صدوق نور الدين - المغرب
يؤسس كتاب " قاسم حداد ": "ليس بهذا الشكل ولا بشكل آخر" وكما يوحي بذلك عنوانه، لكتابة أدبية تميل لأن تكون سيرية، لكن ليس وفق المتداول، ذلك أن قراءة هذا الموقف من ناحية تجلو تنوع مادته، كما الصيغة التي تحقق وفقها الانجاز.. فالمؤلف يقع في (216 ص ) ويتوزع عبر أبواب هي التالية : سيرة النص، تسعة أصدقاء وحبيبة واحدة، بابان وبحر عابر، على أن ما يوحد بين الأبواب يتمثل في حضور الأنا، سواء في علاقتها والنص، أو في تعاملاتها أو استجلاءً للبعد العاطفي المتمكن منها..
سيرة النص : المؤلف وسيرة الكتابة
في سيرة النص، أو بمعنى آخر سيرة الإبداع الأدبي المقدم عليه من طرف "قاسم حداد" يتبلور الحديث عن تجربة الكتابة والإبداع.. وهي تجربة تؤسس سؤالها بالانطلاق من قضايا الشكل، أقول قضايا الصيغة الأدبية جمالياً. بحكم ان انتاج النص لا يمكن أن يتحقق في تصور " حداد " باعتماد شكل واحد وإنما باللجوء إلى ابدالات تجعل النص الأول لا يشبه الثاني.. فالاختلاف والخلق والمغامرة سمات تطبع تجربة الإنجاز الأدبي لدى " قاسم حداد ".
".. لا أحتمل أن أكتب النص في ذات
الشكل مرتين.." (ص 15)
"لست منجماً، أنا مغامر، أكتشف، ولا أذهب إلى الكتابة مدججاً بالأشكال" (ص ؟17).
أن استبدل الأشكال، ومغامرة البحث عنها، احتفاء بالحرية التي يحسن توظيفها وتشغيلها الشاعر، علماً بأن مثل هذه الحرية تنهض على مكون اللغة الذي يفعل بالخلق وقول الجمال.. لكن الإدراك الحق للتجربة وفاعليتها، لا يمكن أن يتم إلا في أفق التلقي الإيجابي، وهو مالا يدرك من لدن الكل وإنما القلة، ممن تتابع مسار المبدع الواحد، والمقصد الذي رسمه لذاته.. وتوقع كهذا يفترض كفاءة المتلقي :
"قراء قليلون، نادرون أحياناً، لكنهم مكتملو الحواس.." (ص 24).
لكن، من أين يمتح المبدع تجربته الإبداعية ؟
يذهب " قاسم حداد " إلى اعتبار الإبداع تخلّق، وفي الأخير يكمن التفرّد والوحدة، وبالتالي من خلال التخلق يكسب النص الأدبي سلطته، وهي المكسّرة لما يمكن أن يعد سلطة التراث، أو قوة حضور النص الغربي.. إن النص صورة ذاته وحسب :
".. فلا عقدة سلطة النص الأول / التراثي،
ولا عقدة النص / الآخر / الغربي، يمكن أن تسعفنا كتابة تتخلق كل يوم.." (ص/33)..
" النص الأدبي يأتي على مثال نموذج غير مسبوق، وهو بالتالي نموذج ذاته، ذلك أن تنظر إليه باعتباره جديدك الشعوري، حيث الأدب هو ضرب من الشعر، حيث الشعر نقيض العقل.. " (ص/69).
الكاتب : الواقع وإشكالية التلقي
لايمكن الحديث عن الكاتب، إلا انطلاقاً مما يمكن أن يكونه، ولكي يتحقق هو ذاته كوجود وككينونة، فإنه لا يتاح له ذلك إلا باعتماد عنص اللغة، فمن خلالها يمتلك حق الامتياز والتمايز، وذلك عما أضاف من حرف ومهن، كما عن سواه ممن يشتغلون باللغة وعليها.. على أن الهدف الأساسي يظل ترسيخ بُعد المتعة في المنجز..
" إنني كاتب فحسب، ومادة عناصري هي اللغة.. "(ص/51).
" فعندما يكتب الأديب في الصحافة لا تتوقع منه أن يخضع لشرط المقال الصحفي الذي يكتب له الآخرون، ولكنه يكتب بشرطه هو، شرط الأديب الذي يحول كل شيء من حوله إلى كتابة جميلة تغري القارئ بإعادة القراءة غير ما مرة.. " (ص/53).
لكن : أية علاقة تصل الإبداع بالواقع ؟
إن الكاتب وهو يمارس فعله الإبداعي، فإنما لأنه غير ذلك.. وعلى افتراض أن المبدع يسهم بما هو غير الكتابة في الفهم والتغيير، فإنه حتماً سينتهي إلى الفشل، سواء أكان " قاسم حداد " أو غيره، ويحق في المقال التمثيل بتجربة "ماريا فارغاس يوسا ".. فالمبدع أصلاً يؤسس إبداعه من واقعه الذي لن يتخلى عنه، وذلك بهدف فهم واقع خارج عن ذاته، فهمه لا كما يفرض، وإنما باعتماد الرؤية المغايرة المميزة..
" شعوب تجلس على سرير الصبار وتصبر "(ص/56)
" لماذا أكتب !!
ربما لأني لا أحسن شيئاً آخر.." (ص/57).
" حاولت (بوسائل غير الكتابة) تغيير الواقع ففشلت.." (ص/57)
على أن القراءة أو التلقي عموماً، ينظر إليه من زاويتين :
- - زاوية القراءة النقدية الموضوعية، وتتم مثلاً في شعر " بدر شاكر السياب " أو التوجيهية حيث صدور التصور فيما يخص إبداع الجيل الجديد..
- زاوية رسم فضاء القراءة وحدود التأويل، وتبدو شبه عامة.. إنها أجوبة عن أسئلة قائمة : كيف أكتب ؟ كيف أتلقى ؟ كيف يتلقى ما أكتب ؟ وماهي حدود ذلك.. إنها تتأسس من الأدبي، لتمتد إلى الفني : مسرحاً وتشكيلاً..
من أبواب الحياة إلى أبواب النص
إن استجلاء واقع الذات، لا يتم إلا بفتح أبواب الحياة، حيث الكاتب المبدع كأيها إنسان : شعور ومشاعر، ولربما قد يكون في إحساسه أقوى وأعنف للرهافة المستشعر بها.. لذلك تطالعنا أبواب الحياة على اليأس، الحرية، والأمل، وهي قيم تجمع بين كونها أخلاقية وإنسانية.. وإن كانت كذلك فإن الإحساس بها قذ ينتقل من الذات إلى العرض، حيث المؤلف والمخرج يتوليان مهمة التجسيد، وكيف يحق أن تكون.
إن " قاسم حداد " في القسم الأخير من كتابه، يجلو واقع ذاته، كما ينصب نظراً وفكراً على فن المسرح الأقدر على تجسيد بلاغة الفن والإبداع..
عود على بدء
- إن قاسم حداد في " ليس بهذا الشكل ولا بشكل آخر" يكتب سيرة الكتابة، يتعقب النص بالنظر والفكر، تأسيساً من تجاربه الذاتية، أو تلك المشتركة و " أمين صالح " أو من خلال متابعاته للساحة الثقافية العربية.
- إن السيرة في هذا المؤلف سيرة الذهن والفكر، أما السيرة النشأة والولادة فقد يكون لها مقام آخر.. لكن السؤال : أتراهما يختلفان ؟
- إن طابع التنوع في الكتابة والاهتمام، لم تجعل الكتاب رهين جنس الشعر، الذي تفرد " قاسم حداد " فيه، وإنما انفتح الإبداع على النص السردي، اللوحة التشكيلية (علاقة الشعر بالتشكيل) والمسرح، ثم الموقف مما هو سياسي.
- إن " قاسم حداد " ومن خلال هذه السيرة، يبدو كاتباً ومثقفاً له إلمامه الموسع بالحديث والقديم، وهو ما لم يتوافر، إن لم نقل يقل في جيل المبدعين والمثقفين اليوم.
- إني أتساءل :
لو أن " قاسم حداد " كتب في الرواية، ترى كيف سيأتي نصه؟
إن شفافية الكتابة لديه، وبنية الجملة شعراً ونثراً تدعو لمثل هذا المسار.. /.. |