عن الشاعر وتجـربته

مقالات

قراءة نقدية في كتاب ”قاسم حداد"
(ورشة الأمل ... ذاكرة المكان)

شادية الترك

مشدودة نحو الرواية مأخوذة بشاعرية الشاعر حين يكتبها ممزوجة بعبق الواقع وسحر الكتابة هي أو هو فالنص لا يتبع التأنيث أو التذكير في قالبة ومضمونه و"ورشة الأمل”نص يطرح الأسئلة حوله فلا تعرف هويته أو شخوصه أو ملامح نوعه الأدبي تختلط بك الرؤيا ما بين الشعر والرواية والسارد يصنف النص على انه سيرة شخصية فأين أنت أيها القارئ ؟لا تدري كل ما ستعرفه وأنت تمارس القراءة هو أنك تسبر أعماق شخص وتحيط بذاكرة المكان وتستمتع بذائقة الشعر وصور الجمال

سيرة الإنسان أم ذاكرة المكان

يستدرجك وأنت تقرأ الكتاب العنوان المكتوب على الغلاف (ورشة الأمل - سيرة شخصية لمدينة المحرق) ولكن مادام المكان هو من يكتب الشاعر سيرته فأين مفردة”شخصية”من الإعراب؟ هل هي الفاعل أو المفعول به ؟هل هي السارد أو مادة السرد؟ هذه الأسئلة تستغرقك للوهلة لأولى وأنت تقرا نص قاسم حداد”ورشة الأمل”ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الاستفهامات وتتحول إلى إجابات بل وربما تأويلات تدفع بك نحو فهم النص وقراءته”فورشة الأمل”تحكي سيرة” قاسم حداد”الإنسان وتعكس في الآن نفسه ذاكرة المكان (المحرق) وكأن القاسم المشترك بين المكان والإنسان هو شخص”قاسم”المتوحد مع مدينته ومكانه، مع جذوره وانتمائه الكاتب هنا لا ينفرد بسرده آنا متضخمة تبتعد بنرجسيتها عن الزمان والمكان لتصف ذاتها وتتملق بأوصافها وتداخلاتها أنها ذات تبحث في المكان عن نفسها وتتجاهل الزمان لكي تختزل سنوات العمر في حظورها الآني وتسترجع ذاكرة المكان بشخوصه وملامحه”أهل المحرق، بيوتها المشرعة، دكاكينها المتقاربة، (فهي إذن، البواب المفتوحة وورشة لأمل من جهة أخرى) هذه هي مدينة المحرق (وورشة الأمل) التي تبحث فيها عن معاول العمل وشخوص الرواية وأدوات الصناعة خليط من النماذج من المواقف من الملامح كلها تكتب -عفوا نحن في ورشة - تصنع مدينة قاسم، الطفل الذي تربى وعاش رهن المكان الذي نشأ فيه فذات قاسم ذات متماهية مع ذاكرة المكان تستمد قوتها، قدراتها، إبداعها، من واقع التناغم الذي شهدته مدينته، فكل ما فيها يقوده للداخل ونحو العمق بحثا عن الخارج والمختلف اللاتقليدي (فإلى أين تذهبون؟ كان سؤال المحرق المبكر عن مستقبل البحرين المؤجل؟)

النص ما بين التنظير والممارسة

(ورشة الأمل) ووفق التصنيف الدبي أو الثقافي المتداول هي (سيرة شخصية) ولكن وعند الدخول في فعل القراءة واستدراج أدوات الكتابة لدى الكاتب تجد ان آلية الممارسة تتضارب مع واقع العمل الذي بين يديك من حيث تصنيفه تبعا للسير وهنا لنا سؤال أو تبعا للسرد الروائي وهنا لنا وقفة، فالخيار الأول ولو سلمنا بأننا فعلا أمام (سيرة شخصية) فأننا سنطرح استفهاما حول العديد من المفقودات في سرد تلك السيرة فالكاتب خرج عن نمط السير المعتادة والمفعمة بتواريخ ومحطات حياتيه شخصية بحتة تقودك في بعض منها كما في سيرة”عبد الرحمن بدوي"إلى السأم من حالة الإفراط في تأريخ وتبجيل ذاته وسيرة حياته العلمية والعملية كونه يكتب من منطلق المؤلف والإنسان في ألان نفسه وهذا ما لم نجده في نص”قاسم”الذي لم يتطرق سوى لشيء بسيط عن ذاته الشاعرة وبداية اتجاهه واهتمامه بالشعر في الجزء الذي ربطه بأستاذه”عبد الحميد المحادين”وورطه لمزيد من المحاولة والكتابة الخارجة عن النمط التقليدي في كتابة الشعر العربي . أما اذا ما وقفنا عند (ورشة الأمل) كمصنف سردي روائي مقارنة بسيرة (خارج المكان) ”لإدوارد سعيد”وحاولنا المقاربة ما بين النصين فأننا سنجد تناغم مفعم بالتضاد بمعنى أننا في (خارج المكان) كنا أمام سيرة شخصية ولكنها تروي هوية المكان والانتماء، تكتب من خارج مكانها وجذورها أما في (ورشة الأمل) فنحن على العكس نروي من داخل المكان بل نحن في تماهي تام ما بين”قاسم”الإنسان و"المحرق” المكان لدرجة أننا نقرا أحدهما في الآخر ولكن يكمن ذلك التناغم الذي أشرت إليه في ذلك الخروج الممارس لدى كل من”قاسم حداد و"إدوارد سعيد”على منطق التصنيف المنهجي لما نسميه فن السيرة فالاثنان حاولا تقديم سيرة شخصية بطابع روائي يجذبك لقراءته ليس لفرط واقعيته بل لسحر وآلية سرده هذا اذا كان لابد لنا من مسآلة النص عن واقع تصنيفه أو ممارسة ؟.

الرمزية وذات قاسم الجماعية

ينكشف لنا عبر نص (ورشة الأمل) تسرب ملامح التجربة الحداثية في شعر ”قاسم حداد” عبر توظيف أدوات الشعر الحر في صياغة التجربة ورسمها من خلال توظيف آلية الرمز والإحالة علية فا (المآتم والحسينيات والمسحراتي وشهر رمضان والكتاتيب والختمة) كلها رموز تحيل القارئ إلى هوية مسلمة لم يصرح بها الكاتب مباشرة ولكن من خلال رمزية المكان وملامحه التي وظفها في رسم صورة المجتمع الذي ينتمي إليه وكذا هو الواقع السياسي المتشكل عبر صوت المظاهرات وأمكنة السجون وظروف الاعتقالات السياسية التي توحي بعمق التجربة السياسية التي عاشتها (المحرق) الجزء و(البحرين (الكل) بكل إرهاصاتها وتحدياتها التي انعكست على تجربة وحياة ”قاسم” الشاعر مرورا بتلك العلاقات الاجتماعية والبنية ا الاقتصادية التي تشكل المعيشة المحلية في حياة أهل البحرين (الصيد والغوص وا المهن السائدة كالحدادة والنجارة) وطابع الأسرة الممتدة (البيت العود،البيوت المشرعة) كلها إحالات تعكس نمط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تربى عليها قاسم حداد وشكلت بعد ذلك هويته وصاغت تجربته الجديدة والحداثية في الشعر العربي الذي كان اكثر ملامسة لواقع وظروف جيل السبعينيات والستينيات الأمر الذي اسهم في إرساء تجربته الشعرية وتطورها.

بهذا نكون قد وصلنا للنهاية نهاية القراءة ولكنها بداية التحفيز نحو خوض التجربة وتحدي النص لمسآلته وقراءته من جديد (فورشة الأمل هي حقا تنور تغلي فيه الكثير من الأسئلة والاجابات، التجارب والحكايات، التي مازالت بعد بكر لم يطائها قلمنا أو يشاكسه ولهذا تظل هذه القراءة هي بمثابة التلقي لأول ووليد حالة من التفاعل والانسجام ما بين قلمي ونص ”قاسم” الذي لا أزعم أنني اخترقته كاملا .

 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى