لقاءات

مثل طفل فقد أستاذه الأثير

حزنت لغياب نزار قباني

مجلة الكويت - الكويت
حمدة خميس

س / موت الشاعر نزار قباني، نثر الحزن على الجغرافية العربية دون استثناء لبقعة أو أحد، المختلف معه والمؤتلف، المأسور بشعره والمحايد. فهل أن الحزن كان بسبب موت إنسان تعرفه، أو سمعت عنه، أم بسبب أنه شاعر، أم لأنه نزار قباني بالذات؟

# حالة الفقد عندما يصاب بها الإنسان لا تكون قابلة للتفسير في معظم الأحيان. والإنسان العربي بوصفه مرشحاً دائماً لفقد مستمر، يبدأ من التفاصيل اليومية حتى الأحلام المصيرية الكبرى، سيجد في حالة فقده شاعرا مثل نزار قباني حدثاً يفجّر مكبوته المسكوت عنه في هذا الواقع المكتظ بالمصادرات المركبة. وشاعر مثل نزار قباني شكل في الثلاثين سنة الأخيرة خصوصاً معبرا علنياً عن حركة الروح العربية المضطربة والمحاصرة والمحرومة من كافة وسائل التعبير على الإطلاق لابد له أن يمثل جزء من تكوين البنية العربية العامة. نزار قباني لم يكن شاعراً عابراً في تاريخ الذاكرة واللغة العربية. وليس في وارد الكلام (لحظة الفقد) التوقف عند تفاصيل الاختلاف والإتلاف مع الشاعر. فهذه ظاهرة طبيعية. اذكري لي شاعراً حقيقياً لا تشكل تجربته موضوعاً خلافياً عميقاً ؟ هذه هي حقيقة الشاعر. نزار قباني كان شاعر الجميع بامتياز. بل أن كل شخص من الجميع يمكن أن يخالجه شعور أن نزار شاعره الخاص، صديقاً حميماً غير معرض للفقد. إن الذهاب لتفسير ظاهرة الحزن على الشاعر في المطلق، وشاعر مثل نزار قباني خصوصاً، مبالغة غير مستحبة لطرح استغراب من هذه الظاهرة. بالنسبة لي، لقد حزنتُ لغياب نزار قباني مثل طفل ذهب إلى المدرسة في الصباح ليجد أستاذه الأثير قد مات. هذه هي المسألة باختصار بسيط.

س / من وجهة نظرك كشاعر مبدع يعرف لعبة الكتابة وسحرها، هل ثمة خصوصية في تعامل نزار قباني مع اللغة لعربية/ مع اللغة الشعرية العربية/ مع الوجدان العربي بمحموله الكلي/ وكيف تفند هذه الخصوصية؟

# لماذا يتوجب علىّ ( مثلاً ) تفنيد هذه الخصوصية؟
هل ثمة نزوع (في السؤال) لاستنكار هذه الخصوصية ؟
في تجربة نزار قباني ما يمكن وصفه بالعلاقة الخاصة بين الشاعر واللغة. علاقة جعلت نزار قباني، على مدى خمسين عاماً، يلقن اللغة العربية طريقة جديدة ومبتكرة في الكلام عن الحب لم تعهده الشعرية العربية من قبل. والذين ظلوا يطرحون الكلام طوال الوقت عن التكرار والاستعادة في لغة نزار قباني، غاب عنهم السر العميق في خصوصية علاقة الشاعر مع لغته. فليس من المتوقع من شاعر مثل نزار أن يشبه شاعراً سواه. وليس سهلاً أن يتميز شاعر بلغة متميزة طوال حياته، بحيث أن القارئ يمكنه أن يدرك صاحب القصيدة بدون أن يعرف مسبقاً أن كاتبها هو نزار قباني. أقول ليس سهلاً، لئلا يتسرع البعض بوصف هذه الخصوصية بأنها سهلة اللغة. فمن قال أن على الشعر أن يكون مثل غيره دائماً؟ ففي التنوع الواضح بين تجارب الشعراء ضرب من السحر علينا أن نؤمن به ونحترمه كخصوصية متناهية الجمال. أما عن علاقة تجربة نزار قباني بالوجدان العربي فإنها علاقة يتوجب دراستها باعتبار أن للشعر قوانين لا تنفصل (عمقياً) عن قوانين وطبيعة الحياة. إن كان في درجة الغموض والاستعصاء هنا، أو في طبيعة الوضوح والمباشرة هناك. وهي قوانين متاحة للجميع، دون أن يحسن البعض التعامل معها بمواهب قاصرة ومبررات تخرج عن حدود الإبداع. لم يجرب شاعر عربي معاصر التعامل مع وجدان الإنسان العربي بالصيغة التي ابتكرها نزار قباني، وإذا حدث أن البعض حاول تقليد نزار سيكون قد فشل سريعاً، لكون الموهبة التي يتميز بها قباني لا يتوفر مثيل لها عند الآخرين. قد تكون هناك مواهب شعرية عالية ومتطورة وباهرة في الجمال وتضاهي نزار قباني، ولكنني أعني إن أحداً لا يستطيع أن يضاهي نزار في صيغته الخاصة.

س / ما هو المرتكز الأساسي لهذه الجماهيرية الاستثنائية التي يحظى بها نزار قباني في الذاكرة العربية، التي تعاني مما يشبه القطيعة بين الموروث الشعري التقليدي والحاضر الشعري الحداثي؟

* أحب أن أختلف مبكراً مع ما يقترحه نصف السؤال. فإنني لا أجد ما يشبه القطيعة بين الذاكرة العربية والموروث الشعري التقليدي. على العكس إن مشكلة الذاكرة العربية أنها متصلة (بثبات كبير) بالموروث الشعري التقليدي. أكثر من هذا يمكننا القول بأن من أهم وأجمل المرتكزات الأساسية لجماهيرية نزار قباني أن أحد أخطر الذين يدركون سر الذائقة الشعرية التقليدية في الذاكرة العربية. وعلى هذه الذائقة تقوم العمارة الشعرية لتجربة نزار قباني ذاهبة لأكثر الحقول حداثة (بالمفهوم الحضاري اجتماعياً)، لكي يمسّ الكوامن المألوفة بلغة شعرية غير مألوفة. وهنا يتوجب التنبيه أن الذائقة الشعرية أمر يختلف عن اللغة الشعرية. أما الحديث عن الموروث الشعري الحداثي وعلاقة الذاكرة العربية به، فإن هذا موضوع آخر.***

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى