عن الشاعر وتجـربته

مقالات

ورشة أمل خليجية

محيي الدين اللاذقاني
(سوريا / لندن)

صور قاسم حداد منذ أن كان في التاسعة بملامح شرسة كصموئيل بيكت الى ان صار شاباً نكتهلاً بشاربين مميزين كسلفادرو دالي تمثل حالة لا تفارقه ولم تغب عن محبيه وتعكس طيبة مقطرة يحضر فيها النعناع و الريحان و يغيب عنها النرجس.

ولأن هذا الشاعر الفريد يتميز بتواضع لا يخفى، اختار أن يجعل من مذكراته سيرة ذاتية لمدينة المحرق. فكتابه الجديد (ورشة الأمل) الصادر عن مركز الشيخ ابراهيم بن محمد الخليفة بالبحرين، يحتفي بالمدينة والناس، ويترك للشخص ركناً صغيراً لابد منه، بوصفه يتقمص شخصية الراوي الذي يحكي عن ذاكرة حية نابضة كأنها، رغم تراكم غبار الزمن وأحداثه، كتاب مصقول مفتوح ما جف حبره.

و مع التواضع يأتي دوماً الصدق، فقاسم حداد في ذكريات طفولته وسيرة مدينته يعترف ببوح حميم بأمور كثيرة يخجل منها أدباء وشعراء آخرون لا يثقون بأنفسهم ولا بما فعلوا ويفعلون، فنادراً ما يعترف الشعراء – مثلاً – بأنهم سرقوا. لكن هذا الشاعر الذي يريد أن يكون مخلصاً لذاكرته وقراءه يعترف أنه سق من صندوق أبيه ليمول شراء كتبه، فلما اكتشف الأب الحنون الأمر كان الصلب في عين الشمس العقاب الأمثل، وهو عقاب يتعلمه البحجارة و الغواصون من نواخذة سفن الغوص الذين كانوا يصضلبون المخالفين على الصواري.

لقد اشتغل هذا الشاعر حداداً و عتالاً وصباغاً وعطشجياً و كولياً وبائعاً متجولاً، واعترف بحميمية نادرة كيف شكلت تلك المهن شخصيته وقربته من الناس و من المحرق ذات الأبواب المفتوحة التي تعطف على الشعراء و المامردين.
ان محرق الخمسينات التي يحكي عنها الشاعر، مدينة الوعي السياسي المبكر، والاضرابات و المظاهرات، حيث كانت الشرطة لا تعرف كيف تلاحق الناشطين السياسيين لأن كل الأبواب مفتوحة أمامهم لتؤمن الحماية و التمويه و الضيافة، الى أن يخف الخطر، وتتوقف المطاردات البوليسية.

العاطفة ذاتها التي حملها الشاعر للمحرق ستمتد لتشمل الجبل الأخضر في سلطنة عمان، فهناك أيضاً كان التمرد ضد الاستعمار و التخلف على أشده، وكان ذلك الجبل المعمم بالخضرة كشيخ جليل، يفتح كهوفه لكافة المناضلين في الخليج من عدن الى مسقط مروراً بالشارقة ودبي، ويتحول مع الوقت الى معلم نظيف شامخ في الذاكرة الخليجية المعاصرة.

ومع التمرد السياسي، وقاسم من فرسانه، يأتي التمرد الفني. ومن حسن حظ الشاعر أن أستاذه في مدرسة الهداية عبدالحميد المحادين شجعه على الاستمرار في ذلك الطريق. فالكتابة ومع متطلباتها الاساسية المتمثلة بالتجديد المستمر، تحتاج الى شجاعة استثنائية، بحيث تصبح المعادلة كما صاغها ذلك المعلم الأريب ( قل ولا تخف أو خف ولا تقل).

و اخترا قاسم حداد الشطر الألو من المعادلة، فكان على الدوام مجدداً شجاعاً، وما (ورشة الأمل) إلا إضافة متأخرة لسيرة شاعر شجاع من مدينة متمردة شاغبت طويلاً ودفعت ثمن تمردها، إهمالاً ونسياناً، وها هي تخرج من ذاكرة شاعرها مغسولة مشعة متألقة ورمزاً خليجياً محبوباً من رمزو الحب و الأمل و الحرية.

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى