وجــوه

وجوه البحرين تحصد اهتمام العرب

لا تزال الأصداء تتسع وتتكاثر حول تجربة " وجوه " الإبداعية والتي تشارك في إنجاز الجزء الأول منها قاسم حداد وخالد الشيخ وإبراهيم بو سعد وعبد الله يوسف ومجموعة من فناني الأداء الفنائي في البحرين، وجاء الجزء الثاني منها ليضيف توسيعا إلى حيز المشاركات بانضمام فناني مسرح أوال إلى العمل في صيغته المسرحية التي شاركت عبرها دولة البحرين في المهرجان المسرحي الخامس لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. وسعيا من (رؤى) لاطلاع الوسط الثقافي البحريني على بعض هذه الأصداء وتوثيقا لما يكتب حول تجربة إبداعية متميزة نقتطف هنا جانبا من الآراء والكتابات التي سجلها صحفيون ومثقفون عرب على شرف التجربة.

فيما الأصداء لا تزال مستمرة:
" وجوه " البحرين تحصد اهتمام العرب
الشاعر الأردني أمجد ناصر : مفاجأة " وجوه " الحقيقة هي البناء
الموسيقي الفذ الذي يقدمه خالد الشيخ

الشاعر الأردني أمجد ناصر كتب في جريدة القدس الدولية الصادرة من لندن: " المفاجأة في عمل (وجوه) ليست في نص قاسم حداد، فهذا ما يتوقعه المرء منه كشاعر له بصمة خاصة في القصيدة العربية الحديثة، لكن المفاجأة حقا، هي في البناء الموسيقي الفذ الذي يقدمه لنا خالد الشيخ. ويحسن بنا هنا أن نشير إلى أن نص حداد ليس مفعلا (أي ليس موزونا) إلا في مقاطع يسيرة منه فيما مجمل النص من طراز قصيدة النثر. فإذا أخذنا هذا في الاعتبار تبدت لنا مقدرة خالد الشيخ على اجتراح نظام موسيقي صارم لنص لا يخضع، أصلا، لنظام وزني تقليدي. هكذا يلعب خالد الشيخ، بمخيلة واسعة، على الحلاقة والنظام معا، على أصوات الجوقة والأصوات المفردة، على مساحات التأليف الموسيقي الصرف والغناء، على التواصل و الانقطاع، مستثمرا قراءة أدونيس لمقاطع من النص على نحو لا يمكن ان يستقيم العمل، كما هو في الشريط، من دونها. " وجوه " تجربة جديدة تضاف إلى ما اجتهد به مارسيل خليفة في تعامله مع قصائد محمود درويش الطويلة وما يقدمه عابد عازرية من حين إلى آخر وإلى اقتراحات الفنان السوري الشاب بشار زرقان في القصيدة الصوفية " .

أما الكاتب السعودي محمد العباس فقد كتب في الملحق الثقافى لجريدة الجزيرة السعودية بتاريخنا 6 ابريل 1997 مقالا طويلا حول " وجو " بعنوان : " وجع قاسم.. الأصل والصورة " ونحن نقتطف من المقال الآتي: " كيف أسلم قاسم وجعه، أو بالمعنى الفني، أصل صورته الشعرية إلى بو سعد والشيخ ): لا شك انهما تجاوزا ملفوظات النص، ونظامه اللغوي إلى ما وراءه، أي إلى خبرات قاسم الحياتية، وربما إلى نياته، بذلك التقنع الذي استنبت بو سعد ارتعاداته على الوجوه، وبفجائعية صخب (الريكيم ) الذي هندس رجفته الشيخ، قد طالا وجع قاسم، وإن لم يكن ذلك هدفا نهانيا يستحث الأداة الفنية. وكن لحل عمل ركنا ينتبذه، نواة يستند إليها. هي هنا (وجع / نص ) قاسم. ففي العمل وحدة عضوية نابضة، تستمد براعتها من الصيغة التغالبية، التي تمد ظلها بين آونة وأخرى لتعلن استقلالها وكفاءة أدواتها. قاسم يشعرن الفجيعة، يرونق القبح، فارس يفضح عطالته العضلية´ في الميدان، فيستعيض عن رخاوته هذا (النص /الوثيقة ) إلمصعدة جماليا، أي قطاع عرضي للنص ينبئ عن اختزانات الألم المتأججة " جحيم يسمونه بلادا.. ما أن تقول بيدك حتى ينالك القصل.. هنيئا للذي يلهو به يأس.. انتظر أيها الفارس الرخو، هذي الوجوه الجميلة تعرفها فانتظر.. هذا الهزيع الأخير من الوقت، هذي الجهات الكثيرة محصورة في هزيع من الموت.. طير الروح ينتظر احتمالا واحدا للموت " . لا مفر إذاً من الواقع، مما نرى ونسمع.. نسيان الوجوه الجميلة خيانة، تلك التأوهات الصاخبة بالحسرة حدث واقعي.. هذا ما يقرره لم النص /التاريخ )، إذاً فهي بالضرورة حالة وعي، حسب لوسيان غولدمان،وقد حفرت توجعها باليأس والموت في ملفوظات قاسم، وفي اللاشعور الفائض على جنبات الكلام. وتبقى مزاوجة النيات.. من غرر بالآخر لا! لنص قاسم منطقه الداخلي، قانونه الجمالي، ولوجوه إبراهيم بو سعد هيئاتها الشكلية،اهتداءاتها الجوانية المحلاة من صرامة الصنعة الفنية. الوجع الكبير يحتاج إلى انتصابات مهيبة › إلى وجوه أشبه بالخرائط ينحفر فيها الهم تفحصنا بنظراتها بقدر ما نبادرها التحديق. تلك هي وجوه بوسعد الذي يقابل مستويات الألم في (نص / روح ) قاسم، بالتفاتات أمامية وجانبية يبالغ في احترامها.. يستفرغ النص من لهاثه وتشظياته.. ينبشه بتوليفة فنية أشبة بالإنشائية التركيبية، فهذا الفعل الفني (المفاهيمي) يلائم الوجع حقا " فهو من اللحظات القلقة والنوايا البعيدة " .
نظرة العباس التي تصنع نص قاسم كنواة يدور من حولها العمل وكمركز تستند كل الأجزاء إليه تعززها وجهة نظر مماثلة للناقد السعودي الدكتور معجب الزهراني الذي كتب حول العمل في ملحق الجزيرة السعودية الثقافية أيضا بتاريخ 10 ابريل 1998 وتحت عنوان " تجارب ترفض التمسرح وتؤسس لحواريتها الخاصة، وكان مما قاله : فالعرض الأول هو تنمية لتجربة احتفالية بالكلمات والرؤى الشعرية التي مازال قاسم حداد يهندسها باقتدار ويبثها من حوله بشغف يبلغ حد الفتنة والجنون الخلاق. في هذا الاحتفال يحضر الفن التشكيلي في أعمال الفنان إبراهيم بوسعد كما تخضر الموسيقي والفناء في ألحان الفنان المتميز خالد الشيخ ومعهما يحضر صوت ادونيس قارئا منشدا لبعض مقاطع من ( قبر قاسم) وكل هذا الحضور يكشف لنا كم هي جميلة وفتانة احتفاليات المبدعين إذ يلتقون في تجربة ترفض كل التسميات لأنها تحتفل بما لا يقال، أي بالكائن والروح الشعريين في اللفة والعالم. في لحظة تالية يغوى الاحتفال الجميل هذا فنانا آخر هو عبد الله يوسف المخرج والفنان التشكيلي فيحتفل به ويحوله إلى عمل درامى يصعد من شعريته ويضيف إليه شعرية الجسد " إذ يختل فضاء المشهد بهيأته وحركاته وأصواته المباشرة مولدا فيها وفينا نحن المشاهدين انخطافا تيهانيا ملذوذا وجميلا كأقوى ما تكون عليه اللذة في مقام كهذا يحاور المخبوء والسري في روح العالم والكائن فيه. هناك إذا الشعر في مركز الاحتفال ومبتدئه وهذا تحديدا ما تنميه هذه المغامرة اللاحقة. ورغم إن عناصر المشهد تفري بقراءات سيميائية جمالية متعددة إلا إنها لا يمكن أن تشكل في مجملها، أي في تآلفها، مجال للقراءة التي تحاورها من منظور النقد المسرحي. لا دراما ولا صراع ولا مواقف أو علاقات قابلة للمسرحة و إنما شعرية تلزم ذاتها وتلتزم بالوفاء لأصفى وأعمق ما تكون عليه شعرية الكلمة والصوت والشكل والحركة، حتى جسد الممثل كان ضد لعبة التثميل المعتادة لأنه استحال هنا إلى علامة بصرية تخلخل فضاء المشهد وهي تتحرك بصيغ تتراوح بين الثقل والخفة، بين الجمود والمرونة وبين الهدوء المتوفر والصخب المتصعلك. وباختصار نقول ان المشهد كله انبنى على لعبة استعارته ترميزية كثيفة أسلوبيا ومشتتة دلاليا كأقوى وأجمل ما يكون عليه التشتيت وهنا تكمن أسرار الفتنة والمتعة في مشهد لا يصلح إلا للشعراء ومن تستهويه غوايتهم. أي لمن يحسن الحلم وتفسيره " .

وفي الكويت كتب عبد العزيز الدوسري في جريدة الأنباء بتاريخ 36مارس 1997 " المسرحية البحرينية وجوه عرضت على خشبه المسرح، لكنها كسرت التقاليد، ودخلت في رحلة من التجريب، العرض في الوسط، الجمهور الدائرة التي تراقب، تراقب عرضا يسمى القصيدة، والقصيدة عند الشاعر قاسم حداد تعتبر لوحة، واللوحة عند مخرج العمل تعتبر تشكيلا، والتشكيل تحركه موسيقى خالد الشيخ، ونجوم من مسرح فرقة أوال. جلس الغريب " الشاعر " يسرح النظر في الوجوه، ويجر أذيال حلمه، يكتب من خلاله قصائده، الأوراق لا تتوقف بعضها يقبلها الغريب، آخر. والبعض الآخر يعود به، لكن زهرة الناس " أحلام محمد تحملها " رمز الأمل، ضمير إنساني يعلن الرفض، تدفقوا من صرخة تشتعل لتركم الأرض وتلمس أطرافكم، راياتكم كوفية البيت وثيابكم حزن ثاقب. تحوم في المسرح وجوه، وتحوم الموسيقى. غابة أم بشر هذه الوجوه التي تؤرجج أحداقها في زجاج الفضاء بهجة أم كدر. الوجوه كلها تتساءل عند قاسم حداد. عبد الله يوسف يحاول تفسيرها. فيغربلها، ويغترب معها، تظل العلاقة فقط الواضحة عملاقة الثلاثي الشاعر والغريب وزهرة الناس. انصهار الإشهار ومضارباتها المفتعلة والثورة، الموت والحياة، الظلام و النور. وهكذا هي القصيدة التي يكتبها الحداد.

عمل لا يحتوي على قصة، بل قصائد يجمعها المخرج، جميعها وجوه، منها ما هو مغترب، ومنها ما هو متصل بالحزن، ومنها ما هو ثائر ضد الوطن، وكل شيء. وجوه تمتزج القصيدة مع الموسيقى والتشكيل والتعبير الحركي. في هذه المسرحية الحدود مقتولة، الفضاء رحب للتخيل والعيش بأجواء بعيدة عن الواقع، لكنها تعرفه، لها علاقة لكنها غير مستقرة. تظل الوجود أخوه يوسف نفسه، ويبقى الشاعر النبض الذي يذكرنا بالقيم ولسنا " كأننا، بل نسمع ونرى، لأن كل هذه الوجوه الصغيرة نعرفها واحدا واحدا، يؤكدها الغريب. وتؤكدها الدلالات، المرايا فاضحة، لكن فقط تأمل فسترى الأحلام ستبني نفسها بنفسها، لكن علينا أن ننتظر، تنتهيا العلاقة مع الشاعر، ويظل المهرج يطرز تلك اللوحات. اعتمد عبد اللة يوسف على التشكيل الذي قدمه إبراهيم بو سعد وطعمه بالموسيقى خالد الشيخ وقاد الأصوات التي أنشدت قصائد قاسم حداد، وراح عبد الله يوسف على العرض قصائد لأدونيس، التعبير الحركي زاد الإيقاع وتفاعل معه. التساؤل في هذا العرض مفروض منذ اللحظة الأولى ومرغوب في الوقت نفسه. ويبقى أن نقول : ان " وجوه " قصيدة قيلت ورسمت وتغنت وعبرت وتحدث عنها نجم العرض يوسف بوهلول. ثم أخذت شكل قطعة فنية قابلة للخيالات " .

أما الصحفي قاسم دشتي، محرر جريدة الوطن الكويتية فقد كان له رأي آخر تماما في عرض وجوه كتبه في عدد الجريدة الصادر بتاريخ 2 ابريل 1997 وجاء فيه (( في هذا العمل نجد تشويشا بصريا لعدم وجود بؤرة ارتكاز بصرية لدى المتفرج باتجاه أي جزء في العمل، الذي كان يبدو برؤاه الإخراجية أشبه بأذرع الأخطبوط التي تلطش " قفا " المتفرج وتلقيه ذات اليمين وذات الشمال دون الوصول إلى نتيجة فالكلمات الشعرية مبهمة معقد " غامضة موغلة بالعبث ولا تؤدي إلى معنى مفهوم بالعقلية البشرية المجردة وربما تحتاج لجهاز حاسوب آلي لترجمة المفردات الكثيرة التي تلقى في وجه المتفرج المذهول أمام هذا " المولد " !! فأي متلق سيستوعب: " راياتكم كوفية البيت وثيابكم حزن ثاقب " أو " مرشحون ببسالة الذهب نحو تخوم الخريطة وفجوة الأرض " !!.. وكيف سيستقبل العقل البشري هذه السينوغرافيا التي تحوم غي أرجاء المكان وهي تقول " تحرسون الأحلام المذعورة في نوم الأطفال " تقذفون بقناديلكم نيازك تبغت الغافل والمأخوذ والشريد والنائم !! وأين لحظات الراحة التى يحتاجه ذهن الملتقى وعيناه في ظل هذه الحركة التي تدور في أرجاء الحلقة وتحول رقاب المتفرجين إلى، سبرنكات " تلتف حول الجميع للبحث عن خيط رفيع به الجمهور للسير معه في لحمة العمل وفى ظل وجود نصوص شعرية مبهمة ترهق العقل ويصيبه بالدهشة ؟! بصراحة، أستطيع أن أصرح بان ما شاهدته لا يرتبط بمقومات العمل المسرحي لأنه يفتقد لأهم ركيزة ألا وهي النص المسرحى ببنيته الدرامية بشتى أنواع الكتابة المسرحية وما شاهدناه ليس سوى عرض تجريبي يعتمد على قصائد حداثية تبدأ وتتفرع وتتفرع إلى يوم القيامة دون الوصول معها إلى نتيجة..فلا يشفع لهذا العمل تصفيق الجمهور الذي كان يتهامس أثناء العرض وهو محلق عيونه مذهولا دون استيعاب ما يشاهد أمامه حتى ولو ادعى كثير وفهمهم لهذه الألغاز التي دمجت تحت اسم وجوه " .

عبد الستار ناجى أدخل في حوار أخصب مما فعله قاسم دشتي مع العمل وكتب في جريدة الأنباء بتاريخ 1 ابريل 1997 مقالة كان مما قاله فيها: " الدافع وراء هذه التجربة شيء ما يتجاوز التقليدية الاستهلاكية التي ما برحت تحاصرنا، هنا نحن أمام شيء ما، يمنح الخيال الحرية ليحلق بعيدا، بلا قيود، شيء ما يبحث عن التجديد ضمن بحث منهجي. حيث : أوال، الفرقة والالتزام والتاريخ والبصمة، تعني تماما معنى التجربة والبحث، ولهذا لخوض غمارها، لا تنطلق من العبث ولا تذهب إليه، أنها تؤمن جميع المعطيات المقرونة بالتميز، لبلوغ التجربة. فهذا قاسم، وذاك حداد إبراهيم بو سعد يبتكر تشكيلا، وهذا الأمر بالنسبة لخالد الشيخ بموسيقاه العذبة، التي يجدلها مع مفردات حداد، فهو الداعي إلى تلك الرحلة، عبر فضاء الكلمة، ودلالة اللحن وأبعاد التشكيل الجسد، واستخدام الفضاء المسرحي، عبر حلول. بها كثير من الابتكار والآن، إلى أين تذهب الكلمة، عند قاسم حداد، دائما " الى الهدف، فهو لا يمتطي صهوة الكلمة إلى العبث. الإنسان والظروف والقهر والأمل، وحضور خصب وهي المعادلات التي يركب منها مقولات قصيدة، وبإيقاعاتها ولحظاتها، ووجوهها. مفردة خصبة بالخيال، تحمل القارئ والمشاهد في مرحلة لاحقة، إلى حيث الهدف، الذي يبصره حداد ولكنه يوعز لفارسة بالتريث : " انتظر أيها، الفارس الرخوة، هذي الوجوه " الجميلة تعرفها، فانتظر " .

أنه يعني لحظات التشكيل لم تكتمل، ولكنه يؤمن بالفارس.. والأمل مثل إيمانه بمشروعية البحث والتجربة. وهكذا الأمر بالنسبة للفنان خالد الشيخ، الذي يبدو " دائما " وكأنه طائر يغرد بعيد عن إيقاع السرب. اللحن عنده جدل وحوار مع الكلمة، كل منهما الآخر، في تناغم شذى الأبعاد، ولعل ترنيمة الأمل، تأتي عامرة، بمساحة كبيرة من التفاعل مع معطيات النص ومضامينه وطروحاته. ونعود لعبد الله يوسف - الأعداد والإخراج - لنشير إلى اليقين بأنه في الإمكان أحسن كان، ولكن هذا لا يجعلنا نتغافل عن الجهد والدور الذي قام به، فلولا " إيمانه " بالتجربة لما تحققت، ولو لا استيعابه لتلك الفنون التي يتعامل معها من كلمة ولحن وتشكيل وسينوغرافيا وتعبير جسدي و إضاءة لما كان كل ذلك، ولما كانت التجربة. عبد الله. يوسف من ذلك الصنف من الفنانين، لا ينطلق إلى التجربة دون أن يحضر - السفينة بكاملها، فهو يعرف قيمة الشراع والمجداف، وأيضا الملامح. فهو حين يستعين بتلك القائمة من الأسماء، فإنما يستحضر و هاجسهم نح. البحث والتجريب، والقلق الدائم لبلوغ آفاق جديدة، لهذا يحكم الشراع، ويجدل حبال المجداف، ويعتمد على سواعد فتية شابة. إنه التجريب المشروع، والبحث الموضوعي لشكل جديد، ومسرح يتجاوز المألوف، يمنح للذات فضاء أكبر، يخرجها من قيود الروتين، ولكن بالإمكان أحسن مما. كان، على صعيد تطوير كل مشهد، فالوصول إلى الحلم، مر بعدد من المشاهد، متباينة. المستوى، بعضها إصابة شئ من الوهن ولربما التكرار، وبعضه ظل نابضا متحفزا، بالذات تلك التي جمعت مفردات المواجهة مع القيد. وأخيرا " وجوه - أوال " تفتح الباب على مصراعية أمام مشرعية البحث، ونعتقد أن دور هذه المهرجانات والملتقيات التوقف طويلا لدراسة وبحث مثل هذه التجارب المهمة.

الشاعر العراقي علي عبد الأمير، المقيم في عمان، كتب حول التجربة، مركزا على إسهام~ خالد الشيخ تحت عنوان : في الجانب` الموسيقي من " وجوه " قاسم حداد وخالد الشيخ : ميلودي لأيامنا الموحشات. وفي اقتطاف لموجز صغير مما قال نسجل ما يلي: " إن سمة العمل الثقافي المعاصر هو الترابط المفصلي، وعمل " وجوه " يقدم في هذا الشان لمسة بارزة،فثمة (التشكيلي) و(الشعري) و(الموسيقى)، وفي العمل فضيلة أخرى تحسب لخالد الشيخ، فهو وان كان مختلفا ضمن الغناء العربي المعاصر، قد دفع (باختلافه) خطوة كبيرة تام بأنه سيصدم المتلقي العادي الذي عرفه بأعمال متنوع " يا عبيد " " مدير الراح " " كمنجه " " نعم نعم " .. وغيرها، وقد يخسر الفنان خالد الشيخ مجموعة كبيرة من متلقيه العاديين، غير انه سجل لحقيقة الفنان لمسه نؤثره، من الصعب تجاوزها ونسيانها، ويظل السؤال المهم : من سيجرؤ على الخطوة التالية؟ أي بمعنى من سيقدم لنا من أهل الغناء المعاصر، فنية خلافة كهذه ؟ ومعها يبعد عنه سمة قد تبدو حقيقية هذه الأيام تقول في تحول أهل الغناء العربي اليوم إلى مقدمة مشوهي الذائقة وعند أجيال عربية كثيرة … خالد الشيخ عبر موسيقاه هنا، خسر مالا عن يقين تام، وربحه كان في إصراره على ن الغناء والموسيقى لهما أن يتجولا وبقوة من تسلية لا هي وعابثة كما هو حالا لغناء العربي اليوم إلى عملية فنية تستحق أكثر من التنويه والتقدير اللفظي " .

وفي لندن كتب المحرر الثقافي لمجلة المشاهد السياسي التى تصدر عن " ميديا وورلد سيرفيس ليمتد " بالنيابة عن القسم العربي هيئة الإذاعة البريطانية حول تجربة وجوه تحت عنوان : " ارض الطفولة " بتاريخ 30 مارس 1997، وقد وصف المحرر العمل بانه خطوة كبيرة لخالد الشيخ ووصف العمل بالريادة التجريبية، ونحن هنا نعتذر للقراء حول تعذر الاقتطاف من المقالة المذكورة نظرا لأن المجلة تشترط الحصول على موافقة كتابية مسبقة من هيئة الإذاعة البريطانية لإعادة نشر أيا مما ورد فيها ولو بشكل جزئي.

أما يوسف المحميد القاص السعودي فقد كتب حول تجربة، " وجوه " في مجلة اليمامة السعودية بتاريخ السبت 5 أبريل 1997 تحت عنوان " قاسم حداد، وخالد الشيخ، وإبراهيم بوسعد: ليس ثمة نهاية لنص " ومما جاء في المقال : " قاسم حداد في وجوه هو ذاته الذي يخف من هدأة الشعر، إلى همهمة اللون ويقظته (في تجربته ما قبل الأخيرة مع ضياء العزاوي)، لا يفتأ أن يطارد وجوه القص، وتستوقفه إغماضه إلفوتوغرافيا الخاطفة، هذا الحداد لم يغرر، ولم يفرر به، فخالد الشيخ، الذي آثر العزلة، وردم أنين الموسيقى وشهقاتها في خزانة عتيقة، وقال لا، إنما تمهل ليرى إلى التكرار بعين بصيرة، باحثا عما يهيم به، ويفلت موسيقاه من خزائنها. فكان هذا النص الذاهب إلى الأعمق، وهذي الوجوه التي، لم تفتش خزائن خالد الشيخ، بل سلبت ألوان إبراهيم بو سعد، وفرت بها بعيدا، في مركز الفنون الذي سجل تجربتهم الأولى في 8-3-1997م " .

والفنانة التشكيلية الكويتية ثريا البقصمى كتب حول وجوه أيضا في القبس بتاريخ 3 إبريل 1997، قالت : " وجوه " البحرينية كانت خضراء ممطوحة تذكرني ببشر هلاميين، هبطوا علينا من كوكب بعيد، عيونهم المجوفة تنزف الما " " وجوه " سبحت في لفائف الأدعية والنذور وأحجبة السحر، جباه معروقة طوقتها شرائط نذور أضرحة أولياء " المحرق " . جنائزية تقتحم اكفانا بيضاء ملطخة بهلوسات النزع الأخير، نعوش مبرقشة بحناء عروس لم تزف !! نعش ينتظر جثة لفظها حائط الطين. أنين احتفالية الموت القسري غرق في فلسفة داكنة من أوراق زحزقت قبر قاسم " حملتها الريح المجنونة، لتفضح أسرار موته !! بشغف عجيب تقمصت دور المتفرجة. أجساد الممثلين الخارجين من رحم لوحات " إبراهيم بو سعد " كانت تلتصق في حميمية ثم تتنافر كمن أصيب في تيار كهربائي، نغصني التيار، وصلتني شحنة الألم المقبور في الصدور، حاصرتني أشعار قاسم حداد، صوت أدونيس المنبعث من قبر مفتوح، غنائية خالد الشيخ، نحيب أحلام، وحرائق الحب المشتعلة في الأجساد الراقصة، حاصرتني وجوه متدلية من سقف المسرح للفنان البحريني إبراهيم بو سعد الذي ذاب في بوتقة أشعار قاسم حداد وخرج منها محمولا في جنازة ملونة.. الوجوه المعذبة استرحمتني ان انقل نظري إلى ساحة التمثيل واكف عن تعذيبها بنظراتي المشفوعة بدهشة الطفولة، في التعرف على إبداعات فنان يعيش في قلب البحر ضريحه قماش أبيض غزلته الريح. " وجوه " بعد انتهاء عرضها، حشرت في صناديق خشبية لتعود للأرض التي أنجبت مبدعيها، تمنيت أن تعرض تلك التجربة المعجوته بالحداثة شعرا وتشكيلا ومسرحها، وإن تحتضنها صالة عرض فنية، فتساهم في رفع منسوب الإبداع لدينا. " وجوه " البحرينية طائرا أجنحته قصيدة ولوحة ورقصة وغناء شجي، " وجوه " حركت الشجن في داخلي، الرسالة وصلت قبل انتهاء تشييع الجنازة " .@

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى