عن الشاعر وتجـربته

جائزة سلطان العويس

قاسم حداد :
عدم قصر التجديد على جيل بعينه

حاوره : هاشم الجحدلي

جاءت الجائزة، جائزة كبيرة، معنوياً و مادياً. هل ترى أي بارقة نور تلوح في ثقافتنا العربية، أم أنها خصوصية لهذه الجائزة فقط، ولا يمكن تعميمها؟

@ أنظر حولك. هذا سؤال بمثابة الجواب. لست متفائلاً بما يروجون له.
الأمل لا يبحث عنه. انه أما أن يكون موجوداً أو غير موجود. حالياً فكل ما يجري هو تأجيل القتل قلياً لكي يبدو موتاً. وعلينا عدم الركون إلى كل ما يجري إشاعته من مشاريع تطالنا من الحنجرة حتى الاحليل. أما إذا أردت بأن حصول شاعر هنا وشاعر هنا تكريماً يستحقه في هذا الواقع المنهار، فأقول لك لابد لنا أولاً من تقديم العون لهذا الواقع لكي يتبذل في انهياره كاملاً، فيما نفكر في طريقة تفادي الشراك المنصوبة لمواقع أقدامنا.
أقول هذا لكي أشير إلى أن مثل هذه الجائزة ما هي إلا كناية عن بصيص النور المنسرب باختناق من تحت عقب الباب الهائل السميك.

أنت شخصياً، كيف استقبلت الجائزة، وأي نوع من فرح استبد بك؟

@ شعور مفعم بالرهبة وعدم القدرة على اتخاذ وضع الاستعداد لمسيرة مارش المستقبل المشحون بمهمات إضافية. لم يكن الفرح واضحاً إلا في عيون أفراد العائلة الذين يستحقونها أكثر مني بما لا يقاس، فالحقيقة أنهم احتملوا معي الحياة التي صاغت لكم الكثير من الكتب وما لا يقاس من كبت المتع الصغيرة التي يجري تداولها في الحياة كترف زائد.
هذه هي الحقيقة التي يعرفها جيداً مئات المبدعين العرب، والذين يجب أن ينالوا التقدير بأشكال كثيرة إضافة إلى الجوائز، وإلا فيجب أن نكف عن الزعم أننا من سكنة القرن التاسع عشر وليس الواحد و العشرين.
فرحي بالجائزة بدأ في الوضوح كلما تضاعف ورود اتصالات الأصدقاء للتهنئة ومشاركة اللحظة. لكن الحقيقة أن ارتباكاً غامضاً خالجني في الساعات الأولى، كما لو أنني لم أكن مستعداً مثل هذا الموقف، بالرغم من أن كلاماً كان يدور حول ترشيحي لنيلها منذ سنوات.

للشعر غواياته الكثيرة، وهذه الجائزة من الشعر وللشعر، فما هي غواياتها للشاعر؟

@ لم افهم هذا السؤال،

أنت الفائز بها، وتستحقها، ولكن من ترشح لها في الأعوام القادمة؟

@ أنهم كثيرون، ولحسن الحظ أنني لست عضواً في لجان التحكيم وإلا فان مؤسسة جائزة العويس سوف تتعرض للإفلاس في دورة واحدة.

أصدرت قبل أشهر مجموعتك الكاملة، وها أنت تفوز بجائزة معتبرة، ماذا ترى يهيئ (تبر الزمان) لك من شعر و أحلام ؟ ولمن تهديها؟

@ إذا تيسر للشعر أن يسع أحلامي، فان ثمة كتب كثيرة أحلم بها.

أنت مجدد، طليعي، متقدم، غير متفق عليه. ألا ترى أن هذه الجائزة خرجت عن مألوف الجوائز العربية المتكلسة والغارق في التقليدي دائماً؟

@ الجثة فقط هي ما يتفق عليه. وإذا صح تقديرك لما تقترحه كتابتي الشعرية ضمن سياق الشعرية العربية، فمن الضروري (حضارياً) عدم قصر التجديد على جيل بعينه. فالروح الرحب الذي يمنحنا إياه الشعر يجعلنا نتمنى على سبل تقدير المبدعين العمل على تفادي حكم القيمة الذي وصفتهم به. يبقى على القائمين على الجوائز العربية، إذا زعموا يكرمون الإبداع ويعبرون عن تقديرهم للمبدعين، أن يؤمنوا بأن المستقبل هو قرين الجديد دون أن ينفى خبرة التجربة. وإلا فإننا سوف نصادف صعوبات كثيرة في محاولة الاقتناع بأن مجرد منح المال هو في حد ذاته هبة يمنحها أصحاب الأموال كفائض قيمة لحياة ليست في متناول الآخرين. الحضارة هي دائما تتصل بالجوهر وليس بالمنظر، لئلا تتحول الجوائز إلى صقل مناظر المشهد العربي .. فيما يتفضل بالانهيار.@

جريدة عكاظ - جدة -السعودية

قاسم حداد :

ثمة مستقبل لا يمكن تفاديه تقترحه التجربة الشعرية الجديدة

عبده وازن
جريدة الحياة - بيروت

تعني مثل هذه الجائزة أن ثمة مستقبل لا يمكن تفاديه تقترحه التجربة الشعرية الجديدة. أعني الجديدة دائماً. وهذا بالضبط ما يمكن أن تمثله الرسالة التي يشير إليها منح جائزة رصينة ومستقلة لتجربة شعرية هي مثار جدل دائم في الواقع الثقافي العربي، ومن المؤكد أن الأهمية تكمن دائماً ليس في الجوائز، ولكن في التجارب الإبداعية التي ترشح وتحصل عليها. برجاء أن حصول التجارب الإبداعية الجديدة على التفاتات نادرة من هذا النوع، يسهم في تأجيج الأسئلة الجديدة التي تطرحها هذه التجارب، لا أن نتوهم بتكريس مفترض لأية تجربة بحصولها على مثل هذا التقدير والجوائز. المسألة يجب أن تكون على العكس، بحيث تتاح الفرصة أكثر للحوار الإبداعي بين التجارب المختلفة والمتنوعة من جهة، وبينها بين مكونات الواقع وتجلياته من جهة أخرى.

إن المبدع العربي بحاجة أكيدة لتقدير مباشر مادي ومعنوي على هذه الدرجة من الجدية، خصوصاً في سياق واقع عربي مؤسساتي رسمي يمعن في التنكيل بمبدعيه بشتى اجتهاداتهم الفكرية والفنية، لنتأكد كم من النظرة الدونية التي تنظر بها المنظومات الرسمية لطاقاتها العربية في كل حقول الفكر والمعرفة والفنون. وهي منظومات و مؤسسات تتعامل مع المواطن بوصفه عبداً، وللمواطن المبدع بوصفه تابعاً يزخرف صورة الواقع ويبجلها، وأن يتقدم للحصول على حقوق التقدير بشرط التخلي عن أسئلته أمام الواقع، بافتراض أن جواب السلطة هو نهاية القول.

في مناخ مثل هذا سوف يزهد المبدعون في أي تقدير رسمي أو مشروط مهما تماهى مع الحضارة ومشاريع التقدم الشائعة. وأرى إلى بعض الجوائز بوصفها فضيحة دائمة لمؤسسات السلطة العربية التي لم تزل غائبة عن الوعي إزاء ما يحدث في العالم من حولها.

خبر حصولي على هذه الجائزة، وضعني في لحظة من رهبة المسؤولية. أحب أن أهدي هذه الجائزة إلى زوجتي التي عرفت معي الحياة القاسية وتحملت معي صعوبة أن أكون حراً.

أقدر كثيراً اللجنة التي منحتني هذه الثقة، واشكر مؤسسة جائزة سلطان العويس لمشروع نبيل سوف يستحقه الكثيرون من المبدعين العرب.

أظن أن الحياة جديرة بأن تعاش بالرغم من صعوباتها، أما إذا تيسر لكاتب ظرفاً إيجابيا محفزاً، فمن المحتمل أن يسعفه هذا على الاقتناع بتأجيل مشاريع المغادرة مؤقتاً.*

قاسم حداد :

مثل شخص ضبط متلبساً بعبء الكتابة

حاورته :سميرة عوض
جريدة (الرأي) الأردن

هل كنت تتوقع الفوز بهذه الجائزة ؟

يمكنك القول أن كلاماً كان يدور بين أصدقاء كثيرين كانوا يمنحوني الجوائز في مناسبات عديدة من باب التمني، كمن يمنح الحب بمجانية صادقة. في الوقت الذي كان ترشيحي لهذه الجائزة كان متداولاً منذ سنوات. بهذا المعنى أظن أن ما حدث هو أمر كان سيحدث لي ولغيري ممن يستحقون بلا شك هذه الجائزة.

شعورك عند سماعك خبر نيلك الجائزة.

بصراحة كان شعوراً غامضاً. ثمة ما يشبه الرهبة من مسؤولية يسندها أشخاص قرروا أن يعلنوا أن شخصاً ضبط متلبساً بعبء الكتابة زاعماً أنه ذاهب إلى مستقبل الشعر، وعليه أن يكون جديراً بهذا الزعم.
قد لا يدور مثل هذا الخاطر على بال أحد. لكن حقيقة الأمر أنني شعرت بذلك لفرط ما كنت مولعاً ومطمئناً في هامش المشهد. الآن أخشى أن يطالب الشاعر بمضاعفة بسط القرائن على أنه كذلك بالفعل. كما لو أن كل ما أنجزه من نصوص (وهي بالمناسبة أكثر من اللازم) لم تعد كافية لإثبات قدرته على مجرد الزعم بذلك.
كيف يمكنني تفسير كل ما قلته لئلا أبدو مبالغاً في الارتباك الذي سينتابني منذ هذه اللحظة، وهو ارتباك أحب المحافظة على حميميته.

هل تعتقد بأهمية تكريم المبدعين مادياً، وعدم الاقتصار على التكريم المعنوي.

على أهمية التكريم المعنوي المفقود أساساً في الواقع العربي، إلا أن حياة الأديب ستكون دائماً عرضة لصعوبات لا تحصى لأسباب كثيرة في مقدمتها موقفه النقدي من الواقع. و من هنا تأتي حتمية فقد التكريم المعنوي من واقع هو المستهدف من جهة مساءلة المبدع النقدية والنقضية في نفس الوقت.
ويبقى بعد ذلك البحث عن المعنى الحقيقي لأهمية التكريم المادي الذي سيكون في مقدمة مستحيلات الأمور، فالإضافة إلى النظرة الدونية التي يرى بها أصحاب السلطات العربية للمبدع، فان خروجياته وشغبه الحضاري ورفضه لمبدأ الامتثال و القبول البهيمي لمعطيات الواقع، سيكون سبباً وجيهاً لحرمان المبدع من حقوقه المشروعة في انتظام طبيعي لموسيقى
القلب. عند العرب، المبدع لا يستحق إلا التكريم الذي يجرده من طبيعته.
وهو تكريم سوف يزهد فيه المبدعون دائماً، إن كان معنويا أو مادياً.

ما هي الجوائز التي حصلت عليها من قبل.

جائزة المنتدى الثقافي اللبناني في باريس. وهي بالمناسبة جائزة معنوية يغمرك بها أصدقاء حميمون تفرح بسهرة النبيذ معهم فتنسى العرب العاربة و العرب الهاربة في لحظة واحدة.
فيما عدا ذلك لا اذكر أنني حصلت على جوائز. غير أن قلب من أحب هي دائما جائزة لا تضاهى، وهي جائزة تتجاوز المفهوم المعنوي والمادي عندما يتعلق الأمر بالتكريم، فهي نعمة الله التي عبر عنها جبران خليل جبران ذات نص قائلاً: (ذا أحببت لا تقل إن الله في قلبي، بل قل أنا في قلب الله). هذي هي الجائزة.

(الأهرام العربي) تواجه أحـد أعضـاء لجنة التحكيم

صلاح الدين بوجاه ‏:‏
لا توجد مؤامــرة وراء استبعاد الماغوط

محمد بركة-القاهرة

أثارت الجائزة هذه المرة رد فعل تراوح بين الأسف والغضب بسبب تجاوز اسم الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط‏.‏
وهذه المفارقة وغيرها طرحنها علي أحد أعضاء لجنة التحكيم‏,‏ وهو الروائي التونسي البارز د‏.‏ صلاح الدين بوجاه‏.‏

‏* لنبدأ بزكريا تامر‏,‏ ألم يكن يستحق بعد هذا العمر وهذه التجربة الرائدة في القصة السورية أن يحصل علي الجائزة منفردا؟

في الواقع شعر أعضاء اللجنة ضمن حدود المواد المقدمة من قبل المرشحين بتكافؤ التجربة بين زكريا تامر‏,‏ ومحمد البساطي‏,‏ رغم أن كليهما يستحقها بمفرده‏,‏ لكن الحقيقة أيضا أن تامر الذي يكتب منذ‏50‏ عاما كان في أوج عطائه الفني منذ‏20‏ عاما مثلا‏,‏ في حين لم يقدم إنجازات كبيرة في السنوات الأخيرة‏.‏
والمحكم‏-‏ في النهاية‏-‏ مثل الناقد ليس لديه ميزان من الذهب وحكمه يخضع بالتأكيد للانطباع الشخصي والذوق الفني‏,‏ بالإضافة إلي المعرفة العلمية‏.‏

‏* ألم تصبح فكرة المناصفة حلا سهلا ضمن لعبة التوازنات؟

أقول بصدق إن مجلس أمناء الجائزة لا يتدخل في عمل لجنة التحكيم بأي صورة من الصور‏,‏ أضف إلي ذلك أن كل عضو من أعضاء لجنة التحكيم يرسل تقريره بالبريد أولا قبل أن يعرف بقية زملائه الأعضاء‏,‏ ثم نلتقي ونتناقش ونصل إلي الاختيار النهائي‏,‏ وهذا الأسلوب يضيق مجال الترضية والتوازن بشكل كبير‏,‏ ولا ننسي أن الأشياء في الأدب نسبية وليست علمية حاسمة بشكل مطلق

‏* ما حقيقة تكرار بعض أعضاء لجان التحكيم؟

حسب القاعدة المتبعة في الجائزة وتقاليدها‏,‏ فإن أعضاء لجنة التحكيم لا يتكررون في دورتين‏,‏ لكن هناك بعض الاستثناءات القليلة مثل تكرار اسم د‏.‏ جابر عصفور مرتين‏. وحدث أن بعض أعضاء لجان التحكيم تقدموا بعد ذ لك بترشيح أنفسهم للفوز وفازوا بالفعل مثل د‏.‏ جابر عصفور‏، ود‏.‏ محسن الموسوي‏.‏

‏* أليس من الأفضل أن يحظر علي أعضاء لجان التحكيم الترشيح للفوز؟

لا توجد مشكلة‏، لأن المحكمين الذين سينظرون في أمر عضو لجنة التحكيم السابق سيكونون عناصر جديدة لم يعاصروه وستنتفي شبهة الانحياز‏.‏

‏* لماذا تم استبعاد الماغوط من جائزة الشعر؟

كانت هناك أسماء أخري مهمة مثل حسب الشيخ جعفر‏,‏ لكن لجنة التحكيم بكامل أعضائها وجدت أن إنجاز قاسم حداد يرقي إلي درجة التميز والتحديث‏,‏ خاصة أنه رائد تيار أدبي في منطقة الخليج‏.‏

‏*لا مفر إذن من المقارنة بينهما،‏ وستكون لصالح الماغوظ بكل المعايير‏,‏ فلماذا لم يفز بالجائزة؟

هذه رؤية لجنة التحكيم ككل‏، وفي النهاية كما قلت‏، فإن الذوق الانطباعي له تأثير وما تعتبره أنت ميزة‏، يمكن أن يعتبره عضو آخر عيبا‏.‏

‏*هل كان لديك رأي مخالف لما أجمعت اللجنة عليه؟

تقضي القواعد بأننا متضامنون أخلاقيا وتراتبيا وملتزمون بالرأي النهائي‏.‏

‏* ألم تكن للطبيعة الشخصية للماغوط كشخص حاد السخرية مزعج للسلطات ويفتقد إلي الشللية عاملا من عوامل استبعاده؟

بالعكس زكريا تامر أكثر حدة وعنفا‏,‏ قد يكون ما تقوله عن الماغوط صحيحا‏,‏ فأنا لن أرجم بالغيب‏,‏ لكن هذا لم يتجل في النقاش‏,‏ وكل شخص في لجنة التحكيم كانت له دوافعه الموضوعية‏,‏ ومن الممكن أن ينال الماغوط الجائزة في دورات قادمة‏,‏ مثلما حدث مع قاسم حداد‏,‏ الذي تقدم للجائزة علي مدار‏3‏ دورات قبل أن يفوز بها‏.‏
هذه هي حقيقة الأمر دون تهويل فلا توجد مؤامرة أو أسرار وراء استبعاد الماغوط‏,‏ ويظل بعد الجائزة عن الأنظمة السياسية‏,‏ وعدم تدخل مجلس الأمناء في اختياراتها أمران في غاية الأهمية‏,‏ ويحسبان لهذه التجربة العربية المتميزة في عالم الثقافة‏*

السبت 1 ديسمبر 2001


الشاعر البحريني قاسم حداد
الإنترنت أعطت لكتابتي جمالا خاصا
سيد محمود حسن

لم يكن مفاجئا أن يفوز الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد بجائزة الشعر ضمن مجموعة الجوائز التي منحتها هذا العام مؤسسة سلطان العويس‏.‏ وبهذة المناسبة يلقي الضوء علي تجربته والتجربة الشعرية في البحرين في هذه الشهادة‏.‏
المشهد الشعري في المنطقة ككل وليس في البحرين فقط ممتزج برموز وأسماء عديدة لا يجوز اختزالها في اسم فرد ويبدو لي أن طبيعة الهاجس الشخصي والعلاقات الحميمة الواسعة بالشعراء في المنطقة ككل صنعت هذه المسئولية لأنها وضعت بعض التجارب في موقع يتجاوز مسئولية الشخص ولحسن الحظ أن هذه المسئولية لم تكن مرتبطة بوظيفة رسمية فقد حرصت علي ربط تجارب الشعر البحريني بكل محاولات التجديد الشعري في العالم العربي كله ولكن ما أعطي للتجربة البحرينية خصوصيتها أننا جعلنا مفاهيم التجديد ترتبط بسياق ثقافي واجتماعي خاص يطال كل أمور المجتمع رافقه نهوض سياسي في فترة السبعينيات التي شهدت بواكير تجارب التجديد الشعري في المنطق‏.‏
المؤكد بالنسبة لي أنها تجربة لم تتأسس علي فراغ فقد كانت متصلة بمنجزات الشعر العربي بروافده المختلفة فالحس الثقافي والسياسي في البحرين هو حس عربي بالأساس ولذلك لم نكن خارج ما يحدث في النص العربي من تطورات‏,‏ فقط كنا في حاجة إلي نص بحريني تنطلق منه التجربة‏.‏
وعن تجربته يقول‏:‏ أظن أن تجربتي سلسلة متواصلة اختلفت فيها المخيلة ولا شك تغيرت لغة التعبير و أدواته العمل‏,‏ صارت هناك ثقة في ضرورة فرض التجربة الذاتية في النص فأنا أعتقد أنه كلما استطاع الشاعر أن يعبر عن ذاته بصدق وثقة استطاع التعبير عن الكون والعالم‏.‏ شيء أخر ألاحظه وهو أنه ربما انحسرت السياسة وغابت عن نصوصي الأخيرة ربما بوعي أحيانا ولا وعي في أحيان أخري وينحسر الخضوع والاستسلام لكل ما هو جاهز وتغيب الموعظة وهو ما يعني تغيير مفهوم الشعرية ذاتها ففي تجربتي تم تجاوز كل ما يتعلق بالتمايزات النوعية للنوع الأدبي وعلاقة الشكل بالمضمون بحيث أصبح الحضور الشعري هو ما يميز النص وأن كل أشكال التعبير بات بالإمكان إدراجها داخل هذا النص بعد مغامرة كتاب‏'‏ الجواشن‏'‏ علي سبيل المثال الذي أراه دليلا علي كل ذلك فتجربتي تقترح أشياءها الخاصة وتعمل علي بلورتها تدريجيا داخل نص له أفق مفتوح وما يدعم هذا التطور هو عدم الخضوع لمستقرات الأشكال فثمة تمرد دائم وبحث عن أي جديد يمكن اكتشافه يضيف متعة جديدة للقارئ‏.‏
ويستطرد حداد قائلا‏:‏ لدي إحساس بأننا نعاني طوال الوقت من مسافة بيننا وبين الأشياء التي نعيشها فنحن نتحدث عن مسافة بيننا وبين الحضارة وأخري بيننا وبين الحياة أو النص وغير ذلك من الثنائيات وهذه المسافات المعنوية والنفسية تضاعفت عندي بعد اكتشافي لفضاءات أخري مادية متخيلة مثل‏'‏ الإنترنت‏'‏ وبدأت أتساءل إلي أي حد نحن قادرون علي أن نكون جزءا من هذا العالم الذي يتيح يوميا مئات المعارف الجديدة والتي للأسف تخلق مسافة جديدة بفضلها امتزجت عندي المعرفة العلمية علي صعيد مستحدثات وسائل الاتصال والنشر مع الإحساس الإنساني بمشاكل الحياة العربية اليومية من غياب الحريات وبدأت البحث عن وسيلة لعلاج كل هذه المسافات ولكن بالشرط الإنساني واكتشاف العلاقة بين الشعر والعلم وتأكد يقيني بضرورة تواصل الشاعر والفنان بمستجدات العلم والمعرفة إنها تضيف لها فضاءات إبداعية جديدة فما عاد يكفي الشاعر أن يكتب شعرا فقط أو أن يكتفي بفهم مجتمعه فهما أدبيا وإنما بات في حاجة لامتلاك معرفة تقنية جديدة هي المكون الأساسي لثقافة المستقبل‏.‏ فالمستقبل المرتبط بالمعرفة العلمية لا يمكن تفاديه ولا يمكن الذهاب إليه بالشعر فقط‏.‏ أما عن تعبير علاج المسافة ذاته فقد اكتشفته في نص تراثي قديم ضمن كتاب عن شيعة العراق وهو تعبير صوفي وجد لدي قبولا وقدم لي حلا عن تساؤلات شغلتني لضرورة عبور المسافة التي تحدثت عنها وأعتقد أننا في حاجة لوصل تراثنا الحضاري الغني بهذه المعرفة التقنية الجديدة
أنظر دائما إلي هذه الوسائط نظرة الشاعر إلي الأشياء التي تنمي المخيلة فأري أن الإنترنت حققت لي شرطين مهمين في حياتي هما‏'‏ الحرية بلا حدود والجمال الغني‏'‏ فهناك برمجيات عديدة تستجيب لمخيلة الشاعر وأتساءل دائما كيف يمكن الاستفادة من هذا الفضاء لإغناء الكتابة لأنه فضاء يتيح لياقة إطلاق الخيال بحرية لا نهائية وهي لياقة مطلوبة لشعراء عالمنا العربي علي وجه التحديد‏.‏ ولذلك لا أرتاح لمن يقولون أن هذه الوسائل العلمية تفسد الخيال الإبداعي لأنني أراها وسائل هي نتاج للخيال بشكل أساسي وأعتقد أن الاستسلام لهذه المقولات يؤكد أننا نتمتع بيقين البهائم للدرجة التي تجعلنا خارج عصرنا تماما‏*

الأهرام العربي- القاهرة السبت 1 ديسمبر 2001

محمد البساطي:
أخطاء الثقافة المصرية مزدوجة بين المبدعين والمؤسسة

الروائي المصري الحائز جائزة العويس للقصة والرواية:
لا أعرف القاهرة جيداً وسنوات صباي المنبع الأساسي لوعيي الروائي

القاهرة: محمد أبو المجد

برز اسم محمد البساطي عام 1962 في أعقاب فوزه بجائزة نادي القصة المصري التي تسلمها من الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. وعلى الرغم من إصداره ثلاث روايات، فإن اسمه كروائي برز مع صدور روايته الرابعة "بيوت وراء الأشجار" ومن بعدها "صخب البحيرة" التي مثلت نقلة أساسية في رحلته مع الكتابة التي أثمرت ستة عشر كتاباً ما بين رواية ومجموعة قصصية.

ترجمت بعض أعمال البساطي إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والأسبانية. وقد حصل أخيرا على جائزة "العويس" في الرواية والقصة مناصفة مع السوري زكريا تامر.

هنا حوار معه عن أهمية فوزه بهذه الجائزة ورحلته الابداعية منذ الستينات وقضايا الكتابة والحرية.

‏* بداية، ماذا يعني لك فوزك بجائزة سلطان العويس؟

ـ أنا سعيد بحصولي على جائزة العويس لأنها الجائزة الوحيدة التي تقدمت لها طيلة حياتي، وسر سعادتي هو أهمية الجائزة التي اكتسبتها طول السنوات القليلة، خصوصاً أن الأسماء الفائزة في الأعوام السابقة جديرة بالاحترام في عالم الابداع، وشرف لي أن يضاف اسمي إليهم. وتنبع مصداقية هذه الجائزة من الاختيارات والجدية والابتعاد عن التوازنات والشبهات التي تقع فيها أغلب الجوائز. فهناك قامات كبرى في الأدب المصري، والعربي كذلك، والساحة الثقافية المصرية تمتلئ بكتاب مهمين ومبدعين في مختلف الأجيال، وكتاباتهم تشعرك بالمتعة والامتنان لهم.

‏* يتجلى الواقع القروي والريفي في أعمالك بقوة، تجعله يمتد ليصل إلى آخر رواياتك، هذا على الرغم من تباعد الزمن بك عن الريف، وإقامتك الطويلة في مدينة كالقاهرة، كيف تفسر هذا؟

ـ لدي قناعة بأن سنوات الصبا والطفولة هي ـ تقريباً ـ المشكل الأساسي لوعي الكاتب وخطوطه الرئيسية في كتابته، ربما لأن هذا العالم المبكر تخمر أكثر من غيره بوعيي وبرؤيتي للحياة. فاستدعاء جانب من هذا العالم من الذاكرة يكون له مذاقه الخاص والفني غير ما كنت تراه بنفسك، لأن انبثاق شخصية أو واقعة أو مشهد من الذاكرة بشكل فجائي، إنما يتصل بهذا الماضي البعيد، وهو يتشكل ـ تلقائياً ـ عبر آليات الفن لكي يكتب. أما الكتابة عن تجربة المدينة، فلا تستدعي في نفسي شيئاً لأنها تجربة شاحبة، فأنا لا أعرف القاهرة جيداً، ولم أتشبع بعالمها المركب بشكل يؤهلني للكتابة عنها كالقرية. إنني أحس بانتمائي الكبير إلى القرية، لا إلى القاهرة. وحين أتأمل أعمال الكتاب الكبار، أحس أن مرحلة الصبا التي عبروا عنها بارزة في أعمالهم، وهو ما يؤكد لي صحة استنتاجي هذا.

‏* اختلفت بداياتك الأدبية عن الأسماء البارزة التي سبقتك بقليل إلى الكتابة، فهل ترى أن هذا الاختلاف تم استثماره جيداً لتشكيل مشروعك الابداعي؟

ـ لا أدري. لكنك تستطيع الحكم بأنني ومعي أبناء جيلي، حلقة متصلة مع السابقين، في نفس الوقت الذي يحكم فيه على كتاباتنا بالمغايرة، إذ لا بد أن تكون مغايرة للجيل السابق، كما أن الجيل التالي لنا غاير كتاباتنا بمفاهيم جديدة، لكن من المهم أن تكون الكتابة جيدة لتشعر أنك تحبها، على الرغم من اختلاف أساليب الكتابة.
لكنني حينما أكتب لا أزعم القصدية في صنع آليات لهذه الكتابة المغايرة، فالتشكيل الابداعي والحس الحدسي هو الذي يخلق أسلوب الكاتب، ويجسد إيقاع الزمن الذي عاشه، وثقافته على خلفية الكتابة. إن كل زمن يطرح كتابه.

‏* كيف تنظر إلى القضايا الأساسية التي شغلت إبداعاتك وعالمك الروائي، والتي سعيت إلى التأسيس لها؟

ـ هذا السؤال لا يجيب عليه سوى النقد، فأنا لا أعرف عالمي، ولا أعرف ما إذا كان لي مشروع إبداعي أم لا. إنني أكتب عن عالم أحبه، وعن أناس أحبهم، وما زلت أريد أن أكتب عنهم، أما ماذا أضافت كتاباتي، فلا أعرف. خصوصاً أن ما أريد أن أكتبه يخرج بشكل مختلف عما كنت أفكر فيه في بداية استعدادي للكتابة، ولا أريد أن يسألني أحد عن: كيف أكتب أعمالي، أو كيف أخطط لها.

‏* الواقعية إحدى سمات الكتابة لديك، وقد امتد أثرها ليشمل أغلب أعمالك، بينما لم تحاول الاقتراب من أطر تجريبية أخرى؟

ـ اعتمدت في بعض رواياتي وكثير من قصصي على التخييل، فعندما أبدأ في كتابة عمل إبداعي، لا يكون في تصوري عنه تأطيره في شكل أو مذهب ما كالواقعية أو الرمزية أو الواقعية السحرية، فأنا أترك لنفسي مساحة للتحاور مع الأحداث والشخصيات والحكاية، وبتفاعل عناصر العمل، ينتقل إليك ـ أي الكاتب ـ قوة وشكل هذا العمل، ويجب علي إذن أن أترك نفسي له لكي يعطيني أكثر مما كان في تخيلي عنه، فكأن الرواية تكتب نفسها، لكن أحياناً يبرز دور التحكم في التفاعل بين الكاتب والرواية من خلال الوعي المضفر باللاوعي. والذي يميز كاتباً عن آخر هو حساسيته ونظرته ورهافته في التعامل مع النص أثناء كتابته.
أما ما قيل عن بعض أعمالي وتبنيها لمفهوم الواقعية السحرية، فأنا لا أعتد به، ولا أعتقد أن الواقعية السحرية موجودة في مصر من خلال الإبداعات الروائية، إذ هي تخص كتاب أميركا اللاتينية، لأنها تتفق مع تكوينهم الأدبي وحياتهم، فماركيز وألليندي وأمادو، كلهم ذوو قدرة على الكتابة عبر مفهوم الواقعية السحرية، أما هنا في مصر، فالمحاولات قليلة، أو هي عبارة عن آلية مفردة قد يقتضيها العمل الروائي، في أجواء معينة. إن عملية الكتابة ـ عندي شخصياً ـ عملية معقدة ومركبة، لا قانون يحكمها أو نمط ثابت أو سالف، بل هي تخضع في كل مرة لطبيعة العمل والملابسات الفنية التي يتطلبها لاتمامه.

‏* يلاحظ تأخر ظهور رصدك لمرحلة الطفولة إلى مرحلة متأخرة من أعمالك الابداعية، فهي لم تظهر بشكل مكتمل سوى في رواية "ويأتي القطار"؟

ـ لقد كتبت قبل هذه الرواية أكثر من قصة قصيرة حول هذا العالم، لكنني أحسست فجأة بالمقدرة على جمع نثار هذا العالم في رواية، فدخلت إليه بقوة، بعدما مهدت له بإرهاصات سالفة. وقد جاءت صياغة هذا العالم بعدما كتبت رواية "أصوات الليل" التي تجسد أجواء وعلاقات العجائز، فجاء في الخاطر القوي للكتابة عن عالم الطفولة الجميل.

‏* هناك إشارات نقدية متكررة حول شيوع أحادية الرؤية في أعمالك والاعتماد على نمط واحد، والدوران في فلك الأجواء التقليدية أو الكلاسيكية سواء كان هذا في بنية الرواية أو في عالمها؟

ـ لا أستطيع أن أحدد بنفسي هذه الرؤية، وما أفهمه أن تحديده يكون بعد كتابة العمل الابداعي، فلكل من يقرأه أن يخرج برؤيته أو نتائجه المختلفة عن الآخرين. فلقد قرأت قصة قصيرة لتشيكوف هي "موت موظف" ووجدت أن أكثر المقالات التي كتبت عنه ـ وهي كثيرة العدد ـ لا توافق رأي فيها رأياً آخر.

وما أريد أن أوضحه هنا، أنني عندما أقرأ دراسة عن أعمالي أعتبر نفسي أقرأ عن عمل لآخر لا أعرفه، وأحترم الرأي المكتوب حتى لو كان ضد ما كتبته. فالمفروض في العمل الابداعي أن يشع بأكثر من رؤية، وأن يكون قابلاً لإثارة الجدل، لكنني لا أستطيع أن أجزم بأن ما قلته من آراء نقدية تنطبق على أعمالي من عدمه، ولا تزعجني مثل هذه الآراء، فالقرية عندي، مثلاً ليست عالماً واحداً، فقد كتب عنها عبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وعبد الحكيم قاسم وآخرون، وهي عالم غني ومتسع ومتنوع. لكنه قد يصبح، كمكان، محدوداً بحكم جغرافيته، فمن الصعب أن تحكم عليه بأنه عالم واحد أو متكرر، وإلا فان روايات مثل : زينب، والأرض، والأيام السبعة، كانت ستصبح رواية واحدة، أو أن إحداها تنفي الأخريات، فكل عمل يخلق عالمه وشخصياته، فروايتي "بيوت وراء الأشجار" كانت عن القرية وعن أزمة التهجير، و"أصوات الليل" عن علاقات بين العجائز في القرية وهكذا. ولا أعتقد أنها روايات ذات عالم واحد.

‏* لديك تجربة في السفر والاغتراب عن مصر، وهي، في رأيي، لم تنعكس في أعمالك. هل تتفق معي في ذلك ؟

ـ لقد سافرت إلى المملكة العربية السعودية للعمل في نفس طبيعة عملي في مصر، ودامت هذه الرحلة خمس سنوات. فالاغتراب منحني فرصة أن أرى مصر بشكل أعمق وأوضح، فتأملت وطني في كل تجلياته، واستعدت سنوات الريف، وعندما عدت إلى مصر اندفعت للكتابة مباشرة. لكن ربما ظهر هذا الملمح في تناولي للكتابة، أو في محاولاتي لتعميق الرؤية أو نظرتي للأشياء ولتلمس أسلوب الكتابة، لكنني لم أكتب عن تجربتي في الاغتراب بسبب غياب الفعل القوي الذي يجعلني أتحمس للكتابة عن الاغتراب، لأن ذلك يحتاج إلى امتزاج كامل بتفاصيل الحياة في مكان الاغتراب، بل يجب أن يكتب عنه أحد أبناء هذا "المهجر". وهناك رواية "الرهينة" لليمني زيد دماج يمكن أن تدلل على ذلك. ولهذا لم أستطع أن أكتب عن السعودية فلست ابناً من أبنائها، لأن روح هذا البلد تعيش داخلهم وحدهم، بتفاصيلها ومنمنماتها التي تمنح العمل حيوية وطاقة للبقاء، لكنني إذا كتبت عن السعودية فسأكتب تجربة لكتابة سياحية، لا أبداعية.

‏* كيف ترى مستقبل الثقافة في مصر، وهل ثمة مشروع ثقافي ينضوي تحت لوائه المثقفون والكتاب؟

ـ إن أي نهضة ثقافية تحتاج إلى خطوط رئيسية أبرزها: إتاحة الكتاب والوصول به إلى القارئ بأي شكل وبأرخص الأسعار، ثم تقليص الرقابة، بل منعها نهائياً بحيث تصبح حرية الابداع كياناً مقدساً مصوناً ويجب ألا نخشى في سبيله التيارات المتخلفة إطلاقا، بل ان دور المسؤولين عن المواقع الثقافية يتمثل في محاربة هذه التيارات وتحجيمها لأنها ضد الزمن والديمقراطية والحرية، وعلى المثقفين ـ في المقابل ـ أن يمارسوا دورهم لمحاربة أية تجاوزات تقع فيها المؤسسة الثقافية، فالضمير الثقافي لا بد أن ينبه ويقف ضد التجاوزات.

‏* هل استطاع جيل الستينات أن يقدم رمزاً إبداعيا روائياً في قامة نجيب محفوظ أو يوسف إدريس على الرغم من وجود حالة إبداعية عامة ذات أصوات متعددة، بل متباينة أحياناً؟

ـ هناك قامات كبيرة في جيلنا، وقد قدموا إبداعا متميزاً، لكنني لا أستطيع أن أقارنه بمحفوظ أو إدريس، لاختلاف أنماط الكتابة بينهما ـ أي الجيلين ـ فحلقة الابداع متصلة، والعملية الابداعية ليست بالكم أو بالتفرد، وهناك روايات عظيمة في جيل الستينات وفي ما تبعه من أجيال، والمسألة تنبع من خصوصية الكاتب التي قد تكون كبيرة ومتميزة، ولا توجد لدى غيره من الكتاب، لكنها عموماً موجودة، فتشيكوف أعقب ديستويفسكي، لكنك لا تستطيع أن تحكم بالعظمة للأخير وحده، فجيل الستينات في مصر كون الحلقة الثانية في الرواية بعد نجيب محفوظ. وعلى الرغم من تباين الأصوات كما وصفت في سؤالك، فإنك تستطيع أن تقرأ لصنع الله ابراهيم، وأصلان ولغيطاني وبهاء طاهر وعبد الحكيم قاسم، على اختلاف تجاربهم، بنفس المتعة والإعجاب.
فعندما كان نجيب محفوظ يكتب رواياته، لم يكن هناك من يكتب بهذه الكثافة، باعتباره مشروعاً لروائي كبير، أما الآن فإن تعدد الأصوات هو السمة البارزة في تعدد الرواية.

‏* كيف تنظر إلى وضعية الكاتب في هذا المنعطف التاريخي محلياً وعالمياً؟

ـ الكاتب حالياً يعيش ظروفاً صعبة في العالم العربي. فالرقابة والمد الأصولي يحاصران الكتابات الابداعية، ولهذا يفترض أن تتصدى جميع التيارات المستنيرة في مصر لهذه الهجمات، بدلاً من الإهمال والتراخي والإذعان لها بشكل أو بآخر، وهو أمر مخيف، إذا قارنا ما تفعله الثورة الإسلامية في إيران من انفتاح وحرية، بما يحدث هنا من تضييق. ولا بد أن هناك فهماً خاطئاً لدى المسؤولين عن الثقافة، إزاء التنبه لهذا الخطر، والمخرج الوحيد من هذا المأزق هو أن يكون المثقفون أكثر شجاعة وحسماً، وأن يصبح لهم تجمعهم القوي الذي يستطيع أن يتصدى لهذه التيارات.

‏* هل تعتقد أن النقد أعطاك حقك من الإنصاف ؟

ـ لقد كتب عن أعمالي نقاد كبار في مصر والعالم العربي منهم فيصل دراج ومحمد برادة وصبري حافظ وعلي الراعي وفاروق عبد القادر، وكلهم أعتز بهم ولا أستطيع أن أشكو النقد تجاه أعمالي، لكن النقد مثله مثل الابداع محاصر بحيث لم يعد يواكب الابداع كما كان أيام الستينات مزدهراً بمندور والقط والمعداوي والراعي. فالنقاد الآن قلة، والأماكن المتاحة للنقد قليلة كذلك، كما أن العائد الذي يعود على الناقد ضئيل مقارنة بما تتطلبه عملية النقد بحكم موسوعيتها من بحث واشتغال وإضافة.

‏* ترجمت أعمالك إلى بعض اللغات، ما هي السبل الكفيلة بتوصيل الابداع العربي للوصول إلى الثقافات الأخرى؟

ـ تلك مشكلة بارزة. فحتى الآن تتم الترجمة الابداعية في ظروف شخصية وبمحاولات فردية، لدور النشر في الخارج. لكن لا يوجد لدينا مشروع كبير للترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى داخل مصر، للتعريف بكتابنا في الخارج. فأي دولة في العالم تقوم بنوع من أنواع تبني الكاتب بعد تحققه، وتنظم له برنامجاً دعائياً لترويج أعماله لدى شعوب العالم، وهذا الشيء نفسه لم ينفذ حتى مع محفوظ في مصر إلا بعد فوزه بجائزة نوبل. وأرى أن هذا المشروع يجب أن يوكل إلى الدولة، لأنه من الناحية الاقتصادية سيدر عوائد من التوزيع والبيع بشكل جيد.
لقد كان هناك مشروع شبيه بما أدعو إليه في هيئة الكتاب ولكنه نشر ترجمات لكتاب غير معروفين لم يسمع بهم أحد قط، ورغم ذلك فإن هذه الأعمال المترجمة لم توزع خارج مصر كما أنها لا تقرأ داخل مصر، ولا يعرفها أحد، ولهذا فإن حل هذه المشكلة يقتضي إعادة النظر في مشروع الترجمة، وإسناده إلى لجنة تفهم الوضع الابداعي والثقافي في مصر، بحيث يتبنى المشروع التعريف بأدباء ومفكري ومثقفي مصر في العالم، والترجمة لهم. وأنا واثق من أنه سيحقق عوائد جيدة، إذا توافرت له أسباب وأنماط متطورة من التوزيع والتسويق.

(الشرق الأوسط)

البحرين تكرمه بحضور أمجد ناصر وحديدي وعبد المنعم رمضان

حداد :

التكريم ليس هاجسي وأشعر بحرية أكثر في الهامش

الرياض: أحمد زين

ينظم قطاع الثقافة والتراث الوطني في وزارة الإعلام - البحرين - في الفترة من 9/3 إلى 12/3 احتفالا، بمناسبة اليوم العالمي للشعر، سيتم فيه تكريم الشاعر قاسم حداد لحصوله على جائزة سلطان العويس الثقافية في حقل الشعر، وسيشارك في هذا الاحتفال عدد من الشعراء والكتاب العرب، و سيكون هناك عدد من الفعاليات الشعرية والفنية والنقدية. ففي يوم السبت 9/3 يفتتح معرض الفنان إبراهيم سعد (إيقاظ الفراشة التي هناك) وتكريم الشاعر قاسم حداد. والأحد 10/3 الأمسية الشعرية الأولى والتي سيشارك فيها الشعراء أمجد ناصر وعبد المنعم رمضان وقاسم حداد. وفي يوم الاثنين 11/3ستعقد ندوة (الثقافة والإنترنت: أفق مفتوح) يشارك فيها عبيدلي العبيدلي، والشاعر قاسم حداد. أما يوم الثلاثاء 12/3 فهناك محاضرة (حداثات الشعر العربي المعاصر: أنساق اختلاف أم مآلات ائتلاف؟) للناقد صبحي حديدي. وفي اليوم الأخير الثلاثاء 12/3 الأمسية الشعرية الثانية: قراءة شعرية باللغتين العربية والفرنسية للشعراء عبد المنعم رمضان وأمجد ناصر وقاسم. وقد تم اختيار الشاعرين ناصر ورمضان ليشاركا في هذا التكريم، لكونهما "أكثر قربا وعاطفية وحميمية بتجربة قاسم حداد الإنسانية والشعرية"، أما الناقد حديدي فلأنه "يعرف قاسم أكثر من غيره، فهو من قدم أعماله الشعرية الكاملة التي صدرت مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر".
وفي كلمة لقطاع الثقافة والتراث الوطني في وزارة الإعلام بخصوص التكريم جاء فيها : يقترن اسم الشاعر البحريني قاسم حداد بريادته وتجديده وتحديثه للنص الشعري الحديث في البحرين والخليج العربي، فهو الصوت الأكثر تميزا، وجدلا، و دينامية منذ 30 عاما ونيف وحتى الآن، فمنذ صدور ديوانه الأول (البشارة) في أوائل السبعينيات، وقاسم حداد لا يتوقف عن منحنا الدهشة الغامرة مع كل نص جديد يكتبه، فإبداعه لا يتوقف عند محطة ما وما حصوله أخيرا على جائزة العويس في الشعر إلا دلالة على ما وصلت إليه أعماله الإبداعية من مكانة عالية في حركة الشعر العربي الحديث. حين فكرنا في قطاع الثقافة والتراث الوطني بوزارة الإعلام في كيفية تكريم قاسم حداد تكريما يليق باسمه، ومكانته، ودوره الريادي، وجدنا أن الشعر هو الشغل الوحيد الذي كان يشغل قاسم طوال حياته، وهو الشريان الذي يمده بالحياة، فلم يكن أمامنا إلا أن نكرم الشعر معه وبه، الشعر في بعده الإنساني الشامل، كشعاع ضوء منطلق منذ بدء الخليقة وحتى الآن. وهكذا وجدنا في مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشعر، مناسبة لتكريم قاسم حداد ولتكريم الشعر معا.
من جهة أخرى قال الشاعر قاسم حداد أن التكريم من المسائل التي لم تكن تشكل له هاجسا ملحا، فيذكر : أن الشاعر والكاتب والفنان عندما يكتب أساسا لا يكتب ليصادف تكريما مباشرا بشكل محدد، لأنه توجد أشكال كثيرة لتكريم المبدع، منها عندما ألتقي مع قراء أعجبوا بنصوصي بين وقت وآخر، وهناك أناس يتصلون لا أعرفهم يطلبون كتبي. أما على صعيد التكريم الرسمي، فهو أيضا لا يعنيني كثيرا، فأول شيء، أنني وطوال تجربتي بعيد عن الأضواء وعن السياقات الرسمية، وأشعر بحريتي في الهامش وفي الظل، ولا أعول كثيرا على ما يعتقد الآخرون بأنه ضرورة إعلامية من أي جهة من الجهات، وهذا ما يجعلني في الحقيقة أشعر بارتباكات وحرج كثير مما يحدث. فعلى قدر الصدق والحماس عند الأصدقاء والجهات التي تسعى للتكريم ،الذي هو كما أشعر تكريم صادق وأنا سعيد به، أحس عمقيا أنه يشكل لي إرباكا وحرجا، ليس فقط لأنني غير متعود، إنما لأنني أشعر بحرية أكثر بعيدا عن المسائل الإحتفائية والمهرجانية خصوصا.
وفيما يخص سؤالا حول ديوان "قبر قاسم" الذي يرى الكثير ممن قرأه ،أنه سيكون قبرا لشاعرية قاسم، أجاب : إذا تعودنا على أن نتعامل مع النصوص والصور الشعرية، بمعزل عن معناها المباشر، باعتبارها من صنع المخيلة، و لها دلالاتها المباشرة، فمن المحتمل أن نرى في هذا الديوان شيئا غير ما يعنيه مباشرة. هذا أولا، ثانيا، أنه بعد "قبر قاسم" صدر لي "المستحيل الأزرق" و"علاج المسافة "، والآن أشتغل على نص بعنوان "لا تكلمهم إلا رمزا"، وأرجو من خلاله أن أخذل القبور المتوهمة. وفي الختام قال (مازحا) إن ديوان "قبر قاسم" كان جديرا بأن يموت بعده، لكنه اكتشف أنه لا يزال أمامه بعض الوقت الضائع.

(الوطن) السعودية العدد (522) السنة الثانية ـ الثلاثاء 21 ذي الحجة 1422هـ الموافق 5 مارس 2002م

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى