هذا ليس قبرا إنه ضرب من الأمل
* ابتداء لماذا ثلاثة كتب بين غلافين، أليست جرعة متقدمة لقارئك؟ وافتئات على كتابين ينبغي أن يأخذا تفردهما؟ أحدثنا عن أزمة النشر، وإتجاهك إلى النشر خليجيا؟
ليست ثلاثة كتب دعك من التسميات التي ترد في الكتاب فالتسمية هنا لا تعني كتابا بالمعنى التقني ، ولكنها ترد هنا بالبعد الروحي للنص الشعري هذا الكتاب عمل شعري واحد لابد للقارئ أن يكتشف هذا من خلال القراءة و حين أشير إلى تواريخ مختلفة لكل كتاب، فسوف تلاحظ التقاطع الزمني بين النصوص الثلاثة هذا التقاطع الذي ينبغي أن يشير (شعريا ) إلى تقاطع في التجربة والشعر معا وربما إصرارى على تثبيت إشارة التواريخ ذهاب واضح لتأكيد ذها التقاطع.
لذلك فإن هذا الكتاب تجربة واحدة ممتدة في الزمن و النص في آن واحد وهذه طبيعة تقترحها التجربة الجديدة التي أعيشها في السنوات الأخيرة ولعلك تعرف القلق الذي كان يساورني كلما فكرت في الطبع بين وقت وآخر لقد تبلورت تجربة هذا الكتاب مع الوقت وليس في الأمر ما يتصل بأزمة النشر التي لا يجب أن تعني الشاعر بهذا المعنى كما أن نشر كل نص من الثلاثة بمعزل عن الباقي لن يكون له معنى بل أنه لن يكون مفهوما بالشكل الذي أحب أن يتصل به القارئ وفي سؤالك ما يذهب لتقليص تجربة الكتاب في مجرد ( أزمة نشر ) إضافة إلى أن ميلي إلى نشر كتبي هنا أو هناك في هذه المنطقة إنما هو رغبة غامضة في الإتصال بجذوة روحية لا علاقة لها بالجغرافيا وإنما هي شغف بالتاريخ.
كما أنني لم أكن في وقت من الأوقات أصدر عن وهم المكان إن كان في الشعر أو في النشر وكما ترى ، فإن الإبداع يستطيع أن يصل إلى مكانه الحميم، مهما بعدت مصادره.
*في مقدمة سفرك طلبت الصمت أهي دقيقة الحداد قبالة قبر ليس هو قبر ابن منظور بالتحديد؟
وفي الغلاف الخلفي نص الأرجوحة بين العدو اليومي والخصم المؤجل بخلفية لقاسم الساهم يتفكر في من يلهو بكتابه ويضع الملح في الجرح وكأنه التأبين .. صمت وتأبين ماذا كنت تهخيء للقارئ، تذهب به، تدفعه إليه ؟
ثمة ما يربك في السؤال، ليس لصعوبته،ولكن لإقتراح مفهوم مباشر لأشياء النص الشعري في الكتاب فليس الصمت الذي أعنيه صمت يتصل بما بعد الموت ، أي القبر أو غير ذلك وليس القبر هنا صدور عن الميثولوجيا التي ترسبت فينا ثقافيا ، كما أن الصورة ليست لشخص يشهد على الماضي أو الحاضر، أنه نص بالدرجة الأولى. نص يرى إلى المستقبل خصوصا لذلك فإن المربك في السؤال أنه يقترح أن نرى في القبر مدعاة للصمت و التأبين وأخشى أنني لم أحسن التوصل إلى ما يذهب إليه السؤال، لئلا أقول عن إرتباكي فحسب
أما عن الذي كنت أهيئه للقارئ، فلم أكن أهيئ شيئا ، لقد كنت أبحث عن الأشياء في الآخر
*قبل كل كتاب من الكتب الثلاثة كتبت تاريخ الإنجاز، لكن، عن إنجاز هذا النص ماذا عنيت بالنص المفرد و المتحقق أمام القارئ جملة من النصوص لي تصوري عن جماع التجربة المفردة المناخ.. واحدية الرؤية.. ما تعليقك ؟
قلت لك عن مسألة تدوين التاواريخ وبوسعي أن أصغي لتصورك عن جماع التجربة وبعد ذلك قد لا يكون لي تعليق مهم ، غير أن ثمة قارئ خاص يستطيع أن يرى في التجربة الأشياء التي لا تدور على بال الشاعر، هل يحلم الشاعر بأكثر من هذا ؟
استتباعا للسؤال الآنف، أو تنويعا له يلاحظ أن فهرس المكابدات الكتاب الأول، مكون من مقاطع بلغت 160 مقطعا على حين أن بعضها نشر مجموعا تحت عناوين مثلا مرح القتلة، نقض الفيزياء ماذا أردت بهذا التذرير التفكيك لأدغال الجسد/ النص/ الليل في فهرس المكابدات/ قاموس الألم ؟
وربما تكون قد لاحظت أيضا أن عددا كبيرا من النصوص التي نشرتها في سياق مثيل، هي نصوص لم ترد في فهرس المكابدات بمعنى أن حالة التشظي التي يعبرها الشاعر لا حدود لها ليس في الشكل فحسب ولكن في النوع أيضا لا أقصد تفكيكا تشير إليه، إنما كانت تجربة منسابة على هواها تأخذني أينمت أرادت، ولكن في اللحظة التي أقرر فيها صياغة النص فإن الأمر يتطلب نظرا صارما يستدعيه الشكل الأخير لكتاب التجربة. إنني أشعر حقا بحالة التشظي في الحياة، وربما يعيدنا هذا الحديث إلى كتاب كامل سبق أن صدر لي بعنوان شظايا ألا نستطيع أن نقترح فهرسا مبكرا للمكابدات بدأ فنيا من هناك، مع إختلاف في الطبيعة ؟
*يبدو أن السؤال الآنف لا يريد أن ينتهي عن عمارة فهرس المكابدات قيل عن شاعر ذي قامة مديدة أنه مصاب بقلق الإكتمال فيعيد النظر و التعديل في كتبه المطبوعة لا أعرف لماذا و أنا أنظر إلى عمارة فهرس المكابدات الطليقة في مقاطع وشذرات وشظايا، أشعر أنك مصاب بداء نقيض هو قلق اللاإكتمال تسعى إليه وتتشبث
من يستطيع الزعم أنه مكتمل قبل أن يموت ؟ أخشى أن لديك إنطباع فني يبالغ في النظر إلى النص بوصفه حالة قابلة للإنتهاء إنني أذهب إلى عكس ذلك تقريبا غير أنني أصدر عن شعور عميق ودائم بأن الكتابة هي قيد التحول مادامت موجودةووجودها يتمثل في كونها قابلة للحياة مثل الشخص. وعندما كنت أعد هذا الكتاب للطبع طوال السنوات التي تعرفها جيدا لم يخالجني شك بحق نصي في الحياة بقدر الحق الذي تتطلبه حياة الشخص وإذا كان القلق الذي تشير إليه دفع النص و الشخص إلى وجود إشكالي، فإن هذا من طبيعة حقنا في الحرية
*قاسم السؤال له أحفاد، في سيرة النص قلت عن النص ليس بهذا الشكل ولا بشكل آخر وهنا فهرس المكابدات سيد شكل الذي لا ينحني للشكل وابتهلت، إلى من ليس كمثله كما في صلاة أيها الموت ترى إلى النهاية ولا تصل إلى النص قاسم الذي ذهب في بطن النص كما ذهب يونس في بطن الحوت كيف هو وجهك في تقل به وكيف هي اليدان في شهوة النيران والتجارب ؟
أنا مثلك أسأل أنا مثلك أذهب إلى النص ولا أصل نحن جميعا في حوت هائل عظيم يسمونه الحياة لا أحد منا يعرف تقاطيعه بالوضوح الذي يعرف به غيابه نحن مفقودون في سديم يزعم أنه نصنا الأخير أنظر كيف يتفجر الغموض في سؤالك أنظر كيف يحلو لي أن ألجأ إلى غموض أحلم بتوضحه في نهاية هذا السطر دون أمل أتمنى عليك أن تصدق عندما أقول لك أنني حقا لا أعرف شيئا يسعفني على اليقين بأن ثمة أمل في نهاية النص، و العذاب المضاعف أنه ليس ثمة نهاية لنص كما سبق أن قلت في مكان ما
*أتجرع لك اليأس وأقول أنه الأمل نحن مروجو اليأس ولا أمل فينا فينا اليأس اليأس ولشيوخ الأمل أن يتقفصوا عليه سمعنا عن تفائل الإدراة وتشائم العقل، وسمعنا عن بيض الأماني التي فنيت وظلام الليل ليس بفاني ونريد أن نسمع منك لماذا نقد الأمل وتمجيد اليأس ؟
يكاد اليأس أن يكون هو ( أملنا ) الوحيد في هذه اللحظة من تاريخنا الإنساني
ثمة حالات متقاطعة لمفهوم الأمل واليأس الذي أصدر عنه أو أذهب إليه أنني نثرا ضد الأمل الرائج الذي هو يأس صراح يريدون لنا أن نعتبره مستقبلآ مفتوح الأشداق مثل وحش
و(شعرآ ) أرى أن من حقنا الدفاع عن حرية اليأس في هذا الواقع إنهم يخشون يأسنا لأنه الفضيحة الكونية لكل مشاريع ( أملهم) ، وفي الشعر يشكل اليأس الزهرة التي ينبغي أن نصغي لكلامها العميق وهي تنمو وتزدهر بصعوبة مختلجة بكل أحلامنا ففي الواقع لا يستطيع شخص الزعم بأن ثمة أمل في كل هذه المنظومات ومشاريعها فالشمس أما أن تكون موجودة أو لا تكون لقد كانوا طوال الوقت يحاولون إقناعنا (على طريقتهم المتفاوتة العنف) بأن الشاعر هو من يبشر بالأمل ويروج له، فيما كانو يقتلون الشاعر وينفونه ويزايدون عليه
لقد تأكدنا مع الوقت بأن الشعر ( عمقيا ) هو النقض الكوني للأجوبة الجاهزة المستقرة التي تصادر كل سؤال يطرح شكا في مشاريع الأمل الرائج من هنا أعتقد بأن ( نقد الأمل) هو أحد المقترحات التي يتوجب علينا التأمل في إحتمالاتها المفتوحة على أفق شاسع من الأسئلة
*تقابل بين الحب و الإنتكاسات في هاوية القفد/الخسران/ الموت/ الغرق كل هذا الأسوداد و التوجس ما الداعي ؟
ربما لأن الشاعر يرى بأن الحب هو قبر أيضا غير القبر هنا ليس نهاية الأشياء،كما تقترح علينا الميثولوجيا ( أو بعضها ) كما أن الإسوداد و التوجس عطفا عى حديث الأمل و اليأس هي واحدة من طبيعة الشاعر في مجابهة حياة جديرة بالمزيد من الشك و النقد و النقض أيضا
الحب ، بأشكال أخرى، هو واحد من تجليات الأمل الحميم الذي يبتكره الشاعر لنفسه، ظانا أنه قادر على مقاومة الموت به
وعندما يصادف أن يتحول الحب إلى ضرب من الشراك، فإن في الأمر ما يستدعي الثقة في ذلك الشك. فالشك في الشراك موهبة لابد للشاعر من مغالبتها
*في يمشي مخفورا بالوعول عام 90 كلما أرخيت أحلامي على حجر مشى
في فهرس المكابدات عام 97 كلما وضعت يدك على حجر ، إنتفض، وأخذ طبيعة الطير وشكله
لماذا المسافة ( متكلم - مخاطب ) ترى ، ولماذا تختفي الأحلام رغم الهجس بها و الإلحاح ؟
إذا رأينا إلى المسافة الرؤيوية ، قياسا إلى المسافة الزمنية التي تفصل بين التجربتين، يمكن أن نجد تلك التحولات العميقة في اختلاجات الشخص منعكسة على تبلور النص ويمكن أن نجد خصوصا المعنى الكوني لهذا الحجر القادر على التحول هو الآخر، من طبيعة الحلم إلى طبيعة الطير، دون أن تغيب عن بالنا العلاقة الرمزية بين الحلم و الطير، منذ حجر هابيل الذي دله عليه الغراب وهو طير ،إلى حلم فريد الدين العطار و(سيمرقه) في منطق الطير
لا شيئ يخلو من الدلالة إذا نحن منحنا أرواحنا حرية المخيلة ينبغي فحسب أن نرى إلى الحجر بوصفه طائرا محتملا ، أكثر صراحة منا
*تقول الشاعرة الألمانية أولي كومندا ولامرة كل شيئ يقال شيئ ما ثمين يبقى دون اكتفاء، ولا يموت فماذا يقول شاعرنا بعد أن أعد القبر ( قبر قاسم ) ؟
هذا ليس قبرا إنه ضرب من الأمل
جريدة الرياضي-السعودية
عبد الله السفر-1997 |