عن الشاعر وتجـربته

مقالات

نص إذاعي عن قاسم حداد
كتبه: أمين صالح
المذيعة: عندما فاز قاسم حداد بجائزة سلطان العويس في حقل الشعر، لم يتفاجأ أصدقاء وقراء الشاعر، بل توقعوا هذه الجائزة منذ زمن، نظراً لما تتميز به تجربة هذا الشاعر من خصوبة وفرادة وبروز على المستوى الإقليمي والعربي عموماً.
المذيع: في أعماله الشعرية نجد لغة ثرية، وطاقة إيقاعية خلاقة، ومرونة في الشكل، ومزاوجة مبدعة بين التفعيلة و النثر، ورغبة عارمة في تجريب أدواته التعبيرية.
المذيعة: مع الشاعر قاسم حداد .. من أين نبدأ؟ لنبدأ من سيرة الطفولة.
المذيع: العام 1948 شهد ولادة قاسم حداد في مدينة المحرق. كان صغيراً حين كان والده البحار يضع جسده في مهب الزرقة حتى صار البحر قميصاً له. لكن الأب عاد يوماً ما، بلا لؤلؤة، مصاباً بالخيبة و الوحشة، مغادراً الشاطئ بلا رجعة. لقد ترك المرساة
و الشراع والريح، وراح يطرق الحديد في أزقة المحرق.
قاسم حداد: وعيت في بيت ينهمك جميع أفراده في عمل متنوع ومتواصل.. عمل من أجل توفير الحد الأدنى من أسباب العيش. كنت في الثامنة من عمري وكانت الحياة آنذاك صعبة وغير كافية. أبي احترف كافة أشكال المهن من البحر إلى الحديد. ومعه كان يعمل رجال العائلة ونساؤها وأطفالها.. كل على طريقته ومهنته.
المذيعة: كان يعود من مدرسته، عابراً ذلك الأفق اللازوردي حيث البحر في كل الجهات. يضع دفاتره في الركن المعتم من الدار.. يأكل القليل ثم يمضي ليعمل مع والده في سوق الحدادين.
المذيع: مارس قاسم، منذ سن مبكرة، العديد من المهن .. فقد عمل مع والده في الحدادة، وكانت له عدته ومطرقته الخاصة، ثم عمل في البناء، ثم في النجارة مع صناع السفن (القلاليف).
قاسم حداد: لقد هيأت نفسي للانهماك المبكر في الحياة العملية، دون توقف طويل في طفولة غامضة وصبا مختزل، لكي أجد نفسي دائما في منعطفات تجربة الحياة ذات المشاغل الجادة، وبدأت مبكرا مشاركة والدي في تحمل أعباء حياة العائلة.
المذيعة: أما في المدرسة، وتحديدا في المرحلة الابتدائية، فقد نشأ ولعه الخاص باللغة العربية، وشغفه بمعرفة المفردات الجديدة وبالإيقاع.
قاسم حداد: لقد كنت محاطا بتجليات الإيقاع من كل جانب، مادياً وروحياً، وفي شتى مراحل حياتي. حتى أنني أجد في كل أشياء الحياة ضروباً من الموسيقى لا يمكن تفاديها. ومن كل تلك الأشياء البسيطة يمكن أن تتكون تجربة الإنسان، ويمكن للشعر أن يأتي من أبسط الأشياء و أكثرها تغلغلاً في التجربة.
المذيع: بدأ ولعه بكتابة الشعر في أوائل الستينات. وفيما كان يكتب محاولاته الأولى، آثر الابتعاد عن بحور الخليل ليعتمد على الإحساس الفطري، مدركاًً بأن في اللغة العربية طاقة لامتناهية من الإيقاع، وبإمكان الشاعر أن يكتشف هذه الطاقة ويتمتع بجماليتها.
المذيعة: ومع مرور الوقت بدأ قاسم حداد في الاستفادة من منجزات ومكتسبات القصيدة الحديثة، و إطلاق ما هو مكبوت في إيقاعية اللغة بوصفها الطاقة الموسيقية المتاحة أمام الشاعر دوماً، منحازا إلى أهمية الموسيقى في النص.
المذيع: قبل أن ينهي المرحلة الثانوية، ترك قاسم الدراسة ليعمل في المكتبة العامة منذ العام 1968 وحتى العام 1975. وفي العام 1980 التحق بوزارة الإعلام ليعمل في إدارة الثقافة و الفنون، وحصل على إجازة التفرغ للعمل الأدبي، وذلك في نهاية العام 1997.
المذيعة: شارك في تأسيس أسرة الأدباء و الكتاب في البحرين العام 1969، وشغل عدداً من المراكز القيادية في إداراتها، كما تولى رئاسة تحرير مجلة (كلمات) التي صدرت عن أسرة الأدباء في العام 1987، وهو أيضاً عضو مؤسس في مسرح أوال.
المذيع:

أصدر مجموعته الشعرية الأولى بعنوان (البشارة) في 1970، وبعدها توالت أعماله الشعرية و الأدبية:

  • خروج رأس الحسين من المدن الخائنة - 1972
  • الدم الثاني – 1975
  • قلب الحب - 1980
  • القيامة - 1980
  • شظايا - 1981
  • انتماءات - 1982
  • النهروان - 1988
  • الجواشن (نص مشترك مع أمين صالح) - 1989
  • يمشي مخفوراً بالوعول - 1990
  • عزلة الملكات - 1992
  • نقد الأمل - 1995
  • أخبار مجنون ليلى (مع الفنان ضياء العزاوي) - 1996
  • ليس بهذا الشكل ، ولا بشكل آخر - 1997
  • الأعمال الشعرية - 2000
  • علاج المسافة –2000
  • له حصة في الولع - 2000
  • المستحيل الأزرق ( مع المصور الفوتوغرافي صالح العزاز) – 2001
المذيعة: شارك قاسم حداد في عدد من المؤتمرات و الندوات الشعرية والثقافية في عدد من المدن العربية والأجنبية: بيروت، بغداد، أصيلة، عمّان، القاهرة، الكويت، تونس، مسقط، صنعاء، الشارقة، أبوظبي، الرياض، فاس، الرباط، مراكش، دمشق، باريس وغرنوبل و نانت ولوديف في فرنسا، واشنطن، أمستردام، بلجيكا، لاهاي، ميدلين بكولومبيا.
المذيع: وقد كتبت عن تجربته الشعرية عدد من الأطروحات في الجامعات العربية والأجنبية، ونُشرت الدراسات النقدية بالصحف والدوريات العربية والأجنبية، كما تُرجمت أشعاره إلى عدد من لعات العالم.
قاسم حداد:

( قالت الشمسُ لي
ضُمّنِي
واسقني ماء زنديك
وأعبر بيَ المستحيل الأخير الذي صاغني

قالت الشمسُ ،
و ارتجّ بي أنني ،
لم أكنْ قبل إلا اندلاع الأغاني
ولم أفتح البابَ كي ترتمي في فراشي شموسٌ
ولا ينتهي في كتابي سوى الليل

بالغتُ في الحب كي تفهمَ الشمسُ أني
تضرعتُها
وانتخبتُ الفراشةَ في عرشها
كلما طالها النومُ
أججتُ ناري و أيقظتها

قالت الشمس لي
و انتمتْ للهزيع الأخير من الأرض
حيث المدائن مذعورة سوف تركض
نحو النهار الوحيد الذي جاءني

قالت الشمسُ لي
فانتهيتُ إلى كيمياء المعاجم
وهو الذي راقني أول النص
وهو الذي ترجمَ الليلَ لي
بالقليل من الماء
وهو الذي خانني

قالت الشمسُ لي
ضمّني عند زندين كانا يهزّان لي هودجاً
كلما ضاقت الأرض بي

قالت الشمسُ
وانتابني ما يَشي بالجنون الحنون
الذي هيأ النص و اختارني.)

المذيعة: لنعد إلى الكتابة .. من علمك الكتابة؟
قاسم حداد: الكتابة لا يعلمك إياها شخص آخر، انك تحسنها مثل سمكة في البحر.فإما أن تكون كذلك أو لا تكون. وما عليك إلا أن تشك في ما يثق فيه الآخرون وهم يضعون لك درساً تلو الدرس لكي تخضع لحياة ليست لك ولست لها.
المذيع: لكن كيف تحْدث الكتابة عند قاسم حداد ؟
قاسم حداد: لا أحد يعرف، و الذين يعتقدون أن ثمة مبالغة في الأمر ما عليهم إلا أن يجربوا، لمرة واحدة، وضع يدهم في كومة الجمر ويصبروا على ذلك ثلاث ثوان .. فإذا تسنى لهم المكوث هناك، سوف يقدرون على تفسير ما يحدث في تلك الثواني الثلاث. الكتابة ليست الجحيم الذي في كومة الجمر لكنها في اللذة الفاتنة فيما اليد مدفونة هناك.
المذيعة: إلى أي حد تعشق الكتابة؟
قاسم حداد: في اليوم الذي يمر دون أن أقرأ أو أكتب، أشعر بأن الكون ليس على طبيعته. ينتابني الذعر خشية أن تنساني الكتابة والقراءة.
المذيع: قلت مرة أن النص هو الذي يغوي، والشاعر لا يعرف ذلك فحسب، بل يذهب إليه. عن أي نص تتحدث؟
قاسم حداد: النص كتابة شعرية في العمق تكتسب شرعيتها من قدرتها على التحقق خارج الأنواع و بجماليات فنية تقترح تعاملاً مختلفاً عند الكاتب أولاً وعند القارئ فيما بعد. انه اختراق للأنواع الأدبية وتجاوز لحدودها المعروفة ذهاباً إلى أفق مفتوح حيث لذة المجازفة ونشوة الاكتشاف.
المذيعة: تتحدث عن نص جديد، هو مزيج من الشعر والنثر ..
قاسم حداد:

أتحدث عن نص جديد لا يريد أن يقلد كتابة سابقة إنما يقارب النموذج المجهول، الغامض، قيد الاكتشاف. التعاطي النقدي، التقليدي، مع أشكال التعبير يوحي بأن ثمة منطقة محرمة ليس للكاتب أن يتجاوزها وهو يحاول صياغة منظوره الجديد كما لو أن أي اختراق لشكل القول الموروث من شأنه أن يخلخل نظام الكون

ويهدم كيان البشرية. غير أن هذا السلوك لن يمنع التحول الحضاري الذي يحدث بصورة بطيئة وجوهرية لكنها شديدة الفعالية والعمق وتلبي طموح المبدعين لاكتشاف سبل وأشكال تعبيرهم.

المذيعة: وماذا عن مفهوم ومصطلح (قصيدة النثر)؟
قاسم حداد:

ان اصطلاح (قصيدة النثر) تعبير مرتبك ومربك معاً ولا يستقيم مع حساسيتي الشخصية تجاه ما أعتبره شعرية الكتابة. شخصياً لا أثق في التصنيفات الرائجة ضمن الثقافة العربية، فثمة معتقدات سائدة في النقد الأدبي تخضع لضرورة وضع التصنيف قبل الذهاب إلى التجربة، وهذا من شأنه أن يفسد العديد من التجارب الإبداعية التي يمكن أن تغني الكتابة الأدبية.

المذيع: لكن ما هو الشكل، هل يتحدد في هندسة البناء البصري للنص؟ أم أنه يتصل بطريقة التعامل مع اللغة؟
قاسم حداد: لا اعرف، ولا اذهب إلى الكتابة مدججا بالأشكال. إني أكتب فحسب، أما الشكل فيأتي فيما بعد. إننا نكتشفه فجأة. شخصياً لا أحتمل أن أكتب النص في ذات الشكل مرتين. وهذا ما جعل كل نص أنجزه يوحي كما لو أن الذي كتبه شخص آخر، شخص مختلف في كل مرة.
المذيعة: والقارئ، أين تريده أن يكون؟
قاسم حداد: ليس في النص معنى منجز يمكن أن يفهمه الجميع بصورة واحدة، فالقارئ سيكون أمام عناصر مفتوحة عليه أن يقوم بإعادة تركيبها بالصيغة التي تستجيب مع حساسيته الخاصة ونشاط مخيلته وحالته النفسية لحظة القراءة. القراءة، إذن، هي العملية الحيوية التي تعيد الصور إلى جذورها من حيث هي جذوة الحياة الأولى التي رافقت الشاعر لحظة النص.
المذيعة: هل أنت شاعر جماهيري؟
قاسم حداد: لا، في الواقع هناك شعور يقلق الشاعر المعاصر. كيف يستطيع الشعر أن يكون صوتا لذاته الجديدة ومعبرا في الوقت نفسه عن لحظته الحضارية، أي أن يكون جماهيرياً بمعزل عن سلطة الجماهير، أن يتفادى سلطتها من أجل الذهاب الجمالي بها نحو الآفاق الأرحب.
المذيع: معروف عن الشاعر قاسم حداد أنه يولي اللغة عناية قصوى في نصه.
قاسم حداد:

هذا لأنني كاتب. ولأن مادة عناصري هي اللغة، فلابد أن أعتني باللغة التي هي ليست أداة جامدة أو أنها تؤدي وظيفة فحسب. الاحتفاء باللغة هو الشرط الأول لتخلق الحالة الشعرية،

حيث الصورة الفنية لا تتحقق بغير طاقة الجمال الكامنة في اللغة، اللغة بما تتضمنه من إيقاعات وصور وعلاقات واستعارات ودلالات.

المذيعة: كيف ينظر قاسم حداد إلى النقد؟
قاسم حداد: النقد فعل إبداع مضاعف. بمعنى أن الحوار النقدي المشحوذ بالمخيلة هو الذي يحقق مناخاً حميما مع النص، ويمنح العمل النقدي حيوية وجمالاً لا يتوفران في السلوك القضائي الذي يتورط فيه بعض النقد السائد. الناقد يحاور النص الأدبي باعتباره اجتهادا إبداعيا يقترحه الكاتب على الآخر لكي ينشأ حب اكتشاف كُنْه هذا الاجتهاد المقترح وعناصر جمال الجدة فيه، وهي معاملة مغايرة لرغبة محاكمة النص وتشغيل البحث و التمحيص الذهني بأدواتهما الجافة. يصبح النقد فعل إبداع مضاعف عندما يضاهي المبدع الأصلي في طاقة الحوار الشعري مع معطيات النص ونزوعات المخيلة فيه. انه حوار في العمق مع النص الذي يقرأه الناقد محققاً نوعاً من إعادة الخلق والتركيب، أي إعادة الكتابة.
المذيع: ليس هناك مصطلح أكثر شيوعاً من (الحداثة)، كيف ترى الحداثة؟
قاسم حداد: يجب أن نحذر عند التعامل مع مصطلحات مأخوذة من سياق حضاري آخر، ويتم تداولها بيننا كما لو أنها حقائق واضحة المعالم ومكتملة الحضور. لا أستطيع أن أزعم إدراك (الحداثة) في السياق العربي خصوصاً. وهو سياق يصدر عن مجتمع هو النقيض الجوهري في بنيته المهيمنة لكل ما يتصل بالحداثة حسب المعنى الغربي كممارسة وطريقة تفكير وحياة.
المذيعة: نعرف أن لديك علاقة خاصة وحميمية بالكمبيوتر، وأنك في العام 1994 أطلقت موقعاً في شبكة الإنترنت باسم (جهة الشعر)، حدثنا عن هذه العلاقة، كيف بدأت؟
قاسم حداد: منذ اللحظة الأولى التي أثار فيها الكمبيوتر اهتمامي، وكان ذلك في العام 1986، كانت الدوافع تتصل بالدور الجمالي لصورة النص الأدبي و المتعة البصري التي سأبالغ دائما في الولع بها. النص، بواسطة الكمبيوتر، يصبح جسدا حياً أستطيع أن المسه بالفعل، ألمسه بصريا ومادياً بحيث يمكنني حقاً أن أعيد تشكيله وأواصل خلقه بلا توقف. ولعي بهذا الحقل الجديد من وسائل الاتصال والنشر الإلكتروني، متصل عمقياً بولعي بكل ما هو غامض وجديد وجميل وحر في نفس اللحظة. وقد وجدت في شبكة الإنترنت هذه الصفات منذ اللحظة الأولى، ولهذا فأنا أعمل (في جهة الشعر) بوصفها متعة ذاتية بالدرجة الأولى.
المذيعة: دروبه مخفورة بأصدقاء يتوهج بهم دفتر الذاكرة. أولئك الذين ذهبوا باكراً إلى سرير الأرض و انتخبوا لهم نوماً مبكراً. أولئك الذين مروا سريعا كما لو على موعد غامض مع الموت. و أصدقاء ما زالوا في الحياة يتبادل معهم الحب و الصمت و الخيال.
المذيع: دروبه محفوفة بعواصم تصادر الحلم و الحرية، وهو يتأمل المشهد العربي في يأس طاغ، ويرى إلى الأحلام و الأوهام كيف تصير، طوال أكثر من جيل، عرضة لهدر وغدر لا هوادة فيهما. يرى إلى الهزائم الكثيرة فيتشبث أكثر بشهوة الكتابة.
المذيعة: دروبه محفوفة بمنظومات ثقافية تقليدية تعمل على مقاومة شتى محاولات التجديد في أشكال التعبير الأدبي والفني. منظومات لا ترى في الكتابة إلا ضرباً من محاكاة الأسلاف وتقديسهم. مع ذلك فانه يرى تجارب مأخوذة بالحرية وموغلة في التنوع ، تقتحم المشهد من كل صوب.
قاسم حداد: ( سَألُوهُ ،
واشْتَبكَتْ جُيوشٌ فَوقَ جُثَتِهِ:
          تُلائِمُ           أو تُقاوِمُ
طِينُةُ الجسد الرَماديّ احْتَمَتْ بسُلالَةِ الشُورى:
          تُلائِمُ           أو تُقاوِمُ
طِينُةُ الجسد الطريّ تَجَاسَرَتْ
عَبَرَتْ بلاداً كالشواهد ، راوَدَتْها شَهوةُ المنفى:
تُلائمُ ؟!
عندما سَألُوهُ كانتْ نَحْلَةُ الرؤيا تَغِيمُ بمُقْلَتَيهِ
وكانَ تاريخٌ يُضلِلُهُ الوُضُوحُ
سَألُوهُ
كانَ موزعاً بينَ السَقيفةِ واحتمالاتِ الخِلافَةِ
واضطرابِ النصِ والفَتوى ومُختلفِ الشُرُوحِ

سَألوهُ في شَفَق الوَقِيعةِ والمَشانِقُ كُلُها كانَتْ لَهُ:
قاوَمْتَ ؟!
لكنْ ما الذي يَبقى
تُقامُ لأجلكَ الراياتُ
مَوْتُكَ سَيدٌ
سَتكونُ عبداً عندما لا تَنْحَنِي في ظِلِ قَوسِ النَصْرِ
يَبْقَى ، ما الذي يَبْقَى
تُقاوِمُ أو تُلائِمُ
جَنْةُ الرؤيا يَداكَ
وكاحِلاكَ على رَمادٍ باردٍ ،
قَاوَمْتََ أو لاءَمْتَ
كانوا يَسْألونَ الفِقْهَ والقانونَ والمِتْنَ الذي
كَتَبُوا هَوامِشَهُ وسَدُّوهُ بجلدَةِ كاسِرٍ
وجميعُ ما يبقى لكَ الآن الكتابةُ والغيابْ
هَذيتَ أو كاشَفْتَ ، إنْ سَألوكَ قُلْ لَهُمُ الجوابْ
هَذيتَ أو حَاصَرتَ أسرارَ الذبيحةِ
سَيدٌ في الموتِ
لا دَمُكَ الذي يُغري بأنخابٍ دَمٌ عبدٌ
ولا العربيةُ الفُصحى سَتَبْتَكِرُ البَلاغَةَ عندما تَرْثِيكَ

قاوِمْ           واحْفِظِ الطِينَ الطَرِيّ            ولا تَلائِمْ
كلما سَألُوكَ قاوِمْ
سوفَ تَهذِي سَيداً ويموتُ مَوتُكْ
عندما نَصَبُوا السُرادِقَ خارجَ الأسوارِ وانتَظَرُوا
لكي يَنْهارَ وقْتُكْ
أين صوتكَ
دَعْ لَهُمْ سِعَةً لكي تَصِلَ القوافلُ مَكّةً بالقُدسِ
                     تمتد القبائلُ
دَعْ لَهُمْ ،
يَطَأونَ جُثتَكَ الفَطِيْسَةَ كُلما واصََلْتََ صَمْتَكْ
فاتّْئِدْ .
سَيَكونُ في الطِينِ الذي لِيَدَيكَ شاهِدةٌ
لتسمعَ عندما تهذي:
يُقاوٍمُ أو يُلائِمُ
عندما تُغوي يَدَيكَ سَفينةُ التِيهِ
انْفَصِلْ
دَعْ فُسْحَةً كي لا تُغادِرَ جَنةُ الرؤيا،
                               وقاومْ .)

المذيع: من الملامح المهمة في تجربة الشاعر قاسم نزوعه إلى الأعمال المشتركة مع مبدعين آخرين في أشكال تعبيرية مختلفة، وهي تجارب تشي بالنزوع لمساءلة أشكال التعبير الفني، فمن تجربة النص المفتوح على أفق الكتابة مع أمين صالح في كتاب (الجواشن)، إلى التقاطع مع أشكال تعبيرية مختلفة الآلية والأدوات مثل الرسم والموسيقى و المسرح و الغناء، حيث حقق مع الفنان التشكيلي ضياء العزاوي كتاب (أخبار مجنون ليلى)، وحقق تجربة (وجوه) مع التشكيلي إبراهيم بوسعد والموسيقي خالد الشيخ، ومع المصور الفوتوغرافي صالح العزاز أصدر كتاب (المستحيل الأزرق).
قاسم حداد:

مَشى في شَهوة الفوضى
يُوارِي كلَّ شيءٍ في فَضاءِ الشَرقِ في شَكلٍ لَهُ
لا يَقْبَلُ التَرمِيمْ
مَشى في وَحْشَةِ التَهْويمْ
لَنْ يَصِلَ الكلامُ إليهِ
يَمضِي شَاهِقاً يُفْضِي لِجَنَتِهِ التي أشْهى
يُؤآلِفُ أمْ يُخالِفُ
أمْ يُؤدِي طاعَةً للطَّقْسِ في رَدِهاتِ هذا الكهفِ
لا تَسْألْ
فَقَدْ أضحى بعيداً نَحوَ جَنَتِهِ
وَحِيداً صَارَ في حِلٍ منَ التَنْظِيمْ
لن يُصْغِي لمُنْعَطَفِ اللغاتِ ، تُراثُهُ تِيهٌ

ويَخْرُجُ من جَمالِ رَمادِهِ شَعْبُ الشَظايا
شَهْقَةُ القنديلِ
جَلجَلَةُ الكِتابةِ والصَدى
وفَضِيحَةُ التَنْجِيْم ،
يمشيب خارج التقويم.)

المذيعة: قاسم حداد يعشق البيت. ثمة شعور بالخطر يهدده دوماً خارج البيت.
قاسم حداد: ما ان يدركني المساء بعيدا عن البيت حتى تنتابني حالة الذعر الغامض. أي مكان خارج البيت هو الغربة، وأحيانا المنفى.
المذيعة: يسافر كثيراً لكنه لا يعشق السفر.
قاسم حداد: أحب السفر كفكرة، لكن لا أحتمله في الواقع. بعد سفري بساعات قليلة يخالجني الندم على ارتكاب هذه الحماقة.
المذيع: يقول في الحرية ..
قاسم حداد: المبدع يشعر بكيانه الإنساني الحقيقي عندما يكون خارج سطوة كل السلطات المنظورة و غير المنظورة في الحياة والمجتمع. فعل الحرية أحد أهم العناصر التي لا يستطيع الكاتب أن يحقق ذاته بدون ذهابها الأقصى.
المذيعة: ويقول في الحزن ..
قاسم حداد: لا أحد يرغب في ان يكون حزنه مشاعاً، لكنه حزن فادح هذا الذي يستدرجني في شارع الناس، حيث الأحزان فضيحة دائمة التألق
المذيع: و يقول في الذاكرة ..
قاسم حداد: دفتر الذاكرة يمنح القلب طاقة لانهائية لكي يعيد صياغة العالم على هواه.
المذيعة: ويقول في الحرف ..
قاسم حداد: كل حرف تمسه يدك هو حرفك الآن، حرفك هنا، وحرفك أنت خصوصاً، تنال منه ما يقدر عليه حبك، فعلى قدر حبك يكون حرفك. فأنت لا تستطيع أن تكتشف جمال الحرف إذا لم تحبه مثل عاشق.
المذيع: والواقع .. كيف تراه؟ وهل تقدر أن تغيره بالكتابة؟ بالشعر؟
قاسم حداد: يوماً بعد يوم يصير العالم المحيط عدائياً اكثر، لأسباب لا تحصى. ليست لدي أوهاه تتصل بتغيير الواقع عن طريق الكتابة. الكتابة لا تغير، وآلا لأصبح عالمنا فردوساً منذ آلاف السنين.
المذيعة: لماذا تكتب إذن ؟
قاسم حداد: ربما لأنني لا أحسن شيئاً آخر.
المذيعة: لاشك أنك تمزح ..
قاسم حداد: عندما أكتب أشعر بحصانتي ضد هذا العالم. أصير قوياً وقادراً على المجابهات. بالنسبة لي، الكتابة شأن ذاتي قادر على حمايتي من هذا التدهور .. فالكتابة قلعتي.*

 

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى