كتب : محمد المنسي قنديل
عدسة: فهد الكوح
دبي تستحم في الضوء. تستقبلنا في ليلة ربيعية دافئة بباقة من الزهر المضيء, مطارها المزدحم لا يفرق بين الليل والنهار. الحركة لا تهدأ وزحام البشر لا ينقطع. في كل ساعة يصل إليه آلاف من الباحثين عن فرصة ما, بيع وشراء. صفقة أو مغامرة. نزوة أو فرصة للثراء. والمدينة تقدم لهم كل أنواع الوعود. برج بابل حقيقي بكل ما فيه من أحلام وغوايات.
يقف عبدالإله عبدالقادر وعلى وجهه ابتسامة عريضة. يقول بصوته الجهوري: يا هلا بوفد (العربي). عبدالإله هو المدير التنفيذي لمؤسسة العويس الثقافية. وهو قبل ذلك واحد من فناني المسرح وكاتب متميز للقصة القصيرة. خرج من وطنه العراق منذ سنوات طويلة, وعرف برودة المنافي وأحزانها, وفي صوته تختفي نبرة من الشجن تحت كلمات مرحة, صوت عراقي آخر متفرد في غربته.
بعد لحظات يصبح وفد مجلة (العربي) * جزءاً من الذين جاءوا لحضور مهرجان توزيع جوائز مؤسسة العويس في دورتها السابعة. يؤكد علينا رئيس التحرير: (إنها فرصة حتى نقيم علاقة مباشرة مع العديد من الكتاب والمفكرين الذين يحضرون هذه المناسبة), ربما كان هذا سر قراره الذي أثار دهشتنا جميعا بتكوين وفد يضم العديد من الزملاء. فقد كنا نعتقد أنه سوف يكتفي بأن ينوب بمفرده في حضور حفل تسلم الجائزة عن كل العاملين في المجلة. لكنه لم يرد أن يبقي العاملين في المجلة في الظل ولكن أن يتفاعلوا مع الحدث وأن يشاركوا مع عشرات المثقفين والمفكرين الذين جمعتهم هذه المناسبة المهمة حتى تكون هناك علاقة مباشرة بين المجلة وكتّابها.
المناسبة كانت إذن فوز مجلة (العربي) بجائزة مؤسسة العويس الثقافية للإنجاز الثقافي. وهي المرة الأولى التي تقوم مؤسسة خاصة بمنح جائزتها لمؤسسة حكومية ممثلة في مجلة (العربي) التي تصدرها وزارة الإعلام بدولة الكويت. ورغم ذلك فلم تكن هذه المجلة في أي يوم من الأيام تحت رعاية مظلة أي حكومة. لقد انتمت إلى الشارع العربي منذ أعدادها الأولى. واحتلت مكانتها في كل البيوت العربية سواء في الحواضر العامرة أو الواحات النائية.
ولا نريد أن تكون شهادتنا في حق أنفسنا. ولكننا سوف نترك الحديث عن مجلة (العربي) للتقرير الذي أصدرته لجنة تحكيم الجائزة والتي أوردت فيه حيثيات حكمها.
ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل الاحتفال ونتعرف على بقية الفائزين علينا أن نعرف أولاً ما هي قصة هذه الجائزة. ولماذا تحظى بهذه الأهمية?
المؤسسة واستمرارها
كان علينا أن نبحث عن عبدالحميد أحمد الأمين العام لمؤسسة العويس الثقافية. كان بطبعه الهادئ وشخصيته التي يغلب عليها الحياء يود أن يختفي عن الأضواء التي تسلط عليه عادة في أمثال هذه المناسبات. كان لا يزال هو المبدع الذي يفضل أن يجلس وحيدا ليمارس عشقه الوحيد, كتابة القصة القصيرة. الشكل الذي يفضله والذي أصدر فيه ثلاث مجموعات. وقد أكد في بداية الحوار أن كتابة القصة وسيلته للتغلب على الوجع الإنساني. وأن الكلمات تنفع حيث لا تفيد المسكنات. كان سؤالي عن الجائزة الذي أصبح هو مسئولاً عنها بعد أن مات مؤسسها منذ عامين وبعد أن تحولت هذه الجائزة من مبادرة شخصية إلى مؤسسة قائمة ومستمرة. يقول: لقد تأسست هذه الجائزة أول الأمر تحت مظلة اتحاد الكتّاب لدولة الإمارات, وقد رأينا بعد ذلك أنه من الأفضل من أجل ديمومتها واستمرارها أن تنفصل لتصبح مؤسسة مستقلة بذاتها وذلك لأسباب عديدة منها أن اتحاد الكتاب هو في نهاية الأمر جمعية أهلية عرضة لكثير من التغيرات. كما أننا أردنا أن تكون هذه الجائزة نزيهة وحيادية لا ترتبط بأهواء أي شخص أو تيار سياسي. وقد تبنى سلطان بن علي العويس هذه الجائزة بشروطها الرئيسية ونظامها الأساس, والأهم من ذلك استقلالها حتى عن مؤسس الجائزة وصاحبها.
وقد تلا ذلك إصدار وثيقة تأسيس مصدقة في المحاكم الشرعية. تم إصدار مرسوم أميري يكفل لها العمل.وقد وفّر هذا الأساس القانون المتين القدرة لهذه المؤسسة أن تمارس عملها حتى بعد أن رحل مؤسسها.
إن علاقة سلطان العويس بالمؤسسة قد انتهت فور أن أوقف لها المال اللازم لانطلاقتها. وقد ترك بعد ذلك حرية استثمار هذا المال والمحافظة عليه لمجلس الأمناء وكذلك إدارة المؤسسة. ولم يحدث أن تدخل سلطان العويس أثناء حياته في عملها وحتى لو أراد التدخل ـ وهو ما لم يفعله ـ لم يكن مجلس الأمناء يسمح له بذلك.
إن للمؤسسة شقين. شق ثقافي يدعمه شق اقتصادي أو استثماري, فمجلس الأمناء يقوم باستثمار أموال المؤسسة في العديد من المشروعات المالية والعقارية وهناك ريع سنوي من هذه الإيرادات يتم الصرف منه على الجائزة وعلى كلفتها الإدارية. وما يفيض من هذه الأموال نعاود استثماره مرة أخرى حتى نضمن التوسع في المستقبل, إما في فروع الجائزة وإما في قيمة المبالغ المخصصة لكل فرع من فروعها, ونحن بهذه الطريقة قريبون من جائزة نوبل العالمية ويمكن أن نطلق على جائزة العويس إنها (نوبل العرب).
ورغم أننا في الأساس مؤسسة ثقافية منّاحة للجوائز فإننا أسسنا أخيرا صندوقاً لدعم الثقافة, ويتم منه تدعيم بعض المشروعات الثقافية مثل اتحاد كتّاب الإمارات مثلا ومشروع كتاب في جريدة.
إننا نستعد الآن للانتقال إلى المبنى الجديد الذي سوف يكون جاهزاً بعد ثلاثة أشهر. وهو مكون من عشرة طوابق.
سوف يتم استغلال سبعة منها بالشكل التجاري لزيادة موارد الجائزة. بينما تحتل المؤسسة الطوابق الثلاثة الباقية.
وسوف يكون فيه مكتبة ومقهى ثقافي ومسرح ومركز معلومات.
إن الجائزة لن تكف عن تطوير نفسها, وقريبا سوف نزيد قيمة جوائزها من مائة ألف دولار للفرع الواحد إلى مائة وخمسين ألفا. كما سنقوم بطباعة الأعمال الكاملة لكل الذين فازوا بالجائزة وعددهم حتى الآن 46 أديبا ومفكرا. وسوف يكون ذلك في نسخ فاخرة نهديها للمؤسسات الثقافية العامة.
ويقول عبدالرحمن العويس ومدير بنك دبي الوطني وعضو مجلس أمناء المؤسسة: إن الأموال التي تركها العويس هي أمانة ووقف للثقافة العربية. ونحن نحاول استثمارها في كل أنواع الاستثمار المضمونة, ولا أكذب عليك إنها حتى الآن تواصل النمو, لا أريد أن أذكر الأرقام الحقيقية ولكن يكفي القول إنه بعد إنشاء مبنى مؤسسة العويس سوف يتضاعف رأس مالنا حوالي خمس مرات.
جائزة نزيهة
ولكن ما الذي يكسب جائزة العويس احترامها ومصداقيتها? إن هناك كثيراً من الجوائز في عالمنا العربي, وكثيرا ما يثار حولها اللغط والانتقادات, وكثيرا ما نسمع أنها تتأثر بالأهواء والمزاج الشخصي للذين يقومون عليها, ولكن هذه الانتقادات لم تثر حتى الآن حول جائزة العويس, فقد عرفت دوما النزاهة ودقة التحكيم كما قال لنا أكثر من مسئول داخل المؤسسة, وهو الأمر الذي يؤكده المدير التنفيذي للمؤسسة عبدالإله عبدالقادر حين يشرح الآليات التي تحكم عملية الترشيح واختيار لجان التحكيم ثم اختيار الفائزين, يقول: نحن مؤسسة مستقلة غير هادفة للربح, وقد أسسها سلطان العويس لفرط حبه للشعر والأدب العربي, فقد كان تاجراً ناجحاً وشاعرا في الوقت نفسه, ويعتقد أن الأدباء والشعراء في العالم العربي مغبونون, من أجل هذا قام بتأسيس هذه الجائزة عام 1992, ولكن لم يتم إشهارها إلا عام 1994.
لقد قمنا بدراسة الساحة العربية ووجدنا أن كل ما هو مطروح فيها من جوائز يأخذ طابع السلطة التي تقف من ورائها وقد انتهت هذه الجوائز بسبب عدم استمرار التواصل بين المبدع وهذه السلطة, لذلك فكرنا في ألا تخضع هذه الجائزة إلا لسلطة الإبداع, أي أنها تمنح لكل كاتب عربي أو من أصل عربي يكتب باللغة العربية دون النظر إلى جنسيته أو دينه أو لونه. ولو أنك استعرضت الفائزين الستة والأربعين فسوف تجد أنهم يمثلون كل ألوان الطيف في الثقافة العربية, من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, من مميزات هذه الجائزة أيضاً الحيادية. فلا يسمح لأي مسئول في المؤسسة مهما كان مستواه بالتدخل في توجيه هذه الجائزة, بل إن مسئوليتنا تنتهي عند اختيار لجان التحكيم. ولا يحق لنا نقد أي قرار تتخذه هذه اللجان. كل ما يفعله مجلس الأمناء هو اعتماد القرار وليس لنا الحق في مناقشته. ولجنة التحكيم تتغير في كل دورة, ولا يحق الاستفادة من المحكم أكثر من دورتين في حياته. لذلك, لا تكرس الجائزة في اتجاه أو منهج بعينه. ويستغرق اختيار لجان التحكيم جهداً كبيراً من عمل المؤسسة. فنحن نسأل ونستأنس برأي الجامعات والمجالس المتخصصة في مجال الثقافة حتى يرشحوا لنا من يرونه مناسباً. وتصل أعداد المرشحين للتحكيم إلى أكثر من 400 مرشح من المتخصصين في مجال الفكر والثقافة. وتخضع لجنة التحكيم لدراسة طويلة حتى يختار مجلس الأمناء اللجنة النهائية المكونة من اثني عشر مختصا ويستغرق هذا الأمر 3 أشهر, وينتهي عملنا عند تكوين هذه اللجان وهي موزعة جغرافياً بحيث تمثل كل أجزاء الوطن العربي. كما أنها أيضاً موزعة فكرياً بحيث تمثل اتجاهات فكرية وفنية مختلفة, وتأخذ هذه اللجان فرصة سبعة أشهر من العمل الحقيقي. كل يعمل على حدة. وكل يعلم في سرية تامة. ونرسل لهم كل كتب المرشحين ويقومون برفع تقرير عن كل ما وصله حتى نتأكد أن المحكم قد أطلع على كل الكتب التي وصلت إليه, ولا يطلعون على تقارير بعضهم البعض إلا قبل إعلان الجائزة بفترة قصيرة.
ونحن نمنعهم خلال هذه الفترة من الاتصال بوسائل الإعلام.
ويجتمعون أكثر من مرة إذا كان هناك خلاف في الرأي, ولا ينفض الاجتماع إلا بعد الوصول إلى القرار النهائي وهو يرفع إلى لجنة الأمناء للاعتماد فقط.
هذا هو النظام الصارم الذي استمر على مدى سبع دورات كاملة, فاز فيها 46 كاتباً كما قلنا من قبل, وحكم فيها 64 محكما من النقاد والأعلام المعروفين في الوطن العربي, وشملت حقل الشعر والقصة والرواية والمسرحية والدراسات الأدبية والنقد والدراسات الإنسانية وجائزة الإنجاز الثقافي والعلمي, وقد بلغ عدد المرشحين لنيل هذه الجوائز 603 مرشحين.
وكان أشهر من فاز بها الشعراء نزار قباني وفدوى طوقان وعبدالوهاب البياتي ومحمد مهدي الجواهري. والشيخ يوسف القرضاوي والدكتور إدوارد سعيد والشيخ حمد الجاسر وإدوار الخراط وصنع الله إبراهيم والدكتور فؤاد زكريا وزكي نجيب محمود.
شاعر لا يموت
في عام 1981 أتيح لي أن أقابل ذلك الشاعر شديد التواضع الذي خلد ذكره وبقي صيته حتى بعد أن رحل عن دنيانا, كنا جمعا كبيرا في مهرجان الجنادرية الذي تجمع فيه المملكة العربية السعودية نخبة من المثقفين العرب في كل عام., وفي جانب من قاعة الاستقبال في فندق الرياض كان يجلس رجل نحيل , يستمع ويشارك في الحديث بحساب وبصوت خافت هادئ, حريص على ألا يقطع سيل أصحاب (المكلمة) المتدفقين في الكلام, وقدم نفسه بتواضع.. سلطان العويس من دبي. كانت أخبار الجائزة قد بدأت في الانتشار, ولم يصدق أحد أن هذا الرجل النحيل هو مانح هذه الجائزة الضخمة, يومها قال لي: (إنه شيء بسيط نحو إخواننا العرب.. أتدري أنا أحب أيضاً إنشاء المدارس. وقد أنشأت مدرسة للتقنية في مدينة العاشر من رمضان في مصر. وأخريين في المغرب. وسوف أنشئ المزيد...).
بدا كأن حس المبدع عنده قد تغلب على غريزة التاجر الذي يسعى وراء الربح, أو أنه كان مل من تراكم (البيزات) فأراد أن يظفر بالقليل من أطراف المجد. بدأ يتحدث بتواضع وفي صوت خافت عن تجربته الحياتية, كان أبوه تاجراً موسراً, من أول تجار اللؤلؤ الذين عرفهم بر دبي التي كانت مركز الخليج لتجارة اللؤلؤ, وكان معروفاً بأمانته حتى أن الناس كانوا يودعون عنده نقودهم في صرر من المال. وكان يأخذها ويكتب عليها اسم صاحبها ويحتفظ بها في صندوق خاص حتى يستردها صاحبها متى أراد.
وهذا ما أهله لأن ينشئ أول بنك وطني في المنطقة التي كانت تسيطر عليها القبضة المالية للإنجليز في ذلك الوقت. وقد افتتح بنك دبي الوطني عام 1963 ولكن والده مات قبل الافتتاح ورشحه بقية الأخوة كي يتولى رئاسة مجلس إدارة هذا البنك.
كانت إدارة البنك نهاية مرحلة طويلة من الاتجار في كل شيء. أولها اللؤلؤ الذي الذي كان سيد منتجات الخليج, وعندما انهار سوق اللؤلؤ بسبب انتشار النوع الصناعي منه, بدأ في التوسع في تجفيف الأسماك وتصديرها إلى جنوب شرق أسيا, ولكن المغامرة الكبرى كانت في تهريب الذهب. يقول سلطان العويس في حوار أجرته معه مجلة (العربي) عام 1993: (كان الذهب ممنوعاً في الهند بأمر الإنجليز. وكنا نحن تجاراً نأتي بالذهب من سويسرا ونبيعه لمن يطلب. كانت هناك مخاطر عديدة. فالسفينة كانت تحمل الذهب بملايين الدولارات. وما أن تقلع من الميناء حتى تصبح رهينة للبحر والقدر. سفن عديدة غرقت, وسفن أخرى أغرقت حمولتها حتى لا يضبطوا متلبسين بالتهريب).
هذه التجربة الطويلة في مجال المال والتجارة لم تطفئ جذوة الشعر في داخله. بل إنها قد أغنت تجربته الشعرية. باع واشترى. وكسب وخسر. وظل الشعر ثروته الأخيرة وصبابة نفسه, وقد اتفق العديد من دارسي شعره على أنه شاعر حب وغزل من طراز فريد. إضافة إلى شخصية متصعلكة لا تتقيد بوقت ولا مكان. ولعل أشهر غزلياته ذلك البيت الذي يروي فيه شغفه كمحب إلى محبوبته:
مازال حبك يسقيني وأرتشف
لا النفس تروى ولا سلساله يقف
من هذه النفس الشاعرة.. والذواقة للشعر ولدت الجائزة.
فرسان الجائزة
هذا العام كان موعد (العربي) مع جائزة العويس. ولم تكن وحدها في الميدان. كان يحف بها كوكبة من الكتاب والمبدعين العرب كرمتهم الجائزة أيضا. في الشعر فاز قاسم حداد الشاعر البحريني البارز. وهو يمثل جيلاً كاملاً من الشعراء الشبان في منطقة الخليج دخلوا من باب الحداثة والتجريب في شكل القصيدة ومدها بمضامين جديدة.
وقد قال للعربي حول إحساسه بالجائزة: (لم أكن أنتظر هذه الجائزة. كان يكفيني أنني أقول الشعر. فهو ما يشعرني بقوة.
أجل. أنا قوي لأنني أكتب شعراً. أتنفس من خلاله الهواء المفقود. عدا ذلك لا أحسن العمل بأي شيء. لا معنى لي ولوجودي بقدر ما يكتب الشاعر مخلصاً بلا غايات ولا أوهام كبرى.
لقد أمضى قاسم حداد ثلاثة عقود في كتابة الشعر. وهو يحاول في كل مرة أن يضيف جديداً لكل قصيدة كتبها. ورغم غموض أشعاره في بعض الأحيان إلا أنه يمكن تتبع الرموز الأسطورية والتاريخية التي استوحاها. كما أن الشاعر من السباقين إلى استخدام أجهزة التقنية الحديثة فقد كان مؤسساً أساسياً لموقع جهة الشعر الذي جمع فيه العديد من التجارب الشعرية الحديثة., كما أن له موقعه الخاص وهو يؤمن أن استخدام هذه التقنيات لن يساهم في نشر الشعر فقط ولكنه سوف يؤثر في صياغة شكله ومضمونه أيضا.
والفائز الثاني هو كاتب القصة المعروف زكريا تامر.
وهو كاتب متعدد الإبداع, كتب القصة القصيرة أولاً ثم هجرها إلى عالم الأطفال. وهو يكتب قصصاً مثل أطراف الدبابيس شديدة الوخز سريعة النفاذ. وجعل عالم القصص أشبه بالدقات المتوالية على قشرة الذهن العربي لعله يستفيق من غيبوبته. ويقول عنه الشاعر محمد الماغوط: (إنه الحداد. مرة يطرق الصلابة الخرساء, فتنبجس أزهار الجمر, ومراراً يخبط على جمر اللغة, وزكريا تامر لما يقارب نصف قرن من الزمن ينسج للأدب العربي نسيجاً خاصاً من الكتابة القصصية. وهو بقدر ما كان متمرّداً وقاسياً وضارياً بقدر ما مضى بعيداً في الاحتراف الفني حتى ليبدو كأنه قد تمكن من حبس العاصفة ضمن إطار...).
وأما شريكه في الفوز بجائزة القصة فقد كان القاص المصري محمد البساطي, ولأدبه خصوصية فريدة من نوعها جعلته واحداً مميزاً من جيل الستينيات الذي داوم على الكتابة والإبداع بدأب دون أن يتقيد بتجربة جاهزة وهو يحتفي بعالم من الهامشيين والمنسيين ليقدم في صورة تفيض بالإنسانية. وهو يقول:( إنني أنتمي إلى جيل من الكتّاب. شهد أحداثاً وتقلبات يندر أن تجتمع في عمر واحد. فقد عاصرنا أربع حروب لتحرير الوطن. وثورة بكل طموحاتها. وعشنا انكسارها وتشظيها وارتدادها, والآن نعيش حنيناً لماض لا أظنه يعود...).
وحصل على جائزة الدراسات الأدبية والنقد طائر عراقي مهاجر هو الدكتور محسن جاسم الموسوي. وهو ناقد وأكاديمي له أنشطة معروفة على كل مستوى العالم العربي, وعاش حياة ثقافية زاخرة داخل العراق وخارجه, وكتب العديد من الدراسات باللغة العربية والإنجليزية عن الرواية العربية والشعر ونقد الاستشراق, ثم كتب بالإنجليزية كتابه الشهير (الوقوع في دائرة السحر) عن تأثير ألف ليلة في الأدب الإنجليزي. ثم مجتمع ألف ليلة. وهو يقول: (العرب أمة مضطربة, تعيش في مرحلة تعيسة من حياتها.
تمتلك ثقافة واسعة, وثروات هائلة, ولكنها أمة ممزقة بطغيانها وعدم قدرتها على تمثل روح العصر ومنجزاته الحقيقية.
وآخر فرسان الجائزة هو الدكتور عبدالوهاب المسيري الذي حصل على جائزتها في مجال الدراسات الإنسانية والمستقبلية, وهو مفكر كبير يكفيه من حصاد رحلته الطويلة في مجال البحث والدرس أنه قد توجها بكتابة موسوعته المهمة (اليهود واليهودية والصهيونية) التي استغرقت منه أكثر من ربع قرن من الزمن في البحث.
وهو يعد واحداً من الأعمال العلمية الضخمة النادرة التي تفضح إرهاب إسرائيل وعنصريتها. وإضافة لذلك تشمل دراساته الحضارات العامة والأدب العالمي, وأخيراً أدب الأطفال. ويقول عنه محمد حسنين هيكل (منذ الستينيات أخذ عبدالوهاب المسيري على نفسه مهمة أعطاها عقله وقلبه وأحلى سنوات عمره, وهي مهمة دراسة الدين اليهودي والتواريخ والهويات اليهودية, حتى أوشك أن يصبح موسوعة حــية للموضـــوع, تجربة مختـــلفة بالكامل...).
سجل للعقل العربي
لم تذهب (العربي) إلى احتفال الجائزة خالية الوفاض, ولكن كان وفدها يحمل معه هدية, عبارة عن معرض مكون من أكثر من سبعين لوحة تحكي تاريخ تطور دولة الإمارات العربية على مدى ثلاثين عاما تحتوي على العديد من الصور النادرة التي التقطتها عدسات مصوري العربي خلال استطلاعاتهم المتوالية.
وكان افتتاح المعرض تحت عنوان (الإمارات في عيون العربي) مفاجأة حقيقية. لقد وقف جميع المدعوين مدهوشين أمام الصور خاصة القديمة منها, وقد ارتدوا إلى عالم الطفولة. بدأوا في استعادة الأماكن التي اندثرت, والوجوه التي كانت شابّة في ذلك الوقت. استيقظ جزء من الذاكرة القديمة مليء بالحنين الذي مضى, والدهشة من ذلك التحول والتطور الذي طرأ على هذه البقعة من الأرض, مكان البيوت القديمة ترتفع الأبراج العالية, الآن وبدلاً من الحارات تمتد شوارع من الإسفلت, وذلك الجسر المكون من الأحجار الذي يعبر الخور تحول إلى جسر علوي ضخم.
أثبتت (العربي) أنها سجل جامع لعالمنا العربي, فهي لا تؤرخ فقط لتطوره الفكري والإبداعي, ولكن لتطوره العمراني أيضاً, فالعديد من المدن العربية قد ولد ونمى وازدهر تحت عدسات العربي. تماماً مثلما نمى العديد من العقول الإبداعية وازدهر على صفحاتها. ولعل هذا مغزى الانجاز الثقافي الذي قامت به تلك المجلة الرائدة. لقد وقف رئيس تحريرها د. سليمان العسكري على المسرح ليتسلم الجائزة وسط موكب الفائزين وليمسك بالتمثال البللوري الذي نُقش عليه شعار المؤسسة, ورغم عدسات الضوء لم ينس أن هذه الجائزة هي مجرد علامة في طريق طويل. وأن مجلة العربي مثل أي كائن حي عليها أن تطوّر نفسها باستمرار وإلا أصيبت بالعجز. وهو يقول: (إن تاريخ المجلة الطويل يجب ألا ينسينا أننا نواجه عصراً جديداً علينا أن نقتحمه, فالعربي لن تكتفي بصورتها الورقية, ولكنها تستعد لاحتلال مكانها على شبكة الإنترنت, وهي تدخل بذلك مرحلة جديدة توازي إصدارها الأول وهي عالم النشر الإلكتروني. إن هذا التطور سوف يفرض عليها معالجة جديدة لمضمونها وللدور الذي ستقوم به. سوف تطور (العربي) من أسلوب القراءة التفاعلية بينـها وبين قارئها بحيث تفسح لهم مجالاً لتبادل الرأي حول كل ما ينشر بها. وهي لن تصل إلى كل قرائها في كل بقاع الأرض فقط ولكنها سوف تتحمّل عبء الدفاع عن الثقافة العربية وسط تيار جارف من ثقافة العولمة يسعى إلى التهام كل الثقافات المحلية. إن مهمة (العربي) ســــوف تكون الدفاع عن روح الأمـــة العربـــــية وهويتـــها الثـقافية وهــذا هو ما نـــسعى إلى تأكيده
|