قاسم حداد : عن الشعر والبحرين
كل شيء في الحياة يدخل في الشعر
ابراهيم العريس
(لبنان)
خلال وجوده في بيروت قبل فترة، التقت "المسيرة" الشاعر البحريني المعروف قاسم حداد، وحاورته حول شعره والشعر عموماً، وحول الحركة الأدبية والفنية في البحرين، وكان الحوار إطلالة جيدة على فن هذا الشاعر المميز الذي صدرت له مؤخراً في بيروت مجموعة بعنوان "قلب الحب". كما كان _ هذا الحوار _ نافذة، ولو متواضعة أطللنا من خلالها على بعض سمات الحركة الأدبية في البلد العربي الشقيق.
* أين أنت الآن من التطور الذي بلغته الحركة الشعرية العربية ؟ هل تعتبر نفسك جزءاً من تيار ؟ من جيل ؟ طائراً وحيداً ؟
الآن. بعد عشر سنوات من الكتابة، وثلاث مجموعات صدرت، وثلاث أخرى قيد الطبع. يبدو لي أنني أقف تماماً في دائرة السؤال. وربما أكون واحداً من أسئلة الحركة الشعرية العربية. حيث تواجه هذه الحركة الجديدة إشكاليات تتصل بطبيعة تجربتها. لست جزءاً من تيار. لكن أتصل بجيل عصفت به التيارات. وهذه حقيقة نستطيع بواسطتها أن نكتشف جوانب الأزمة التي تمر بها الحركة الشعرية العربية الجديدة. إن التطور الذي أنجزته حركة الشعر يبدو قاصداً من حيث أنه لم يحقق، أو هو لم يهيئ لاكتشاف قيم فنية واضحة الملامح. وإذا جاز لنا أن نستعير مصطلحاً فكرياً سنقول أن الحركة الشعرية العربية الجديدة قد وقعت في (انتقائية) لا واعية، الأمر الذي جعلنا نجد صعوبات كثيرة حين نحاول رصد التيار والاتجاه والأجيال.
فكيف يتسنى لنا بسهولة تحديد موقع شاعر بالذات من مجمل ما حدث ويحدث من تطورات هذه الحركة الشعرية ؟! أما أن أكون طائراً وحيداً، فهذا ما لا أعتقد بإمكانية تحققه لأي شاعر من هذا الجيل. نحن ليس أكثر من طيور مجنونة يسكنها شعور بأنها تغني في غابة كثيفة.. تحترق.
* ألا تعتقد أن سمعتك السياسية تطغى أحياناً على سمعتك الشعرية ؟ هل ترى أن ثمة بين السمتين تداخلاً ؟ إحداهما تبرر الأخرى أم ماذا ؟
هذه ليست مشكلتي على الإطلاق. ربما تكون هذه المشكلة الذين يكتبون كثيراً ويقرأون قليلاً. أو هم لا يقرأون على الإطلاق. لست سياسياً كما يحلو لبعض أن يتصور ويعتقد. ثم أن هذا مصطلح أصبح غائماً ومشوشاً. ولا أميل إلى أن تكون السمعة السياسية تبريراً للسمعة الشعرية. هذا موقف ساذج لا ينبغي أن نقع في محاذيره. إن أية تجربة شعرية تحتاج للنظرة النقدية الموضوعية بعيداً عن أية اعتبارات. على القارئ والناقد أن يكتشفا حقاً ما إذا كان هناك امتزاجاً بين حياة الشاعر وكلماته. ولعل من تحصيل الحاصل القول بأن الأحلام الجميلة لا تستطيع بالضرورة أن تبدع شعراً جميلاً. متى نستطيع أن نتجاوز الإعلام الرائج الذي يهتم باليومي والعابر ؟
*هل تعتقد أن للشعر دوراً يمكنه لعبه في تطور الوعي لدى القارئين.. كخطوة على طريق الوعي الاجتماعي العام ؟ أم أن للشعر عوالمه الخاصة ؟
ليس للشعر عوالماً خاصة. الشعر هو الحياة. بمعنى أن كل شيء من الحياة يدخل في حدود الشعر ومن تكوينه. لكن التوقع من الشعر أن يؤدي دوراً مادياً مباشراً كما تفعل المطرقة في الحديد. مسألة غير مشروعة. ماذا سيفعل الشعر من مجتمع يعاني من نسبة ثمانين بالمئة من الأمية ؟! إن تحقيق الوعي الاجتماعي له أدواته الكثيرة الأخرى.
أما الشعر فليس سوى شرارة ضوء صغيرة في صحراء مظلمة صامتة.
هناك من ينتظر من الشعر أن يطرح إجابات على كل المشاكل التي يواجهها المجتمع. وأن يطرح حلولاً. وهذه نظرة ساذجة. فليس الشعر سوى أسئلة كثيرة.. أسئلة على كافة الأصعدة. ومن اللحظة التي يكتشف القارئ طريقه إلى الأسئلة. بمعنى أنه يعيد النظر فيما حوله. وقتها يكون الشعر حقق خطوة واحدة نحو الهدف.. لكنها خطوة خطيرة.
* حدثنا قليلاً عن مكونات نفسك الشعري ؟ تحديداً، كيف لشخص مثلك أن يصبح شاعراً، ورقيق الشعر، في عالم يزداد اتسامه بالعنف ؟
يزداد عنفاً هذا العالم. هذا صحيح. لكن ماذا بوسع الشاعر أن يفعل من مواجهة هذا العنف. ليس سوى كلمات. كلمات صغرى لا تقوى على قتل عصفور لكنها كلما لا تموت، حتى بعد موت الشاعر. بهذه الكلمات أستطيع أن أجعل العالم جميلاً، طرياً، جديراً بأن يعاش. حتى في الذر وات الكثيرة من التشاؤم التي أمر بها (وهذا يحدث كثيراً هذه الأيام) أكون قادراً بالشعر أن أفتح نوافذاً في هذه الغرفة المعتمة. إن حياتي الخاصة عاطفية جداً. ولأن كتابة القصيدة هي لحظة عاطفية جداً فإن الشعر هاجس يومي في حياتي. لا أكتب كثيراً. لكن لا يفارقني الشعر لحظة. ولعل الرقة التي تتحدث عنها هي نتيجة لتجاربي الخاصة. حيث كل شيء يشحذ مشاعري. تماماً مثلما تشحذ الحروب الكثيرة شفرة السيف فيصير رهيفاً. في هذه الحالة يمكن أن يصير هذا السيف وتراً.. ويغني. هل قلت شيئاً مفيداً ؟
* ربما.. ما مشاريعك الشعرية المقبلة ؟
لدي الآن ثلاث مجموعات شعرية جاهزة للنشر. طبعت المجموعة الأولى منها منذ فترة وهي بعنوان "قلب الحب". والثانية "المرآة" ثم مجموعة ثالثة اسمها "انتماءات". وكل واحدة من هذه المجموعات تختلف عن الأخرى من حيث طبيعة التجربة والشكل الفني. هناك أيضاً مشاريع أدبية أخرى قيد الدرس والمراجعة.
* لأن البحرين، وأدبها، بعيدان عن الإعلام العربي، هل لديك أن تحدثنا بعض الشيء عن المناخات الثقافية البحرينية ؟ عن الشعراء والكتاب والمسرح والاهتمام السينمائي ؟
في البحرين حركة ثقافية وأدبية متميزة ونشطة. فمنذ بداية السبعينات أخذت الحركة الأدبية تتوضح ملامحها. وتطرح تجاربها بصورة متواصلة وتنشط أسرة الأدباء والكتاب في البحرين منذ تأسيسها عام 1969. وهي تضم كل الأدباء الذين يتصلون بالكتابة والأدباء ومن أعضاء الاسم نستطيع أن نتعرف على الأسماء التالية : مثلاً على صعيد الشعر نشر علي خليفة أول مجموعة شعرية حديثة عام 69 وبعدها تتالت المجموعات الجديدة بأسماء الشراء مثل علوي الهاشمي ويعقوب المحرقي حمدة خميس وعلي الشرقاوي وسعيد العويناتي وعبدالحميد القائد وهناك أسماء أخرى ما زالت تنشر قصائداً دون أن تطبع كتباً. لكن المهم أن معظم التجارب تعبر عن تطور فني ورؤيوي مثل أفضل التجارب من الشعر العربي الحديث.
ومن صعيد القصة نجد أمين صالح ومحمد عبدالملك وخلف أحمد خلف وعبدالله خليفة وعبدالقادر عقيل ومحمد الماجد وأصوات جديدة أخرى. وهنا أيضاً سنكتشف أن القصة القصيرة في البحرين قد قطعت شوطاً كبيراً مستفيدة من كل الأشكال العالمية في هذا الفن. كما أن تجارباً في الرواية ما زالت لم تنشر بعد.
وهناك النشاط المسرحي أيضاً، ففي البحرين تجربة مسرحية تمتد إلى خمسين عاماً من التاريخ. وإن كانت المحاولات المسرحية الراهنة متواضعة قياساً لمثيلاتها في البلاد العربية، إلا أن هناك طاقات مسرحية مهيأة لأن تحقق أعمالاً جيدة إذا ما تيسرت لها الظروف المناسبة. والشباب العاملين في المسرح لدينا بينهم من يتابع بدقة وحماس كل ما يحدث في مجال المسرح العربي من تجارب وحوارات مسرحية. ولهم اطلاع لا بأس به ضمن المسرح العالمي أيضاً. وقد شاركت بعض الفرق في مهرجان المسرح في دمشق أكثر من مرة. إنما ما يجري في البحرين من محاولات وطموحات هو المهم. والأكيد أن حركتنا المسرحية تحتاج لمزيد من الاحتكاك والخبرة بمثيلاتها من البلاد العربية. والخبرة هنا ليس بالضرورة بعروض مسرحية متبادلة فقط. ولكن بلقاءات ونقاشات تتناول قضايا المسرح وهمومه.
بقي أن أقول أن للسينما اهتمام جاد لدى بعض الشباب وهناك العديد من الدراسات والمقالات النقدية التي تبحث في السينما وظاهراتها واتجاهاتها ومخرجيها. ويمكننا القول أن الفن السينمائي أصبح يأخذ حيزاً ضمن ثقافة جمهور لا بأس به من القراء.
ولعل من المهم هنا الإشارة إلى الفن التشكيلي في البحرين حيث تتوفر العديد من النشاطات التي تقوم بها أكثر من جمعية تضم الفنانين التشكيليين. حيث تقام معارض جماعية وفردية وندوات، كما أن هناك معرضاً سنوياً كبيراً يضم كل فناني البحرين تقريباً تشرف على تنظيمه وزارة الإعلام.
* لكن لماذا تظل كل هذه النشاطات بعيدة عن متناول القارئ العربي خارج البحرين؟!
هذا السؤال ينبغي أن تهتم به الصحافة الأدبية العربية بعيداً عن كل اعتبارات. وتعيد النظر في موقفها السلبي من النتاجات الأدبية التي لا تأخذ طريقها للنشر حين ترسل إليها. فإن هناك كثيراً من القصص والقصائد أرسلت لبعض المجلات الأدبية العربية دون أن تلقى الاهتمام المناسب بسبب من كون هذه المجلات لا تلتفت إلا للأسماء اللامعة والبارزة. أن التي تحصل على تزكية من شخصية أدبية كبيرة، وهذا ما لا يتوفر لدينا، وليس في نيتنا أن نسعى للحصول على تلك التزكية التي لا تليق بالأدب ولا بالثقافة.
المسيرة _ بيروت _ ع 8 _ 1980
|