عن الشاعر وتجـربته

مقالات

هكذا يتداعى قاسم حداد

سجلها: محمد أحمد البنكي
(البحرين)

تهيئ المعرفة السيرية بالكاتب إضاءة الجانب الآخر من تجربته ".. على هذه الفرضية راهنت المقاربات النفسية للأدب منذ فرويد وربما قبل ذلك، وقد تأسس من منطلق كهذا مدخل بات متعاظم الإنجازات في دراسة الأدب أسهم فيه ماري بونابرت وشارل بودوان وغاستون باشلار موران وطائفة أخرى من صناع حركة النقد العالمي.
وانخراطاً في زاوية النظر نفسها يعكف معد هذه السطور على دراسة نفسية قيد الإنجاز تتناول تجربة قاسم حداد الفنية في ارتباطها بخبراته الحياتية الشخصية ومعطيات بيئته الحميمة.
أستللنا من مقابلة مطولة، أجريت في هذا السياق، بعض تداعيات قاسم فكانت هذه المقتطفات التي أثرنا نشرها مع إغفال تداخلات المحاور وأسئلته والحفاظ ما أمكن على الطبيعة الشفوية للغة التداعيات.

***

(من حيث الترتيب كنت ثاني الأولاد في أسرتي المكونة من ثلاث شقيقات وشقيقين، وقد نشأت في بيئة فقيرة كآلاف العائلات في نهاية النصف الأول من القرن العشرين. الرجال يعلمون أشهر الصيف في الغوص في الشتاء في مهن مختلفة في البحرين وفي مناطق أخرى من الخليج كالمنطقة الشرقية بالسعودية وقطر. في العائلة الشيعية عتدة ما تنعقد طقوس وتقاليد الحسينيات في معظم شهور السنة بالاضافة الى شهري محرم وصفر. في دارنا كان الأمر أكثر خصوصية، فقد كان في الدار مأتم للنساء تنعقد فيه القراءة، ومنذ طفولتي نشأت على معايشة هذه الأجواء والتشرب بتفاصيلها اليومية.
أعتقد أن نشوئي في هذا الجو الذي يعتمد على البكائيات والعزائيات ولد وصقل لدي حس الإيقاع مبكراً. كان كل شيئ حزين في تلك الطقوس. لم أكن أدرك تماماً مفهوم الحزن ولكنني أعيشه. لقد كان كل شيء في تلك الطقوس يرتبط بالإيقاع.

ربما يكون لسماعي ومعايشتي هذه الطقوس باستمرار، والمشاركة بمواكب العزاء، بهذه الطريقة الإيقاعية قد أثرا بعد ذلك في الإحساس المبكر بالوزن والبحور (رغم أنني لم أعرف ولم اتعلم بحور الشعر حتى الآن!).

كان لهذا جانب جمالي تركته الخبرات المبكرة جعلني لا أستطيع أن أكتب جملة واحدة بدون إيقاع. و أعني هنا الأشكال المختلفة والتجليات التي يمكن أن يتخذها الإيقاع: إيقاع اللغة، تقابل المفردة والأخرى، المعنى والآخر، العلاقات المركبة والمعقدة والعميقة بين الحرف والكلمة وبنية الجملة ومتحركاتها النحوية والصرفية وظواهر التنوين والتشكيل فيها.
الجانب الجمالي الثاني، الذي ربما تعلق بتأثيرات تلك المرحلة، يتصل بطبيعة حساسيتي تجاه المأساة.. أشعر أن لدي استعداداً طبيعياً للتوقف عند الجانب المأساوي في أي شيء.. دائماً اتجه إلى اكتشاف جانب المأساة في أي مشهد وأية حالة.. هذا يجعلني أتوجس باستمرار حتى في لحظات المرح أو السعادة التي أصادفها أشعر أن ثمة مأساة كامنة وستبرز قريباً !
شكل من الروح المأساوية المهيمنة ربما تعزز بعد ذلك بالخبرات الحياتية والعمل العام.. هذا الحس المدمر صار يحرمني من لحظات مشروعة من السعادة.. فمثلاً لسنوات طويلة تصورت أنه لا يمكنني أن أتكلم عن الحب كشيء جميل وسعيد.. تكرست العوامل السابقة بالتظافر مع روادع ايديلوجية تحول دون التعبير عن الإحساسات الطبيعية في الحب وتبادل المشاعر..
أزعم أنني لم أخضع فترة طويلة للايديلوجيا بالمعنى التقديسي كما خضع الكثيرون.. عدم خضوعي للموضوع الايديلوجي كان مبكراً ولسبب أدبي.. فقد اصطدمت مبكراً بمحاولة الأيديولوجيا السيطرة على عملي الأدبي.. كنت منذ البداية أرفض أن يكون للأيديولوجيا أي تدخل في حريتي كمخيلة شعرية، لا أتذكر أن الأيديولوجيا كسلطة حضرت في تجربتي الأدبية رغم أن لها دوراً في تجربتي العامة كممارسة يومية.. على الأقل أنا لم أستخدم الأداة النظرية في عمل فكري، لم أمارس التنظير الايديلوجي كما فعل آخرون، قد أعزو ذلك إلى أنني شعرت مبكراً باستهانة لا تليق بالأديب ترتكبها مؤسسات التوجيه الايديلوجي.. استهانة صاحبت حركات التحرر الوطني في تجارب كثيرة في العالم.. لقد جعلني ذلك أستنفر بشدة تجاه أي محاولة من هذا النوع.
جعلني أيضاً أهتم بتجارب أدباء من أمثال ماياكوفسكي تعرضوا للاضطهاد الايديلوجي والمسخ والإلغاء، وأنا أميل الآن إلى اعتبار مواقفي المبكرة شكلاً من الأشكال اللاواعية لتحصين تجربتي ضد الشرط الايديلوجي. لقد أرقتني هذه المسألة كثيراً وأنا أزعم أنني نجوت من أضرارها المحتملة في الوقت الذي كان الكثيرون لا يدركون ما أخاف منه.
عندما كنت في المدرسة تعودت أن أشتغل في الإجازات الصيفية. وفي الثلاث السنوات الأخيرة قبل أن أترك المدرسة كنت أشتغل مع عمال البناء كل صيف.. كان أبي يصر على أن أشتغل بسبب الحالة المادية ولعدم وجود الخبرة أصبت بالكثير من المشاكل الصحية، كنت مثلاً أحمل مون الأسمنت على جسدي وقد سبب لي ذلك العديد من القروح.. مع ذلك كنت لا أحتفظ من راتبي الذي يدفع بشكل أسبوعي إلا بدينارين والباقي أسلمه للوالد لعدم وجود موارد تسد حاجة الأسرة.
في أيام المدرسة أيضاً كنت أعمل في أوقاتما بعد الظهر مع أبي في دكان السمكرة الصغير الذي افتتحه بعد أن أحيل إلى التقاعد من عمله بالظهران ثم عمله في إحدى شركات الانشاء النفطية بالبحرين.. لقد كان والدي يتعامل مع مواقد الطهو الصغيرة ومشغولات "التنك" الصفيح ومضخات الكيروسين البدائية المستخدمة في منازل البحرين حتى أوائل السبعينات، كما يقوم بتصنيع علب الحلوى الصغيرة، وقد مارست العمل معه منذ مرحلة الدراسة في الابتدائية حتى السنوات الأولى من الثانوي.
كنا نجمع علب الصفيح الفارغة التي كانت تستخدم لجلب التمر، أقوم بتنظيفها بالماء، ونعيد طرقها وتصنيعها، ثم يضع والدي مصنوعات الدكان في كيش من لاخيش (شوال) أحمله على كتفي، وأطوف به ماشياً يومياً من فريج (الصنقل) بحالة بوماهر إلى شمال المحرق، حيث فريج بن غتم، منادياً عليها لبيع أكبر كمية ممكنة، إلى جانب ذلك كنت أحمل بعض العلب الجاهزة إلى محلات شو يطر للحلوى حيث يوصينا بصناعة مثل هذه العلب.. كانت هذه المهمة اليومية تنتظرني منذ بعد الغداء مباشرة.. ولم أتخفف منها إلا بعد أن أصبح والدي يعتمد على شقيقي الأصغر في القيام بها..
رغم أنني تر عرت في المحرق حيث جزيرة يحيطها البحر إلا أنني لم أتعلم السباحة ! كنت قليل الذهاب إلى البحر ولم أكن أجرؤ على المغامرة.. المرة الوحيدة التي تعرضت فيها كان يمكن أن تسفر عن شيء هي حينما أخذني عمي معه إلى البحر في مجموعة من أصدقائه حيث استقل الجميع "قارب" صغير من الساحل إلى داخل البحر وفيما لتجربة كان عمل عمي يشرع في مساعدتي على الانتقال من القارب إلى المحمل.. تركني فجأة حتى أنني ذعرت من الخوف. أنا إلى الآن لا أحسن السباحة لهذا السبب المبكر ربما !
في صغري كنت أرهب الظلام (مع أنني الآن استلذ الكتابة في الظلام!).. وكان يحدث أن نذهب إلى السينما ثم تتأخر عودتنا إلى الليل حيث يحل الظلام.. إضاءة الشوارع لم تكن كافية في تلك الأيام.ز فكان الذعر حينها يتملكني بشدة.. لا أدري من أين نشأت هذه المخاوف لكنها استمرت فترة من الزمن بعد ذلك.
لم أكن أشعر في أي وقت من الأوقات أنني بحاجة إلى رفع المستوى الاجتماعي الذي أعيش، ولم تستبد بي أي تطلعات لتحسين المعيشة كهدف يمتزج بأحلام ادخار حساب في البنك أو بناء بيت أو تغيير مهنة.. هذه مسائل لم تكن تشغلني.. أقصى ما كنت أريده في مرحلة من المراحل أن أستقر في عملي بالمكتبة العامة حتى أضمن فقط أن هنالك مورد للرزق.
حتى الآن لا أشعر أن طموح رفع مستوى المعيشة مسيطر على نفسي، بل إنني أعتقد أن هذه الطبيعة هي ما يحصنني ذاتياً ضد الكثير من الأمور.. ربما ارتباطي الجوهري بالكتابة هو الذي ساهم في هذه الحالة.. طوال الوقت كنت أظن أن أي اهتمام آخر سيؤثر على علاقتي بالكتابة، حتى عندما أتاني بعض الأصدقاء ذات يوم يقترح علي الالتحاق ببنك أو شركة معينة لم أستجب لهذه المقترحات رغم الفرص المتاحة لأنني كنت أكتفي بالكتابة في كل مرة، ليس تحت طائلة وهم أن الكتابة مصدر دخل ولكنني كنت أتخوف فعلاً من فقد الكتابة خصوصاً أن هذا هو ما انتهى إليه مصير بع الأصدقاء الذين مع الوقت صاروا يحسدونني لأن علاقتي بالكتابة لم تتعرض للانقطاع.
من أشد حالات الفقد التي مرت بي حالات متعلقة ببعض الأصدقاء.. أصدقاء شعرت بأن فقدهم كان قاسياً وصادماً بدرجة كبيرة.. شعرت كما لو أنني لم أجد كفايتي من صداقتهم..

المرحوم ياسين جاسم من البسيتين وقد مات بالسرطان في السبعينات.. كان صديقاً حميماً ومقرباً وكنت أذهب معه في رحلاته العلاجية إلى الكويت حيث يتعالج بالأشعة العميقة.. كنت أراه وهو يموت.. كنا نزوره في البسيتين وكان المرض يتفاقم بين كل زيارة والأخرى.
أيضاً سلطان حافظ.. صديق لا يتكرر.. لا أنسى ما حدث قبل وفاته بليلة واحدة حيث سهر عندي مجموعة من الأصدقاء وأحضر هو العشاء من حديقة الكازينو.. جلبنا منه أن يبقى معنا لكنه انصرف بسبب وردية عمل (آخر ليل)..
في عصر اليوم التالي طرق بابي عبد العزيز الحسن، رأيت على وجهه ويديه تراب وآثار الجبانة.. صرخت به ما الأمر ؟ قال سلطان.. وانهرت.

إن هذه من حالات الفقد التي لم تتكرر إلا في وفاة عمر شقيق زوجتي في حادث سيارة على طريق السعودية – الكويت.. وهو من الأصدقاء الحميمين الذين تربطني بهم روابط عميقة على أكثر من مستوى.. تجمعنا ذكريات ومراسلات وعلاقة مختلفة.

يوماً بعد يوم الآن أصبحت أشعر بأنني استنفذت كل الطاقة على احتمال حالات الفقد منذ سنوات لا أجرؤ على رفع سماعة الهاتف عندما يرن وأطلب ممن معي رفعه خوفاً من الأخبار الفاجعة.. حتى أفراد أسرتي الصغيرة لا يعرفون كيف يبلغونني بأي خبر.. أو أن شئت فقل انهم يتوجسون من ذلك..
لم أعد أحتمل الصدمات ولا حتى مجرد فقد صداقات بدون أن أبذل كل طاقتي لتفادي مثل هذا الفقد. من المؤكد أن تفاقم حالات الفقد –إذا استطردنا في التداعي– له علاقة بأبعاد أخرى متعلقة بالعمل العام والتجارب الحياتية.. كل ممارسات الشباب كانت عبارة عن حالات فقد مباشر. عدم تحقق الآمال، اكتشاف أن الواقع أكثر موضوعية من أحلامنا جميعاً، فقد أصدقاء كثرين عيبتهم المعانة.. تراكم حالات الفقد هو الذي ربما يفسر حالات اليأس التي يقع فيها قطاع كبير من الشباب الذين تفرزهم الأزمات وانهيار الأحلام. ربما يفقدون الحصانة في ظروف كهذه.

أنا أتذكر أن مفردة الفقد وردت عندي منذ 1973.. أتذكر أنني كتبت عمل أدبي عبارة عن رواية مضمنة مختارات شعرية أسميتها: "الفقد" ورغم أن هذا العمل لم ير النور على صعيد النشر.. إلا أن المفردة ظلت حاضرة.. فأكثر من عمل أدبي بعد ذلك اخترت له عنوان : الفقد.. حتى أن أمر هذا الإلحاح قد دفع الصديق أمين صالح إلى الاستغراب غير مرة !
كثير من المواقف التي اتخذتها طوال تحسب متطرفة لا أدري لماذا ؟.. لدي انطباع بوجود شيء من هذا القبيل.. فأنا لا أقبل الحلول الوسط.. في العمل العام مثلاً هناك على الدوام خيارات اعتدال متاحة لم ترق لي.. وعلى صعيد العمل الأدبي يبدو للبعض أن اهتمامي بالتجديد واختراق الحدود المتعارف عليها وارتباطي بالتجريب الفني والمغايرة أمراً مقترناً بالتطرف.. دخولي في بعض المجالات الفكرية والأدبية اعتبر في عداد التطرف أيضاً.
أعتقد أن هذه الحالة التي أنسجم فيها مع نفسي، فيها لا أخضع لما يعتقد انه معقول !.

أكثر من ذلك اعتقد بأنني لا أكترث بالقديم كقيد، أحتفي على العكس بالجديد.. اهتمامي بتجارب من جاء بعدي صادراً من اعتباري ؟؟؟؟؟؟؟ لها كمؤشر وجود، إنني مرتبط بالمستقبل أكثر مما هو الارتباط بالحاضر والماضي.. وأظن أن الجديد ينظر له دائماً – خصوصاً من الرأي المحافظ – على أنه متطرف. إن هذا أمر طبيعي لأن الجديد لا يخضع للقانون السابق المستقر.

أنا لا أفهم الأصالة على أنها ارتباط بالأصل وإنما أن تكون أنت (أصلاً) لما يأتي بعدك، لا يمكن للمرء أن يجد نفسه في المنجز.. الذي أنجزه إنسان هو مجرد أحد الاقتراحات التي صارت قديمة.. ليس قدماً جوهرياً ولكنها قديمة كشكل تعبيري.. فيما أرى أيضاً فإن الكتابة عليها أن تأخذ روح اللحظة دائماً.. هذا ربما يكون تعبيراً عن جنون مكبوت.
لم أتوقف لحظة أمام سؤال : أين الجنون في الشاعر عندي، لأنني أمتلك حرية الجنون حين أشرع في الكتابة.. إن هذا السبب هو الذي يجعلني أتحفظ على كثير من الأصدقاء الشباب في عمان والمغرب والعراق. إنهم يسلكون طريقاً جنونياً يومياً حسب تعبيرهم، يتلبسون نماذج من البوهيمية والمبالغة في فنطزة اليومي. المبالغة في التسكع والتعبير الفج عن الاصطدام بالواقع اليومي بحجة أن حياة الشاعر أو الفنان لا تكون إلا كذلك. مغرمون بالاستشهاد بجان جينيه ورامبو ومحمد شكري.. والمشكلة أن معظم أصحاب هذا المنطق لا يتوفرون على انعكاسات إبداعية لهذه الحالات فيما يكتبون.
جينيه كانت هذه هي طبيعة حياته لم يختر مسلكاً كهذا بإرادة مختارة. محمد شكري الآن امتداد لطفولته وظروف حياته الصعبة في المراحل الباكرة دون افتعال.
المشكلة أن بعض الشباب يعتقدون أن هذه المشاعر لابد أن تفتعل حتى تأتي الكتابة !

تحصيلي الدراسي كان متواضعاً بعض الشيء..
في السنوات الأولى حتى الأول ثانوي كنت من الأوائل دراسياً (الأول أو الثاني أو الثالث في ترتيب الصف) ولكن جملة ظروف من أهمها اهتمامي بالقراءة العامة جعلتني أشعر بأن الكتاب المدرسي يقيد فضولي.. كنت شغوفاً باستعارة الكتب من المكتبة العام، في الكثير من الأحيان كنت أترك المدرسة، أنزل من الباص وأتجه مباشرة إلى المكتبة العامة بدل دخول المدرسة الثانوية أو الذهاب إلى المعهد، أبقى في المكتبة العامة حتى نهاية الدوام.
لقد فقدت في السنتين الدراسيتين الأخيرتين الحماس للدراسة، وربما الطرف الاجتماعي المادي فرصة بالنسبة لي للنجاة من الدراسة فقد كان أرعب ما في الأمر أنني كنت مهدداً بالتحول إلى مدرس لأنني كنت في "قسم معلمين" (ذهبت إلى هذا القسم لأنهم كانوا يعطون مكافأة شهرية لطلبة القسم) حسن حظي فقط هو الذي أنقذني من هذه الوظيفة التي كانت تنتظرني ولو واصلت لكان الأمر سيتحول إلى كارثة على الأرجح !
في الابتدائي كان هناك مدرساً فلسطينياً من مخيم عين الحلوة اسمه سليم محمد سليم ترك أثره في نفسي، كان يدرسنا اللغة العربية، أذكر أننا كنا نتراسل في الإجازات عندما يعود إلى المخيم في لبنان، كان هذا المدرس يوليني اهتماماً خاصاً وقد ساهم في فتح الآفاق أمامي.

عبد الحميد المحادين يكاد يكون المدرس الوحيد الذي اهتم بموهبتي وساعدني منذ البداية، اعتنى بتجاربي الأولى كثيراً، كانت صلات المراسلة ممتدة بيننا حتى في الجازات ولا زلت محتفظاً بهذه المراسلات التي كانت تدور حول الشعر.

كنا نتردد على المحادين في سكن الأساتذة بالمنامة قرب المدرسة الثانوية أنا وخليفة العامر وعبد الوهاب العامر، كانت حماسة المحادين لنا مفرطة.. والمحادين كان يكتب الشعر منذ تلك الأيام، وقد استقر معه في البحرين لفترة أخوه خالد المحادين وهو شاعر له دواوينه أيضاً غير أن علاقتنا بعبد الحميد كانت أشد وثوقاً واستمرت هذه العلاقة حتى بعد أن انغمسنا في الحياة العملية. كان المحادين يتابع كل صغيرة وكبيرة، وكان يعرب دائماً عن فرحة بأن اهتمامه بي قد جاء في محله كما يقول..
دور المحادين كبير جداً في حياتي، وأذكر أنني كنت ألح عليه أن يعلمني البحور العروضية لكنه كان يجيبني دائماً : أنصحك إذا أردت أن تكتب شعراً فلا تتعلم الآن البحور !.. الذي حصل أنني أخذت هذه النصيحة بشكل أبدي بعد ذلك وعزفت عن البحور حتى يومنا هذا !!.

الملحق الثقافي "رؤى" العدد الأول
جريدة الأيام - عدد 1715

 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى