هيئوا غبطة للطفولة
غريب ، و يبدأ منه الشريط الترابي
يأخذ من شاطئ الحلم قوقعتين
يمسك واحدة و يوشوش :
أنت هو
طائر رافقته الفصول
يقود المراكب نحو الدخول
يجر لنا الشمس بالأحصنة
يمسك قوقعة و يوشوش :
أنت هي
طفلة تستفز الصباح
ترافق للرقص أنشودة ترتدي سوسنة
غريب ، و يبدأ منه الشريط السماوي
يأخذ قوقعتيه و يصعد
فيبدو كأن المدى قبرات
كأن الندى يحتس قهوة في الحدائق
يبدو كأن الصدى كوكبات
فيبكي محمد
يلبس ريش العصافير ، يحمل قنديله ثم يصعد
يمر على ساحل أزرق لا يحد
فيضحك
و كان محمد نجما يغيب و يبدو
و كانت طفول تلون سجادة الريح
تمشي قليلا و تعدو
و كان الغريب المعلق بين الشريطين يفنيه شوق و يحيه وجد
يوشوش :
كان الصدى طائرا كالغناء ،و يرقص
كانت طفول ، فجاء محمد يشدو
غريب ، و في الغيب بُعد
فهذا الشريط السماوي جزر
و هذا الشريط الترابي مَــد
محمد يغمس إصبعه في الغيوم ليرضع من حبها غفلة
و ما كان غيما ،
و لكنه في اللقاء السماوي نهــد
كان الغريب يلملم أحزانه و يعد
يسير بطيئا ، و من شوقه سـوف يعدو
يغادر خطوته لهفة
يشد عليه التريث .. لكنه لا يشـد
يوشوش حينا،، فيفجع : في الغيم رعـد
و يهلع : هذا محمد أسأله فيرد
و يولع : هذي طفول
و أعرف فيها الطفولة امرأة تستعد
يمد يديه .. يكاد
و لكن في الأفق أسلحة تستبد
يقبل عينا و يهرب خــد
غريب يـود
فيلبس أشجانه و يسافر في الحلم
يركض خلف الفراشات
يجلس في غفوة
يراود في الليل غيم و يمنع في الصبح قيد
فيبقى غريبا يود
لو أن الطفولة تغمر هذي المسافات دفئا
ففي القلب برد
فتأتي طفول
تخيط سلاما و ترسم حقلا و بيتا
و تفتح ناحية للدخول
تدوزن إيقاعها وردة
و تدعو إلى الضحك شمسا و تربط ما بين كل الفصول
ترسا عصفورة للغريب
تشير إلى جهة في الفضاء
تغير أزيائها بغتة . و تنادي الفراشات
تعرف ماذا تقول
فتزرع في ساعد الطفل طفلا
و تقرأ آياتها فوق ريف الأماني
و تمزج بين النبي و بين الرسول
محمد طفل يحدق نحو الحدائق
يسبق سرب الغزالات يبغي الوصول قبيل الوصول
فيرتد نحو الصدى ليصد الأفول
و يبقى الغريب غريبا
و راياته الحزن و الوجد و الانتظار
ينام على حلمة الحلم
يصحو بلا نهر أو نهار
غريب يحار و يسأل أسئلة لا تعد
يوشوش قوقعتين و يصغي
هلوع مولّـــع
يهيئ نرجستين يمر
فيبدأ فيه ابتداء و يسطع
يوشوش حينا ، و حينا يقول ليسمع
فيطلع من زرقة الابتداء نداء الطفولة
فضاء كأن بلادي البتول
توزع عطر البتولة
ماذا تقول الطفولة ؟
محمد :
" يأتي أبي في الصباح "
و تفتح مائدة للطفولة
فتركض كل الفراشات كالأمنيات الخجولة
تجيء أسماؤك في الأغنيات ،
فيكتشف الكون أطفاله فجأة
و ماذا تقول الطفولة ؟
طفول :
" سيأتي أبي في بياض الليالي "
محمد يدفع راياته للرجولة
طير جميل و يلهج بالشوق نحو البلاد الجميلة
فضاء .. كأن السديم حديقة عرس
و هذا زفاف الطفولة
أسطورة للبطولة
غريب يوشوش قوقعتين فيدخل عرس الفضاء
و يكتب أسمائه و يخط
هل الماء شــطّ
فضاء ، كأن السديم حديقة ماء
فيغطس وزّ
و يسبح بط
و تضحك ضفدعة و تنط
و ترسم أرجوحة في الهواء دوائر ألوانها نزهة
و عطر يغير ميناءّ و يشط
غريب
و يمسك خيط المدى
كأن المدى طائر ورقي .. و خيط
محمد يجلس في شرفة كالسماء على المئذنة
و يغزل من خيمة مدخنة
فيهفو الغريب ، يمد عيونا و يهفو
يمسك خيط الصدى .. فيكاد
و لكنه كان خط
غريب ، و لكنه عالم بالرموز
فهذى الغزالة رمز و هذا الجناح الندائي رمز
غزال يرافق ضوء الكواكب يوما
و يغفو على النبع يوما
و يوما على جذع نخل يهز
طير أليف ..
و في لحظة يستفز
يحيل الخرائب حقلا
و لكنه مثل جيش -بلا قائد - حين يغزو
طفلان في الحلم
يا أيها الحلم هل أنت فرح يفز
أم أنت جرح ينز
فضاء ..
كأن السديم السماوي غصن
كأن الطفولة لوز
فتأتي أسماؤك في جوقة
كان الغناء حليب كما الرقص خبز
غريب و طفلان..
لغز هم الآن لغز
غريب ، و لكنه كالغموض الأليف
جرحه راعف
و يضحك للسوسنات ليخفي الرعيف
و يكتب للغيم أخباره
يلون للحقل أشجاره
و يرسم في الأفق ريفا
يرافق حزن الليالي و يعزف أنشودة للحنان الرهيف
يحاكي الطفولة في لغة طفلة
غريب و يحمل غربته و يغادر نحو الغرابة
يغسل أحلامه في النـدى و السحابة
و ينشرها بين خيط التراب و خيط النزيف
يزاوج بين الصدى و المدى
و يحمل قوقعتيه و يمضي ..
غموضا أليفا
سيعرف أن الفضاء خطير ..
و لكنه لا يخيف . *
سجن معسكر سافرة - البحرين يناير 1978
|