ورشة الأمل ـ سيرة شخصية لمدينة المحرق ـ كتاب الشاعر قاسم حداد ،كتاب سيرة ذاتية شعرية يمتزج فيها الشخصي والعام كامتزاج العسل والحليب في نسيج حكائي ليس غريبا على هذا الشاعر القادم هو الاخر من وسط متواضع ومن عالم منسي، عالم الحدادين الفقراء الذين عاشوا في جوار مع البحر وغنوا له وغضبوا عليه وحلموا به وحين هاج توسلوا اليه توسل عاشق لعاشق ان يهدأ قليلا لان حوارا بين البحر الغاضب وبين بيوت الفقراء لا يمكن ان يكون كذلك.
ومدينة المحرق في البحرين هي ورشة أمل حقا وقد عرفها الشاعر في لحظتين باهرتين: مدينة الابواب المفتوحة على البحر والغرباء ، ومدينة ورشة الأمل، فظاهرة الابواب المفتوحة في ذاك الزمان كانت ظاهرة عربية كي لا يضطر الزائر او الغريب المضطر لطرق الابواب، هذا قبل ان ياتي الزمن العربي الرديء ويتفنن الناس في صنع الاقفال والمتاريس خوفا من كل شيء من الزائر والغريب وحتى من الفرح الطارئ اذا جاء.
في المحرق عرف الصبي الحداد قاسم اول مرة حوادث" الشغب" بعد احداث عام 65 في البحرين عقب انتفاضة عارمة من اجل حقوق مدنية وأجمل ما في ذلك اليوم ـ الذي قد لا يتكرر ـ هو ظاهرة الابواب المفتوحة للمطاردين من الشرطة.
والمحرق أو وجه قاسم حداد الاخر هي ورشة امل بامتياز حيث الاحياء تحمل اسماء المهن مثل احياء البنائين والصاغة والحدادة والحياك والقلاليف وهي احياء تعج بالحياة والامل، وهي ايضا مدينة لها طبع البحر تصمت دهرا وتثور فجأة يوم كان غضب الناس عملا نضاليا وليس فعلا جرميا كما هو اليوم بعد نهاية الشعارات الكبرى
وعلى قول قاسم حداد كان اهل المحرق يحسنون قراءة كتاب البحر ودفاتر العذاب هذا يوم كان البحر بحرا حقيقيا وليس مرتعا للسياح والفنادق العالية التي وضعت حيطان الاسمنت بين اهل الخليج وبين البحر كما وضعت حيطانا اخرى من نوع اخر بين الناس وبين بعضهم وبين انفسهم عبر وسائل جديدة مبتكرة.
عمل قاسم حداد في كل المهن القاسية في ذلك الزمان ومنها الحدادة ومع النجارين وفي ماكنة حفر وفي بناء السفن ومع كل ذلك يشعر بحنين جريح لتلك المهن حيث الشعر اصعب المهن.
المحرق ليست ذاكرة تاريخ، يقول قاسم ، ولكنها مخيلة المستقبل .ورشة قاسم حداد سيرة ذاتية ممتعة وفريدة في تاريخ هذ النوع من الادب حيث قاسم لا ينعي الماضي ولكنه يستدعيه استعادة خلاقة من اجل محرق، بحرين افضل، في ظل سلطة رجل لم يعجبه لقب امير فصار بقرار عائلي ملكا على مملكة دولمون التاريخية حيث يبدو في ثيابه الملكية كمهرج ذاهب للسيرك، دون ان يعرف كغيره ان كل المدن العربية هي محرق آخر وانها مدينة تحمل اخلاق البحر واخلاق الصحراء وانه محاصر بينهما.
لكل واحد منا محرقه، طفولته، حزنه، وورشة عمله، ومجانينه وعشاقه وسلاطينه، لكن ما يجعل محرق الشاعر قاسم حداد متفردة هو ان سيرتها كتبت بقلم شخص عشق فيها الماضي ليس بدافع الحنين فحسب بل بدافع ان يكون هذا الماضي ورشة للأمل ويعود مرة اخرى زمن الابواب المفتوحة وننتهي من سجن انفسنا خلف اقفال لم تعد في هذا الزمن الالكتروني قادرة على حماية ملك أو فقير حتى في غرف النوم
شكر موصول للكاتبة السعودية وجيهة حويدر لارسالها هذا الكتاب قبل ان تسجن بتهمة العمل على ورشة أمل اخرى.
الخميس,شباط 01, 2007 |