في " وجوه " انا اعتقد أنني حققت عملا خاصا بي بدرجة 100 % وأقوالها بكل تواضع.
¨ هل هو منعطف في التجربة ؟
إبراهيم بو سعد : أكيد. وإن اسبغ الله علي صحة وعمرا، وأنت من الأشخاص الذين اعتز بهم، فسترى في كل عمل من أعمالي القادمة ما سيؤكد لك أنه عمل يقف على أرضية أخرى يمكن التأريخ لها بتجربة معرض "وجوه".
¨ ولكن من موقعك كفنان وليس ناقد، هل تعتقد أن بمقدورك الاطمئنان الى حكم قيمة من هذا النوع؟ أو بمعنى آخر ما الذي يدفعك للقول: أنني عند اللحظة الفلانية قد أقدمت على تجاوز لما قدمته سابقاً ؟
ابراهيم بو سعد : أنا لا أطرح الموضوع على أساس وجود تجاوز. الأعمال التي أنجزتها منذ أول عمل حتى الآن لا تتجاوز بعضها وإنما تتساند لأنها تعمل بمنطق المخزون والإضافة، في فكرة التجاوز شكلا من إشكال المدابرة والقطع والانفكاك النهائي من السابق وأنا لا أدري إلى تجربتي على هذا الأساس إطلاقا، الجهد الفني هو الجهد تراكمي، من هنا فإن لك أن تفهم أنني أنجزت العاشق بعد أن انتهيت من أعمال " وجوه" وقمت بتوظيف التقنية التي استفدتها من " وجوه " و الأضواء وظلال " في " العاشق ".
الآن لم يعد هناك ما يمكن أن نطلق عليه " أسلوب " أو " منهج " في الفن التشكيلي، التدخل الإعلامي والوسائط الاتصالية الناقلة أفقدت التشكيل مثل هذه المقومات لو أنك تأملت في تجربة ديلاكروا مثلا لرأيت انه يسهر على رسم جسد أنثوي مكتظ قرابة السنوات الأربع في خلوة عزلاء ربما تنسيه حتى جاره القريب مثل هذا الوسط للإنجاز التشكيلي يمكن أن يؤدي إلى أسلوب تصور أن ديلاكروا موجود في عصرنا اليوم هل كان سيسلك السلوك نفسه في التعاطي مع العمل الفني ؟ أنا أشك كثيرا في إمكان لأننا اليوم نفتقد الى إمكان الاستغراق في الأشياء، وأنت ترى إن الوسائط الإعلامية التي لها كل السطوة علينا تتحكم في حواسنا بشكل مجنون وتنقلنا في اللحظة الواحدة من مشهد غاية في الجمال الى تضاريس حافلة بالدم في لمحة بصر خاطفة، من هنا فقد العمل الفني خواص الأسلوب الكلي المنسجم.
¨ أخي إبراهيم لو تركت أسئلتي جانبا وحاولت أن تفكر بعيدا عن سطوة الأسئلة في معرضكم القادم، فما الذي يحضر في ذهنك أول ما يحضر يا ترى.
إبراهيم بوسعد: حقيقة يحضرني أن أشكر إضافة إلى من نوهت بأسمائهم في الجزء الأول من اللقاء كل من الفنانين : هدى عبد الله ومحمد عبد الرحيم وحسام أحمد وجاسم درويش وباسل أحمد على مشاركتهم في الغناء والأداء الكورالي بصحبة الفنان خالج الشيخ كما اشكر الشاعر العربي الكبير أدونيس على مساهمته في العمل من خلال الإلقاء وقراءة شعر قاسم ونصوصه الموجودة في هذا العمل ، وأشكر الكاتب محمد البنكي علي التغطية الإعلامية والتحليل الفني وياسر البنا على هندسة الصوت والخطاط رضا شجاعي على مشاركته في جوانب تحضيرية عديدة وكافة من ساهم معنا بتشجيع أو دفع مساهمة كبيرة أو صغيرة.
¨ وجه من الوجوه لم تتسلط أسئلتي لإضاءته وتشعر انك مهتم بإضاءته في هذا العمل، من هو.
ابراهيم بو سعد (ضاحكا ): وجهي
جميل، كيف تضيئه ؟
إبراهيم بو سعد : أنت عليك أضاءته.
أنا أراه منيرا ولا يحتاج الى مزيد تنوير
إبراهيم بو سعد.. الوجه الذي تتحدث عنه أتمنى أن التقي به خلال هذه التجربة.@ |