عن الشاعر وتجـربته

مقالات

قاسم حداد..
رحلة البحث عن البعد الرابع للشعر
سليمان منذر الأسعد

هو شاعر ثلاثي الأبعاد، لا تكفيه الكلمة وحدها، ولا يقنعه النغم المنفرد، ولا تروقه اللوحة المنطوية على جدار في مرسم قديم.
أراد أن يزوج الفنون زواجاً شرعياً على سنة الشعر، بعد أن اعترضت قبيلة التقليد طويلاً على مشروعية الزواج بين الشعر والصورة، وبين الكلمة والعدسة، وبين اللحن والحركة، فأبحر في (المستحيل الأزرق) مع فارس الصورة والريشة الراحل صالح العزاز، فاستحالت الزرقة المستحيلة على يديهما خضرةً ممكنة!
وفي انفتاح عاصف على الفنون التعبيرية كلها، استلهم حداد رعشة الموسيقى، وحملها بحنوٍّ على كف يده إلى مارسيل خليفة الذي حوّل المفردات في (مجنون ليلى) إلى كرنفال فني راقص يحتفي بالجسد احتفاءه بالروح.

وفي سجال الحداثة، لم يشغله الفرق بين قصيدة ينثرها أهلها أفقياً وأخرى يموسقها كتباها عمودياً.
فقد كان همّه أن ترتدي الأرض ثياب الكلمة، وأن يلوّن الشعر سطح البحر، وأن ترتفع الأسئلة المترعة بالشك على الإجابات الفارغة من المعنى..
فمن سيطربه التنظير البارد في حضور الشعر؟ ومن ستريحه طمأنينة الحواس لحظة اصطخاب الحدس؟

كان عليه أن يصبح مجنوناً بما يكفي ليخترق تنميط الكلمة، ويفكّ أزرار قميصها برعونة مغتصِبٍ واشتهاء عاشق..
لكنه نسي في ذروة نشوته أن يبسمل في حضرة الشعر، فانطلقت الرصاصة طائشة من فوهة صديقة، ولم يكن في وسعه إلا أن يفتدي الشعر بصدره... فكان السجن، ضريبة الشعر الباهظة، حيث لا نافذة تطل على العالم، ولا عالم يطل على وحدته!
وفي هذا المكان الموحش، يحدث أن يزوره طرفة بن العبد، ليقتسما معاً رغيف البكاء وإشراقة الكلمة في زمن لم يعد أحد يستوقف العابرين ليبكوا على أطلال خولة في ربوع ثهمد.
وبين جدران أربعة، تصبح المرأة ربيع الهاربين من خريف الوحدة، فيذكرها مستعيراً بوح عنترة: (فلقد رأيتك والرماح حديقة أزهو بها / و القيد برق طالع في معصمي).
وفي زنزانة كهذه، تستدير عكس عقارب الرغبة، لم يتوقف حداد عن الجري خلف الحروف الساكنة ليراقصها على طريقة زوربا، مستبطئاً حركة الريح التي لا تدرك خطوته، شاهراً سيفه في وجوهٍ شاهتْ من فرط جفافها.

وحين خرج من تيهه بعد أربعين قصيدة مبتلة بالدمع، أدرك أن البحر لم يعد عذرياً كما تركه، وأن هناك من تجرأ على بكارة الموج فافتضّها مستهتراً بملوحة الدم..
فلم يعد حداد يثق بـ (حياد الماء) ولا بتحيز النص.. بل أسرج شعره وانطلق لا يلوي على ثأر.
وآثر أن يبكي شرف القتيل بدل أن يتوسل رأفة القاتل.

أيها الواقف على (قبر قاسم).. تشحذ مديتك الناعمة لا لتقتص، إنما لتغسل يديك من آثار وصمتهم..
آما آن لك أن تستريح من الأمس والذكريات؟
إلى أين تريد أن تيمم وجهك حين يرخي العمر سدوله ويطبق الشعر جفنيه على منام جميل، فـ (جهات الشعر) خمسٌ منذ ولدتك قافية على شط حزين؟
إلى أين تريد أن تبحر أيها القبطان المارق: شرقاً، غرباً.... شعراً؟

 

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى