لقاءات

قاسم حداد: الشعر يولد بلا ضجيج والشاعر هو سؤال الحقيقة

خلود الفلاح
(ليبيا)

على مدى اكثر من ثلاثة عقود والتجربة الابداعية للشاعر قاسم حداد ما تزال تقدم الجديد. وربما تتجسد واحدة من ابرز علامات الخصوصية فى شعر حداد انه يوظف رموزا تاريخية واسطورية وحضارية لكى يعبر من خلالها عن رؤيته.
تميزه الشعرى وتفرد رؤيته برز فى العديد من الاعمال منها: البشارة، خروج رأس الحسين من المدن الخائنة، الدم الثاني، قلب الحب، القيامة، شظايا، انتماءات، النهروان، الجواشن، يمشى مخفوراً بالوعول، عزلة الملكات، نقد الامل، أخبار مجنون ليلي، علاج المسافة، المستحيل الازرق، وغيرها.
فى عام 1994 اطلق الموقع الالكترونى جهة الشعر www.jehat.com ويقول الحداد انه يحرص من خلال هذا الموقع على تكوين ذاكرة ثقافية عربية. وهنا لقاء معه:

شرفة الشاعر

* ليس كل شئ واضحاً فى الحياة أو فى الكتب. كان الشعر يوضح غوامض الحياة فى مقابل فهم غموضه الخاص. هل تتوقع استمرارية أسئلة يجيب عنها الشعر أو هل يقدم الشعر اجابات حقيقية عنها؟

كلما استطاعت مخيلة الشاعر ابتكار الأسئلة الجديدة فى مواجهة الواقع، صار لدينا الأمل فى أن هذه الشرفة تطل على غيرها فعلاً. نحن نطرح الأسئلة، لا لكى نسعى إلى أجوبة نهائية وناجزة، ولا لكى نتوهم وظيفة الشعر توضيح الغوامض، لكن لكى نضع حياتنا على محك المستقبل الإنسانى الجدير. علينا أن نؤمن بأن الشاعر هو سؤال الحقيقة على الواقع. نخبئ أفئدتنا المرتعشة تحت القمصان والاغطية وضراوة الثلج مثل ذئاب متوحدة نخفيها فى ابار الذاكرة لئلا تفضحنا بنشيجها المكبوت.

*ما الذى على نص قاسم حداد ان يقوله؟ وما الذى على نص حداد ان يسمعه؟

الإصغاء موهبة أكثر أهمية من الكلام. احاول فيما أكتب أن أجعل نصى قادراً على الإصغاء لحركة الإنسان فى الكون، مثلما يصغى ويتأمل الفلكيون لحركة النجوم والكواكب، قبل الذهاب إلى النوم، لكى تأتى أحلامهم على قدر ما يسمعونه ويرونه ويتخيلونه من الحجوم والمسافات والمقادير.

"شغفت بك بما يكفى لتحرير
مدينة كاملة
محتلاً بك مثل عاصفة فى الرواق
جسد يخب فى الحديد بطرق تنحت
أطرافى
ما من ليل الا وكنست كوابيسه
بأهدابى
وما من شهوة الا واختلج بها
الدم".

*مدينة المحرق، مدينة الطفولة والصبا والشباب عندما وظفتها فى إحدى نصوصك. هل توثق بذلك لسيرتك الذاتية؟

لم أوظفها فى أحد نصوصي، لكننى كتبت كتابا كاملا عن سيرة هذه المدينة من خلال طفولة الشاعر.
لا لأوثق ولكن لكى اعبر عن محبتى لهذه المدينة وكائناتها.

"هدير القدم المكتشف المدهوش يمد
وأدخل فى لؤلؤة الوقت
صوت الشئ يرافقنى
أدخل فدخلت
تعال".

* ما الذى يمكن قوله لوصف قصيدة النثر اليوم. لماذا ضمير المتكلم. لماذا هذا الاحتفاء بالانا. لماذا هذا الصمت فى لغة الشاعر بينما نسمع ضجيج العناصر المكونة للشعر؟ أما زلنا نحتاج لوصف الشعر، لكى نقول انه شعر؟

ان نزوع بعض الشعر الى استبطان الذات هو استعادة موضوعية وطبيعية لوضع الشعر فى مكانه، هو الكون من شرفة الذات ويبقى على كل شاعر ان يبتكر لنا طريقته الخاصة فى الكتابة بحرية كاملة وبموهبة كاملة وبصدق كامل. الشعر هو ما يولد بلا ضجيج وبعيدا عن الضجيج ولا يسعى الى الضجيج.

سر القصيدة

* يقال ان القصيدة ما هى الا مسار لتأريخ فردي. لحظة انقطاع أو عزلة. انها أشبه بحلم يراه شخص واحد و لا يهتم باطلاع الاخرين عليه؟

لا أخفيك أننى سوف أحب هذا التوصيف عن الشعر قاطبة. اولاً، لان القصيدة هى بنت العزلة.
وثانياً، لان الحلم هو مصدر الشعر ومجراه ومصبه. وثالثاً لان الشعر هو السر الذى لا يرغب الشاعر فى كشفه. على العكس ربما انه يعمل طوال الوقت لوضع القناديل الكثيرة فى طريق القارئ لئلا يصل الى مكان غير ذاته. هناك فقط يكون الشخص "شاعراً وقارئاً" فى قلب الصدق.

"مثلما أعطيتنى أعطيك
فاستجمع شجاعتك النبيلة وانتظرنى
كل مراة مغامرة اليك
عليك ان تنسى مراياك الطويلة
ايها الموج أعتمر زرد القواقع وافتح القوس
الذى يغويك، ها أعطيك أنخابا على شرف القبيلة"

* ما الذى يريد ان يهرب منه نص الحداثة؟ ما الذى يريد خلخلته وتفكيكه "اللغة، الشعر، الشاعر"؟

هذا كلام يتصل ويعنى العمل الذهنى فى حقل النقد. أما الشاعر فهو يكتب نصا صادرا عن المخيلة والمشاعر حيث لا يعنى بالتفكيك ولا بغيره.
هذه المصطلحات تأتى لاحقاً فيما بعد على ايدى وادوات كثيرة يتربص بها النقاد لكى يعبثوا بمكتشفات الشاعر الجميلة. الشعر لا يهرب انه بالكاد يذهب الى عتبة الكون.

فى مهب السؤال

* كان الشعر فى النصف الاول من القرن الماضى يحمل هماً نضالياً فأصبح ملحمياً، أراد ان يقدم اجابات فانتهى الى عدم الايمان بالاسئلة. وفى نهاية القرن العشرين انتهى الى لعبة لغوية ممتعة اكثر منها مفيدة. ماذا تقول عن فائدة الشعر. وما هى الحدود بين المتعة والفائدة؟

ألاترين معى أن ثمة أحكاما غير مترابطة تثير القلق فى سؤالك؟ اتمنى ان نحسن قراءة التجربة الشعرية جيداً لكى نتأكد مما تقولين عنه فى القرن العشرين. فليس من العدل وضع قرن كامل من الشعر فى مهب سؤال خفيف من هذا النوع، فلا الشعر السابق انتهى الى عدم الايمان بالاسئلة ولا الشعر الراهن انتهى الى لعبة لغوية.
ثم كيف يمكننا السؤال عن المتعة والفائدة فى الشعر كما لو أننا ازاء نوع جديد من الاراجيح أو الات الفليبرز.

الجهة الخامسة

*كان الشعر نقطة الانطلاق "جهة الشعر" هل لانك شاعر أم لان الشعر يمثل أهم الاسهامات الانسانية فى الثقافة العربية؟

لا أدرى بالضبط. لكن ربما لاننى أحب أن أرى الشعر فى مكانه الجميل الحر. شبكة الانترنت وفرت لى هذه الحرية وهذا المجال وساعدنى أصدقاء لا يحصون على جعل "جهة الشعر" الجهة الخامسة فى هذا الكون الرحب والرحيم وربما لان الانسان سوف يحسن ما يحبه.
تسنى لنا أن نرى جهة الشعر تكتشف الطريق بقناديل الاصدقاء، شعراء، نقاد، مترجمون، وندماء فى كل الارجاء.

*العمل الجديد أو لنقل الاشياء الجميلة تواجه صعوبات. كيف استطعت ايجاد الية ثقافية للموقع تبرهن استمرارها؟

الصعوبات يجرى تجاوزها كلما تمكنا من التجربة.
لقد تمكن الموقع من صياغة اليته باسهام حميم من أصدقائه ونحن جميعا نتعلم الدروس يوما بعد يوم.

*أى افاق يمكن ان تتصورها للمستقبل خاصة بعد تحول "جهة الشعر" من مشروع فردى الى مشروع جماعي؟

لا أعرف. الافق لا نعرفه، لا ندركه، لكننا نذهب اليه فحسب.
وهذا جدير وجميل وبالغ الاهمية والمتعة.

*هل يمكن للمبدع ان يكون محلياً فى زمن العولمة؟

الكون كله هو محل المبدع.

 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى