غالية خوجة - سورية
الفضة رفقة هدا المجهول
الكون اللحد المهد
المتحول أفقاً
تعال
فلي وقتْ أحتال' بهِ
وأحول عينيكَ إلى بوابات
يدخل منها الخلق
أخدت بيدي ومشيت
كأن النبض الراقص في ريش أصابعها نبضي
الفضة كون
والكون الفضي وسيع
وأنا في الكون البدئي أضيع
أضيع
أضيع
تتداخل أصوات الرؤيا في مجموعة (القيامة) للشاعر البحريني قاسم حداد لتعكس قلق الضوء والظلام، وأيضاً، لتعكس دلك المتخفي بين الشعور واللاشعور كحالة تشكل البدء / الأزل / الخروج المتبدل، رغم أنها أتت ضمن دخولات ثلاثة. ضم الدخول الأول عناصر الانتماء الهيراقليطيسية 1 - في الهواء / 2 - في النار / 3 - في التراب / 4 - في الماء). أما في الدخول الثاني فتألف من مرايا غائمة قسمها الشاعر إلى (أ- مرآة قهوة الدم / ن - مرآة ماء اللوتس / ت- مرآة لؤلؤة الوقت / د- مرآة شجرة الدم / أ- مرآة الجسد / د- مرآة الاغتسال / أ- مرآة الانتماء ؟ ت - مرآة التأسيس).
وفي الدخول الثالث (1 - الوطن يقرأ نار الأطفال / 2 - حين مات الرقص على العتبات / 3 - اللجوء إلى خيمة اللاجئين / 4 - الخطوة سيدة الدرب / 5 - الصعاليك يفتحون العواصم / 6 - عشاء لضيوف لا مواعيد لهم / 7 - الفوضى تشكل المدائن كما ينبغي / 8 - المرأة تنسج الرايات / 9 - بدايات عرس الأرض / 10 - دخول في الدخول).
تمحورت القصيدة حول مدلولات القيامة، المدلولات الساعية للابتعاد إلى الروح، إلى المطلق، ودلك من خلال دينامية نفضت عنها الزمكانية، وانطلقت من العدم إلى الولوج، الرحمي حيث يلغي الشاعر مسافات الوجود بمسافة الكتابة المسقطة من جنينية الشاعر على لغة تكونه كمراحل حلمية تصارعت لتحرك أطوار البياض داخل طور الرمز الدي استندت إليه الصور.. فـ (الفضة) شكلت بؤرة الترامز كحامل للإيقاع النفسي للشاعر وكمحمول لتموجات الحواس المكدسة في مدلولات الرمز المؤشرة على النقاء والصفاء والتحول على الامتداد والانحسار كحركتين للحدس المشع والمعتم.
طرحت القصيدة توترات مختلفة، تداعت أحياناً كاختزال شعري، وأحياناً أخرى كتكرارات.
أعادت الصدى مما جعل ظل الرؤيا يغيب، لتعود حساسيته إلى مباشرتها.. كما أننا نلمح أثراً أدونيسياً لا مرئياً يتجول بين الشاعر وقصيدته وبيننا.
ظهرت حركة القصيدة متصلة و فبدأت بدخول وانتهت بدخول.. إلا أنها لا تتصل إلا من خلال انقطاعات وفجوات وفراغات يملؤها الرؤيا ليؤكد أسبقية الوجود.
(.. فدخلتُ
دخلتُ وصرتُ جميع الأوقات معاً
وشعرتُ بأني بدءٌ لم يبدأ
صرت النطفة
صرت جنيناً طفلاً
والرجل الكهل الشائخ صرتُ
كأني لم أولد بعد
وليس لموتي وعد
دخلتُ
وكان الوهجُ الفضي ثقيلاً يتمطى
وكأني في الفضة أمشي
زمن الخطوة لا قبل لهُ ولا بعد )
هكدا يبدأ الدخول الأول في الهواء. دخول يتصير إلى صور شفيفة تتخلى عن ثِقل المادة لتعودَ إلى الأثرية الأولى التي تشكلت منها تفاصيل الكون، وفصلت فيما بعد السماء عن الأرض.
دخلت ــ وصرتُ جميعَ الأوقات معاً
مابين الدخول والتصير
دلالات تلغي بعضها لتحيل إلى بعضها الآخر ودلك بعد حدف الزمان، ومن ثم تشكل مع الكلمات، صوتيات الحلم كوقع لغوي يتدرج في الظهور :
جميع الأوقات معاً ـ صرتُ ـ النطفة
جنيناً طفلاً
الرجل الكهل / الكهل / الشائخ
بدء لم يبدأ
(تقاطعت مع)
كأني لم (أولد) بعد
وليس (لموتي) وعد
(بؤرة الارتكاز)=
زمن الخطوة
حضر إيقاع الخلق كنبرات متفاوتة الغياب والدخول والخروج والمحو، هدا التناغم الذي تكشف عنه درامية الدلالات يمزق سكونياته ليفتح حنجرة الحدث من أعماقها من (زمن الخطوة) التي ارتكزت عليها الحركة الصاعدة السبقية (صرت جميع الأوقات/النطفة/ جنيناً طفلاً /..) هذه الحركة المتصيرة، رغم تحولاتها فهي متفاعلة بالسكون (بدء لم يبدأ)، وقائمة بفعل التحرك الذي تمثله (الخطوة)، لكنها لحظة ترغب بالانفلات، فإنها لا تستطيع أن تراكم نفسها في حواس الصورة، وهنا لا تتصعد الحركة المفاعلة، ذلك لأنها تعود أولاً إلى الزمن (زمن الخطوة)، وثانياً، تبقى في حدود الفاعلية الأخرى أي فاعلية (الوهج الفضي / الفضة)، الرمز الذي أرجع إليه الشاعر تقلبات الكشف، المتهيكلة، كاثار مجوفة تارة، والممتلئة بلغة الأشياء تارة :
(الفضة غامرة
غائمة
كالنبش البدئي
سديم
أتلفتُ
هذا الكون غريب
هذا الكون غريب
والفضة سيدة الوقت).
الفضة حاولت تحريك العناصر المختلفة لتكون بشكل أو بآخر، مرتكز العلاقات المفترعة عن بنية النص، ولتكون أهم التشكيلات الناشطة ضمن هذه البنية، والخارجة عن طبيعتها، لكنها العائدة إلى الخطوة، وهذا ما أشارت إليه فضاءات القصيدة، وما أحالنا إليه الشاعر كذات أخرى متولدة عن ذاته الباحثة، في ذات الآن، عن نفسها.
وكما يتبين من احتمالات المعنى المتداخلة مع ظلال الكلمات، فإن مابين الفضة والرموز الأخرى :
(كالماء/الريش/التراب/الأحلام/الكلام/البكاء/الوطن/المرأة/الدم) يكمن زمن النص. الزمن الذي صار ملحمة لحياة الشاعر وموته كقطبين لم ينكشفا بعد. (هذي فضة أيامي تفتح لي فدخلت ) يقول (د.سامي أدهم): (الوجود المطلق هو خارج الزمان، لكن العلاقة بينهما علاقة تحديد وتحدد، لكن الوجود أسبق وأوسع من الزمان. فالزمان وديمومته التي يقاس بها يسيل بتقطع ويترك في الوجود أنفاقاً مطلقة فارغة يملؤها العدم. إذ الأصل الأصلاني هو العدم والوجود لاحق عليه، وهنا تنقلب المقولة التي تقول بأسبقية الوجود وأصلانيته. الوجود لا يأتي ولا يتشكل إلا بالزمانية والزمان وبالأشياء المتشيئة بالزمان. فالزمان يوجد، لكنه لا يظل مستمراً، وإلا لتطابق مع العدم في وحدة واحدة وأصبح مساوياً وهذا خلف. فالزمان الذي يتخارج بالحركة (أرسطو) يتزمن ويظهر الوجود بالموجود وبالشعور، لذلك كان الامتزاج بين الزمان والوجود والعدم أقرب للمنطق وأقرب للفهم : هذه الكائنات الثلاثة لا تبرز إلا من خلال منظار شفاف وهو الرمز)(1)
ولأن حواس الطاقة المبدعة ابتدأت من (الهواء)، فهي نفت العدم لتدخل في الوجود وتكتب الرؤيا المنسابة مع الزمن النصي كعلاقة جدليتها مبعثرة بين متاهة الغموض ومكونات الإيقاع.. الإيقاع الذي استعار من المياه خرير اللاوعي، الخرير الممتزج مع حكايا النار، مما كون صلصال اللحظة الكاشفة عبر تعرجات ظلت تموج بين فضاءين : الفضاء المكتوب، والفضاء اللامكتوب.
فاللحظة التي استبرها الشاعر، هي تلك الأغوار الدفينة في النفس الإنسانية والتكوين، الأغوار التي اتكأت على دواخل الشاعر، لتنبع من صور القصيدة ثم تعلو على الواقعي.
تعلو لتستشرف ميتائية الكون، وذلك من خلال مجهول رآه الشاعر بين الحلم والوهم والإشارات المتغيرة. من خلال الفعل (رأيتُ) الذي أفرد الأرواح المتدلية من النص على النص. (رأيت البحر يغادر كل سواحله ص 62).. (صرت أرى، وعرفت بأني أقف الآن بوهج الفضة، هذي فضة أيامي الأولى، حين دخلتُ، دخلت النار ص 13) (انظرْ، فرأيت الأفق الرخو يخر على قدمي يصلي ويشرب قهوتهُ في نصر شعوب تلهث. ص 28).
أما ما بين الرؤيا والرؤيا، فإننا نلمح اشتعالات الحلم المتكون والمتلون، كشبكة إيحاءات تتصاعد، تخفت، تذوب، أحياناً لتتلاشى وأحياناً لتكور أبعادها، وذلك منطلقة من لون العدم (الأسود/المعتم/العتم) لتنفصل بعد ذلك عن احتمالاتها كألوان من الزرقة لها صوت البحر حين يغادر مياهه، أو كألوان من الحممرة حين يصير الجحيم أشجار دم ونار وأرجوان، أو ك،ألوان من الحركات تمتص محارة الصورة لتعكسها ريشاً قلقاً، تكويناً بارداً، أو ريحاً اندغمت بين الأرض والمتاهة.
تلك الصورة عتم وأنا أحداق
كان الريش الناعم يلمسني
فوثقتُ بأن الفضة تحرسني
أنظر
ففتحتُ الأحداق كباب الريح
رأيت الأسود
في الصمت يلوب
يحرك خوفَ الأطرافِ
رأيت الأسودَ
يفتح نافذة ويُطِلُ
أي محاق يسكن هذا الثلج
وأي قرائن أجمعها في هذا
أنظر
الريش الناعم فضة هذا الكون تؤرق نوم
الأسود
هذي الخطوة تسجنني أيان دخلت.) ص 37، ص 38
تتحاور هذه المشهدية مع صور أخرى انقظعت عن ظلالها لتنبش أبعاد الوهج المتقوزج فوق القصيدة والناتئ من النص الفراغي كإيقاع للرؤيا مستمر في ألوان التناقض والصراع لنتابع مقاطع أخرى :
(النعشُ الغيمة يغمس في جرح الناس حراشفهُ
والشجر الأحمر معترضاً درب النعش
أنا في النعش بقلبي)./
يدي في الفضة هائمة
أخذت فمشيتُ
الأزرق في خطوات الريش يشب
أدخل
فدخلت الأزرق بالريش الفضي وكان البحر). ص59
تخرج المدلولات عن مسارها، لتشكل منحنى حركياً داخل المجموعة، بنى فراغاته في الأزلي المتحرك بين ألوان اللغة والحلم، وبين خافية النص كاحتمالات مائية، شجرية، احتوائية، وافتراعية، آتية من المجهول والماضي المستقرين في الذاكرة النفسية والصورية ( من لحم الماضي هذا الخشب المر وسحرُ المستقبل فيه )/ (وكنتُ سلامَ الماضي للقادم).
فما يتفتق من عتم الصورة يحرك المتحرك ليجانس مالا يتجانس من خلال (أنا) الشاعر المتحولة إلى (أحداق)، ومن خلال الحالة الفرضية، اللامألوفة، والتي تماوجتْ بين كل من الرمز (الأحداق/المحاق/الريش)، وبين صوتيات الحركية كوقع تلون بين ظلال :
الأسود ــ الثلج
كتناقض للونين، أو لوجودين امتصا تماس كل ألوان الطيف ليعكساها كعلائق ترن من سطح النص حتى عمقه، ومن عمقه إلى قزح القصيدة، وذلك عبر قفزات غير متصلة تشكل امكانية المسافة المتزاوجة للمحبوك مع البنية، والساقط كتداعيات فيما قبل هذا التناقض، وفيما بعده..
وليستنتح الشاعر(قاسم حداد) البعد الثقافي بين مرموزاته ودلالاتها، أي، بين (النعش/الغيم/التابوت/الدم/الوطن/الحب) فإنه يفاوت بشكل واضح بين استحضار روحه الثانية من خلال رموز (الريش) كبؤرة لتحولات الماء والهواء، والبدء والموت :
المدلولات تخرج عن مسارها
لتشكل منحنى حركياً داخل نصوص المجموعة
ورغم ذلك فإننا نلمح تداخلاً بعدياً بين المرموزات وبؤرتها، فـ (التابوت) كرمز متوهج ينبسط في أعماق النص بحالتيه :
1)حالة أولى يمثلها (التابوت) كرمز تحدد ليكون حاملاً، أي، ليشمل ضمن حدوده مدلولات
الألفاظ الموت (أنا في النعش بقلبي)
الخطوة تسجنني
الدخول الأول المتحرك داخل أبعاد فصوله :
في الماء
في الهواء
في النار
في التراب
2)حالة ثانية يتمثلها (التابوت) كرمز تقلص داخل رمز أشمل، أي تحول إلى محمول، وذلك عندما افترع وقعه الحياتي، ووقعه الوهجي من رمز (الفضة).
التابوت (النعش الغيمة)
الفضة الحياة بكل مكوناتها الطبيعية والنفسية وما
فوقهما
(رأيت الماء بكى كالماء وعلمني)
(الفضة رفقة هذا المجهول
الكون اللحد المهد
الغرائبي الصاعد من مرايا الدخول الثاني
إلى ذاكرة الدخول الثالث
المتحول أفقاً)
(آلاف الأحداق المفتوحة والمحروقة في لهب
الفضة تعرفني
وأنا أعرفها لا أعرفها
افتح عينيك على لهب الماء
ستعرفها)
فـ (الفضة) بما يندرج تحتها من رموز (مياه الرحم الأولى/مياه الزرقة :
المحتمل
النهر
البحر
الريح / التهاجات التراب والنار)
كانت الوهج الذي تبدلت من خلاله بنية النص، والتي مثلت في ذات الآن، حركة الوجود المتثاقلة بزمنها، والخارجة عن زمكانية الأشياء والواقع حيث وكما يقول (سامي أدهم) : (إن الرمز اللغوي لا يمكن فصله عن تيار الزمان، فهناك تداخل وتجاذب بين الرمز والزمان، وذلك لأن معنى المعبر يدوم في الزمان، فما ينطبق على الزمان ينطبق كذلك على اللغة، ولا يمكن فصل اللغوي عن الزماني) (2)
وهنا حيث دخل الرمز في زمانه، هنا تكمن (الرؤيا المحرق) التي حاول أن يطرحها الشاعر لتشكل البعد التجريدي المتثاقف مع دللت العنوان (القيامة).
وكذلك (التابوت)، بما يندرج تحته من علائقية حاولت أن تنتقل بين زفرات العدم كفجوات ملأها الحلم والمخيلة الصورية، على تنوعات هذا الحلم الذي انقسم مع المخيلة الصورية إلى صوتيات تنافرت ظاهريا لتتجاذب داخلياً مع زمن الرؤيا المحرق، ولنستشف ذلك فإننا نقرأ بعض المتقاطع من بعض الصور : (من يمشي فوق الرخو بلا خوف)./ (كان الشجر الأحمر، كان الحلم عظيماً، كان الطائر كالغيمة نعشاً). (تاهت لغتي فلتفت)./ (كان الجمرُ عظيماً كان، تناثر حولي لهب وشواظ )./(أريك صحاري تركض نحو المدن المتراكمة، المقهورة في الليل )./(رأيت الدم يقيم موائده للمطر الشارد من /حضن الغيم)./(الفضة غامرة غائمة، كالغبش البدئي سديم).
نتبين بعد هذه المحاورة، بأن قطبي (القيامة) هما قلق أطراف العلاقة المتمثلة باختزال بين حركيتين هما : تموجات الروح والحلم، بما في هذه التموجات من احتراق، انبلاج، رماد، اختفاء، ظهور.
وتموجات الفضة والتابوت، المتقاطعة مع ما اندرج بين تموجاتها وتموجات الروح والحلم.
تموجات الروح تموجات الحلم
(القيامة)
تموجات الفضة تموجات التابوت
أما الفضاء النصي الذي يضم كل ذلك فإنه الفضاء الذي تضيء خلفياته تلك الأصداء الظلانية المتناغمة بين عدة تناقضات، والمشكلة من أبعاد هذه التناقضات حركة الحدث الشعري الذي تنامى حين اتجه إلى الحدث الشعري الذي تنامى حين اتجه إلى درامية الصراع المتحركة بين رحمين :
- رحم البدء : (هذا الدم الثاني يعرفكَ الآن)./(رأيت يدي في الدم دماء الدم )./ (هذا طفل الأيام الممقوتة ينتظر الآن ليأتي /عصر النصر، يقوم من اللحد ويركض قبل المهد، يحقق أحلام الأمم الموقوتة ).
- رحم الضوء : (فرأيت الأسماء تعانق ضوء الماء، وكنت أحملق محمومانً بدماء الماء )./ (فهذا ماء المحتمل الآن، يصيرُ جمال الأرض جميلاً بعد الطوفان)./(صرت الضوء، تكلمت كلام الماء، رأيت الريش الهاطل من جسدي ويدي يقول، فقلت، رأيت إلهاً يولدُ في مرآة الناس، فملأت الكأس...).
تضيء خلفيات الفضاء النصي
الأصداء المتناغمة بين عدة تناقضات
هكذا تشتبك الإيحاءات كأصوات لونية، وحلمية داخل الفضاء التكويني للقصيدة. إلا أنها ظلت تتداول زمن الخطوة والرمز. الزمن الذي كسرت ارتفاعاته التكرارات التي أصر عليها الشاعر خلال النص. تكرارات لفظية (تعال تعال.. / والناس تجيء تجيء تجيء تجيء ).
أو، تكرارات معنية لصورية تضمنت ذات مخيلتها، فلم تخرج عنها، أو تطورها (هات يديك أريك / أريك / عين الفضة / هذي فضة أيامي / لا أذكر أني كنت أريد وأحلم وأهجس، لا أذكر أني كنت، لا أذكر أني، لا أذكر)...
مما جعل هذه التكرارات تُخفت حركة الأثر، وتجعل صوتَ التكوين أضعف، وربما أتى أحياناً مقتولاً، أو كصوتٍ غريق، أو متلاشٍ أو مذابٍ في نفسه.
وهذا ما شكل انقطاعاً سلبياً في حالة العناصر البنيوية، شوشها أحياناً حتى الموت الذي لم يرغبه الشاعر، لكنه أصر عليه، فما انقلب في مدلولاته من إشارات مكثفة إلى بعد واحد سبب اللاقيامة، أي سبب انكساراً في الرؤيا واللغة والعلائقية الرابطة بينهما. وهذا الانكسار أثر بالتالي، على المشع من النص، وذلك حين لم يستطع أن ينه به، أو أن يحافظ على تراكمياته التي فقدت بسببه حركة الدفع إلى الأمام، أو إلى التعالي التشكيلي، ذلك لأنه ارتد بالوهج إلى حركة الوراء، أي أنه مزقه وحوله إلى كلمات فقدت الطاقة المغايرة، وتركت صداها المألوف، الصدى الذي حجز انحسارياً حركة اللامألوف وأفرغ منها المدهش,
هكذا تتضح لنا ملامح " قيامة قاسم حداد " أحياناً تطيل النحيب والوهم والاختصاص والابتعاد عن الواقع، وأحياناً تكثف غير هذا الامتداد من ملامحها ما يختزل ملامحها، غير مستند على لا مألوف غيره. ولا علي محاكاة أسطورية أو على تفاعل موروث، بل ارتكزت على أعماق الشاعر المتشحة بأعماق الكون، والتي حين أصغينا إلى تجاويفها وانجرافاتها ونزيفها اكتشفنا أنها حاولت أن تجاور المطلق، وأن تحاور أبعادها لتجرد روح الشاعر وتجسدها في البنية النصية فيما بعد..
الهوامش
- في كتابات معاصرة (مجلة). العدد (15). المجلد الرابع (آب/أيلول) 1992. ص 44/45.
د. سامي أدهم - الفضاء والاختلاف.
- د. سامي أدهم / كتابات معاصرة. العدد(15) ص 45.
|