ثقافة الحرية للذهاب إلى القرن الجديد
جريدة الخليج - الشارقة
عبدالقادر سبيل
س / أي ثقافة يجب أن يدخل بها العرب عالم القرن الواحد والعشرين؟
و إذا اتخذنا من الرجل والمرأة نموذجاً حياً يبحث يحث عن ثقافة تظلله وتقوده لمستقبل، فكيف ترون المعاني الأساسية التي يجب أن تضمها هذه المظلة؟
*باختصار موجع، يجب أن تكون ثقافة الحرية. الحرية هي المعنى الأول والأخير الذي نحتاجه. تلك هي المشكلة الحضارية، التي لا نستطيع أن نتقدم خطوة إنسانية نحو مستقبلنا، من غير أن نحلها، ونقف أمامها بوضوح وصرامة. ففي المجتمع العربي يتدهور بنا الوضع متقهقراً نحو الماضي، بقيادة اندفاعات الظلام الجديد. ولا تتمثل هذه الاندفاعات فقط في العنف الظاهر الذي يتستر بالدين. ولكنها اندفاعات مستحدثة تستغل هذا العنف لتحجب كل المنجزات الحضارية التي تحققت في الحياة العربية منذ نهايات القرن الماضي حتى أوائل القرن الراهن. الأمر الذي يؤدي إلى مصادرة كافة أشكال الحريات من أصغر تفاصيل حياتنا إلى أكبرها.
وهذا يجعلنا في واقع مكبّل بكل أنواع العسف، بقوانين يبتكرها النظام العربي سياسياً واجتماعياً. ففي مثل هذا الواقع كيف نتخيل ثقافة تنشأ بطريقة صحية وحضارية ؟
نحن نفقد حرياتنا يومياً بأشكال غير إنسانية، ونتحول مع الوقت إلى كائنات غير بشرية مفقودة الكرامة. ونشهد انحداراً في حقل احترام الإنسان بصورة لم يشهد لها التاريخ العربي مثيلاً. وأًصبحت الأجهزة العربية (بكل صورها) ترصد كل ما يتصل بالثقافة لكي تعوقه أو تمنعه أو تصادره أو تقتله إلى لزم الأمر. وبهذا الأسلوب، يجب أن لا نتوهم أننا نمتلك جدارة العبور، ليس إلى القرن الواحد والعشرين فحسب، بل إننا لا نقدر على العبور إلى الرصيف الآخر من الشارع في بلد عربي واحد، بل إنني أزعم باستحالة الانتقال بين أرصفة البلاد العربية بالحرية الثقافية الكفيلة بالاتصال الذي تتكلم عنه أجهزة الإعلام العربية ليل نهار. إنهم يجهزون علينا واحداً واحداً في عموم هذه الخريطة. ولعل كثرة المهرجانات الثقافية التي تزخر بها الخريطة العربية هي وسيلة التمويه الخطيرة التي تخفي الحقيقة الجوهرية لما يحدث في الواقع، وهي ردم الثقافة بوصفها الشكل الأرقى للحرية في حياة البشر. ففي غياب حرية الحوار و لمشاركة الحقيقة في كل ما يتصل بمصائر الإنسان العربي، لا يمكن الزعم بأن الثقافة العربية بخير.
أقول هذا في حقل الكلام العام عن الواقع الثقافي، دون أن يعني هذا القول إشارة سلبية للواقع الإبداعي العربي، الذي يحققه أفراد مختلفون موزعون في الخريطة العربية، يقاومون هذا الانحدار بوصفهم أفراداً، وبوسائلهم الذاتية، التي ما إن تصل للحظة الاتصال بالأجهزة الرسمية والمكرسة، حتى يبدأ التعثر والمعوقات والإحباط.
وليس في نموذج الرجل والمرأة كمؤشر للواقع الثقافي إلا الدليل الأكثر بشاعة للتخلف الذي أشير إليه. مع ملاحظة أنني لا أعتبر هذا النموذج قادراً على إقناعنا بكل ما تحدثت عنه. لأنني لا أرى في المشهد ما يحتاج لوضع هذا النموذج في مقدمة منظورنا لأشياء الحياة. فإننا على كل حال لا نحتاج لمظلة، على العكس، نحن بحاجة للخروج عن كل المظلات، والوقوف عراة تحت شمس الحقيقة، وتحت المطر. المطر الذي تحتاجه هذه الأرض العطشى للحرية.* |