مالم ينشر في كتاب

نص على نص

"سيد جمال الليل" و الآخرون
شكراً لعبوركم العاطر

خالد البسام

- 1 -

نادرون الصحفيون الذين استطاعوا النجاة من سطوة المهنة بطبيعتها اليومية و سرعة عجلتها الخبرية، المجردة من التأمل في غالب الأحوال.

وعندما تصادف صحفياً يتجاوز طموحه البعد اليومي، و يتوفر على موهبة تنزع إلى الكتابة الأدبية، فمن المحتمل أن تحصل على تجربة تخرج عن حدود " الجريدة " العابر، إلى شكل " الكتاب " الزائر.

- 2 -

خالد البسام، جاء إلى الصحافة [في منتصف السبعينات، قبل تخرجه الجامعي] مأخوذاً بالكتابة القصصية، و وكان يكتب قصصاً قصيرة جداً، كمن يدرب موهبته على طيران صعب. لكن سرد الحكاية هو الذي يأسره. قلائل يعرفون عن محاولات خالد البسام القصصية المبكرة، وعندما كنا نشبعه تقريعاً (سميناه نقداً أدبياً) لم يكن يهتم، ربما لأن طموحه يتجاوز أوهامنا، فقد كانت الصحافة تستحوذ عليه في غفلة منا، إلى أن دخل مجالها العملي و اجتاز العديد من التجارب، ليصبح ضمن كوكبة شابة من الصحفيين متنوعي الأساليب، و الذين يمنحون الصحافة في البحرين، في السنوات الأخيرة، نكهة خاصة لم تزل تعلن عن نفسها.. مثل دخان البراكين.

- 3 -

لا أعرف السبب الذي يجعلني أستحضر حكاية النملة و الجبل كلما قرأت لخالد البسام إنجازا من منجزاته الثقافية المتصلة بالتاريخ، و التي تتجاوز حدود الشرط الصحافي السريع. ربما لطبيعة خالد الهادئة، و اعتياده على العمل الدؤوب الصامت، و تصديه لأكثر المجالات الثقافية تطلباً للصبر والسهر. و هذا ما سيميز عمله الذي اتصل في السنوات الأخيرة بما يشبه التأريخ دون أن يزعمه، وما يتجاوز التوثيق دون أن يستهين به.
فقد كان لدي خالد البسام اهتماماً مبكراً بالمعرفة التاريخية لتراث المنطقة الثقافي و الاجتماعي. أقول اهتماماً و أكاد أشعر الآن كم كان عشقاً حقيقياً للاكتشاف يجعله يفرح مثل طفل كلما تمكن من التوصل إلى معلومة عن قضية أو شخصية قديمة. حتى أنه عندما حدثني عن (سيد جمال الليل) للمرة الأولى منذ سنوات، اعتقدت أنه صديق شخصي له.. لولا أنه استدرك ليقول.. " لا.. إنه رجل جاء من اليمن في بداية القرن ليشتهر ببيع العطور و كان متصلاً بالثقافة بشكل ما. "

- 4 -

و راق لخالد أن يوظف ولعه بسرد الحكاية في مجال بكر بالنسبة لواقعنا الثقافي. وراح يطور تجربته في التحقيق الصحافي القائم على البحث والتنقيب من جهة، وعلى المواجهات الشخصية من جهة أخرى، لكي يقدم لنا مشهداً أدبياً لواقعة تاريخية، بأسلوب يجمع بين السلاسة والعمق والحس المعرفي، مما يسعفه في وضع الحدث في سياقه التاريخي، كاشفاً لنا ما سوف يفوت الكتاب التقليدي والقارئ المدعي.
إن موهبة الحفر المعرفي التي يتميز بها خالد البسام هيأت لنا معرفة العديد من الجوانب الخفية في المشهد الاجتماعي لأوائل هذا القرن. ليس عن رجال البحرين فحسب، و لكن عن العرب الذين ساهموا في تأسيس
اللبنات الحديثة لما يمكن أن نطلق عليه النهضة الاجتماعية.
وفي كتابه الأخير (رجال في جزائر اللؤلؤ)، يضع خالد البسام أمامنا رجالاً جاءوا من أقطار عربية مختلفة في الفترة بين نهاية القرن الماضي و بداية القرن العشرين ليسكنوا البحرين.. و يسهموا في مجالات اهتماماتهم، ويصوغون عشقاً للأرض و الناس في هذه المنطقة.
وسوف يتنوع هؤلاء الرجال بشكل ملفت، لكي يتاح لنا [الآن] أن نرى التقهقر الهائل الذي حققته لنا، بامتياز، النظريات الوحدوية على صعيد الواقع.. الذي وقع. و التنوع الذي يشير إليه كتاب خالد البسام يجعلنا نجد (مقبل الذكير) الذي نزح من نجد في الجزيرة العربية لكي يصبح أحد أشهر تجار اللؤلؤ في البحرين، و مشاركاً في بواكير النشاط الثقافي، مؤسساً لجمعية ثقافية و مراسلاً للصحافة الأدبية المصرية آنذاك، و متحمساً لحملات التبرع للشعوب الإسلامية في تركيا و مجاهدي ليبيا. كما نجد الصحفي الفلسطيني (توفيق دجاني) و (حافظ وهبة) المصري الذي صار جزءاً من تاريخ التعليم النظامي الحديث في البحرين. والسوري (عثمان الحوراني) المدرس الذي لم يتردد في مشاركة الوطنيين البحرينيين صراعهم مع سلطات الاستعمار البريطاني. و الكويتي (خالد الفرج) الشاعر الذي جاء من الهند بخبرته الثقافية ليستغرق في الفعاليات الأدبية ومنها توصيل معاناة الشعب في البحرين إلى الصحافة المصرية، و يكتب شعراً يقلق الوجود البريطاني في البلاد. و اللبناني (أمين الريحاني) الرحالة الشهير الذي زار البحرين وكتب عنها الكثير. والكويتي (عبدالعزيز الرشيد) و الفلسطيني نوح أفندي إبراهيم. و العراقي الأرمني (كارنيك جورج ميناسيان).

وسوف نجد في الكتاب أيضاً التفاتة طريفة للساعات القليلة التي قضاها جمال عبدالناصر في مطار البحرين، هندما كان في طريقه عائداً من مؤتمر باندونغ عام 1955. و عن زيارة أنور السادات في نفس السنة للبحرين، عندما حمله جمهور المستقبلين على أكتافهم في يوم ممطر ليتعثروا به ويجد نفسه منكباً على أرض المطار المليئة بماء الأمطار و بقايا الزيت، ويغادر بمشاعر سلبية لم ينسها الذين حضروا الحادث.

- 5 -

خالد البسام، على هيامه بالتوثيق والتأريخ، فانه يفعل ذلك بهدوء كبير، وبعيداً عن الضجيج، و دون أي ادعاء. ربما لأنه يفعل كل ذلك بدافع ذاتي يجعله سعيداً لما يفعل. ففي عمل مثل هذا يشعر خالد أنه يحقق شيئاً يحبه، شيئاً يتصل بالجانب الآخر من المشهد الذي يعتني به التاريخ الرسمي، التقليدي، المتزمت. ذلك التاريخ الذي لا يتوقف عند التفاصيل، في حين أن اجتهادات علمية كثيرة تؤكد يوماً بعد يوم أن ثمة تفاصيل في السياق التاريخي ربما كان لها تأثير خاص لا ينبغي الاستهانة به.

إن التفاصيل التي يستحضرها الكاتب و يعيد بها تركيب المشهد التاريخي الحديث، من شأنها أن تدرب سليقة جيل جديد من الشباب لكي يستعيد الثقة بنفسه، ويشعر أن ما يفعله الآن، و إن كان بمعزل [أو معزولاً] عن السياق الرسمي أو الإعلامي، فانه يشكل لبنة أساسية في بناء المستقبل.
لقد ساهم هذا الكتاب في وضع البحرين في سياقها العربي، مؤكداً أنها لم تكن في يوم من الأيام مجتمعاً مغلقاً أمام العالم، و هي أيضاً لم تكن مقطوعة عن روح النهضة العربية الحديثة بشتى تجلياتها.
في تقديرنا أن خالد البسام في مثل هذا الكتاب إنما يستحضر العناصر والحوادث و الشخصيات التاريخية ويقدمها بحجومها الطبيعية، في واقعها ذاك، دون مبالغات أو تزييف، و هو عندما يحافظ على هذه الميزة سوف ينجو من التطلبات الإعلامية التي يجري نصبها كأشراك أمام مثل هذه الاجتهادات.

- 6 -

نريد أن نقول لخالد البسام شكراً،
حكاياتك تولد الدفء فعلاً،
وعندما تقول إن " الكتابة مودة العروق و الأوراق " فأن هذا صحيح، لأنه دأب النساك الذين لا يفقدون اليأس من.. يأسهم.*

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى