لقاءات
حوار (قاسم حداد)

1- أنت الأكثر تجريبا في تقديم أشكال جديدة لأمسيات مشتركة مع فنانين وموسيقيين وتشكيليين، كيف تنظر اليوم لإقامتك أمسيات تقليدية بعد مغامرة التجريب، وإشعال فتيل الدهشة عند المتلقي؟

ج/ التجربة تأتي بعناصرها مشمولة بأطرافها المأخوذة بالمغامرة. ثمة فعاليات لا تفكر في (أو ليس في واردها) تفادي تقليدية الفعل الإبداعي. عندما أقبل دعوة إلى مشاركة ليست لدي شروط مسبقة أفرضها على الجهة المنظمة، لكن عندما يكون لديهم الاستعداد لاكتشاف أفاق جديدة في التجربة سوف أكون مستعداً لمناقشة الأمر وبحث الموضوع.
لكن قبل كل هذا وبعده، لا تتحقق التجربة الإبداعية بقرار مسبق في معظم الأحيان. لابد من توفر مناخ بالغ التعقيد أحيانا لولادة تجربة مشتركة جديدة توفر حريات جديدة في الفن والادب.
لكن، لا تنس أن ثمة سحراً ومتعة في قراءة الشعر يمكن أن يتلذذ بهما الطرفان، الشاعر والمستمع/المشاهد. الشعر كفيل بإشعال شرارة الدهشة.

2- على ذكر هذا التجريب الجماعي، كيف يستطيع عمل مشترك تحويل مسار النص الإبداعي من خصوصيته الذاتية (خصوصاً في الحقل ذاته) يضيف عليه أو يقترح تفاصيله/ نهاياته مبدع آخر؟

ج / العمل المشترك هو ضرب من مناخ رحب من التوق الطبيعي الى الحوار، محاورة الآخر (المبدع في مجال مختلف) ومحاورة الروح الجماعية في لحظة العرض. التنوع الغني في ما يحدث من تقاطع الفنون المختلفة هو أحد مقترحات الآفاق الجديدة التي تفتحها التطورات المتسارعة للوسائط الفنية في لتعبير والاتصال، الأمر لا ينفصل عن الناحية التقنية في مثل هذه التجارب. الخصوصية هنا شيء يختلف عن حضور الذات الإبداعية للفنان أيا كان مجاله ووسائله ووسائطه وعناصر وأدوات عمله. الذاتي هو المحور الحاسم في العمل الإبداعي، وهذا لا يتناقض مع الاشتراك مع الآخر في تحقيق لحظة الفعل الفني. على العكس، يظل الصوت الشخصي ذاتياً كلما تسنى له الدخول في نسيج عام لا يفقد حيويته، ولا يلغي رؤيته ولا يصادر الأصوات المشاركة الأخرى. ففي مثل هذا النسيج الجماعي يمكن أن تصوغ التجربة المشتركة صوتا رحباً يصعد من الجمرة الواحدة إلى اللهب الشامل. بالنسبة لي أجد في مثل هذه التجارب نوعا من كسر رتابة الوهم المبالغ فيه المحبوس في الذات المغلقة على الكائن المتوحد. بالرغم من الدرجة الغامضة والمعقدة من الطبيعة الذاتية للعمل الإبداعي، إلا أن في الحوار المشترك شيئاً من الجمال والمتعة والطرافة التي تكسر جهامة الفعل الثقافي.

3- تجربتك في (أيقظتني الساحرة) - كما يرى البعض - عودة لمنابع قاسم الشعرية الأولى، لكنها برأيي عودة حملت أيضا تجربة اشتغالك الدائب على اللغة، وتراكم الخبرة، هل هي عودة للأمام؟

ج / لا أحب العودة إلى شيء، المسافات أمامي أكثر أهمية من الوقت المنصرم، إلا إذا كانت هذه المسافة الفنية قادرة على التعبير عن ذاتها بقوة في السياق الراهن في تجربتي. ثم أن التنوع في وجهات النظر التي تشير إليها حول (أيقظني الساحرة) دليل نوعي على حيوية اقتراح هذا النص في تعدد مستويات القراءة.
أرجو أن تأخذ كل تجربة حقها المناسب من الوقت في الحياة. فالشاعر ليس في خريطة ذهاب وإياب، الجحيم والجنة هما مكان واحد وبرهة واحدة.

4- مع أهمية الترجمة، ما هو الهدف من إرفاق الترجمة الإنكليزية في نص (أيقظتني الساحرة) بكتاب واحد؟

ج / لا أهداف لدي عندما أكتب، ولا غايات عندما أصدر كتاباً. كل ما في الأمر أن الصديق الدكتور محمد الخزاعي فاجأني أنه أنجز ترجمة نص (أيقظتني الساحرة) دون أن يخبرني بذلك، قال لي ذات يوم تعال ألتقيك في المقهى، لديك لك هدية. وذهبت وإذا به يقدم الترجمة جاهزة، اعتبرت تلك المفاجأة تحية حميمة بالغة العمق والصفاء، لقد اشتغل على ترجمة الشعر مثل ناسك، وهذا شرف منني إياه الصديق محمد الخزاعي، فلم اقبل بأقل من أن أنشر الترجمة مع النص الأصلي في كتاب واحد. كيف يمكنك أن تتأخر عن معانقة قلب بهذا القدر الرائع من الحب. أكثر من هذا فأنني غيرت العنوان الاصلي للنص بناء على اقتراح ترجمة الدكتور خزاعي لفرط جمالها بالانكليزية.
هل يتوجب أن يكون لدي أهداف أجمل من هذا لكي انشر كتابا عن الحب؟

5- سيطر جيلكم لفترة طويلة على أسرة الكتاب، ثم رفعتم أيديكم عنها، لأسبابكم طبعا. أين أنتم من أسرة الكتاب اليوم بعد أن عادت بدماء جديدة؟

ج / أسرة الأدباء تجمع أدبي مفتوح على الجميع طوال الوقت، لا يمنعه أحدٌ عن أحدٍ. والدماء الجديدة ظل جديدة بكتابتها ونصوصها وليس بالكلام. وهذا ما تسعى إليه فكرة أسرة الأدباء مهما تعثر العمل عليها.
اجتهدَ السابقون ويجتهد اللاحقون. هذا كل ما في الأمر دائماً، لا أكثر لا أقل.

6- تقاسمتما أنت وأمين صالح الخبز والشعر والسجن وموت الكورس والجواشن، وترافقتما كثيرا في أمسيات وكتابات وذاكرة، ذاكرة جيل عشتماه.. وجيل قادم، من أنتما الآن من بعض؟

ج / على قدر كبير من الخبرة والمعرفة والحب. نتعب، ربما، لكن أحلامنا لا تزال نشيطة، ومخيلتنا رائقة المزاج لكي نلهو بمخلوقاتنا على هوانا، بقدر أكبر من الحرية.
لا نزال نقتسم كل شيء، الأحزان الكثيرة والفرح النادر في عالم بلا آذان ولا قلب ولا ضمير ويزخر بالادعاءات الفارغة.
لا أعرف صديقاً جديداً يقدر على استيعاب معنى الصداقة سوى أمين صالح. و هذا يكفيني في الباقي من العمر.

 

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى