النهروان

ما أجملك أيها الذئب

(جائعٌ وتتعفف عن الجثث)
قاسم حداد

الطرق انتهت، فلنبدأ السفر

( 1 )

- إنها الشباك، الشباك ذاتها يا صديقي.
- ماذا تقول؟! إنهم يتحدثون عن شيء آخر.
- ليس ثمة شيء آخر، كل ما في الأمر أنهم يزيدون الشباك سعةً لكي تتوّهم الأسماك أنها في البحر.
- هل تعني أن الكلام لا يعني شيئاً نعرفه ؟
- لك أن تتخيل ذلك، فإما أن تكون ضمن السمك في الوهم أو خارجاً عنه في الحلم.

( 2 )

البحر! أين البحر، لقد كان هنا طوال الوقت. التفتَ، كمن اكتشف بغتة أنه يفقد شيئاً ماثلاً. إذاً، عليك أن تتأكد من أنهم لم يعالجوا مشكلتهم مع السمك فحسب، ولكنهم أيضاً، تكفّلوا بالبحر كله!

كيف يمكن أن يختفي بحر بهذا الحجم؟! لقد كنا نمرح فيه بحرية منذ الطفولة، وكان الآخرون يتعاملون معنا بوصفنا كائنات بَحْرِية، والأرجح أنه ما كان لنا أن نكون لولا هذا البحر. لقد كان دليلاً لنا ودلالة علينا، وقيل لنا، بحق، أننا كنا طوال الوقت في أكثر من بحر، وها نحن الآن على وشك أن نعجز عن السفر في بحر واحد كان هنا. لا بأس... عليك حقاً، أن تلجأ إلى خيالك مرة أخرى، إذا كنت راغباً في السفر، وبحريّة أيضاً .

( 3 )

الطفل ينتظر عند العتبة على قارعة طريق شاسع. مرّ عليه طفلٌ آخر وسأله:
- ماذا تنتظر عند هذه العتبة أيها الطفل ؟
- أنتظر الخطوة التالية التي ستأخذني إلى البيت، لقد تمكنتُ أخيراً من بناء هذه العتبة، ولم يبق إلا أن أذهب إلى البيت.
فقال له الطفل الآخر :
- تعرف يا صديقي، لقد جربتُ ذلك قبلك، انتظرتُ على قارعةِ كل طريق لكي يأخذني أحدهم إلى البيت، وكنت قد تمكنت من العتبة والسور والحديقة وبعض المرافق الأخرى، ولم يبق من البيت سوى البيت ذاته، لكن أحدهم لم يأخذني إلى هناك، ولا إلى أي مكان آخر.
- إذاً، ما العمل يا صديقي الطفل، يا صاحب التجربة؟
- تعال، علينا أن نغادر هذه المحطات والطرق ولا نكترث بعربات لا تأتي أبداً، تعال نضع أنفسنا في مهب السفر ونذهب.
هزّ الطفل رأسه المثقلة بالهموم مثل شيخ طاعن في التجربة:
- هذه هي الحقيقة يا صديقي، فقد انتهت كل الطرق ولم يبق إلا
السفر.

( 4 )

لا تدعْ للحجرْ
ما سيبقى من النوم
ما يحلم الغائبون به
لا تدع في الحجرْ
نأمة يستقر الغزاةُ بها
رأفةً بالصورْ
لا تدع في المرايا من الحلم
إلا القناديل تأخذنا في سديم السفرْ.

( 5 )

ليست الطرق راحة للقدم
أنها غواية الخطوات.

( 6 )

تنتهي الدروب،
غير أن للمخيلة طرقاً لا يطالها إلا الراسخون في الحلم.
لذلك
سوف تنتهي الطرق
لذلك
سوف يتعب المسافرون
لذلك
سوف يتصاعد ضجيج العربات
لذلك
سوف يقتنع النحاة بفتوى الكتب
لذلك
سوف يجلس المهرجون في سرادق الطغاة
ولذلك كله
ما إن تنتهي الطرق التي طرقها الآخرون
حتى يبدأ الحالمون بالسفر
حيث المخيّلة النعمة المباركة،
التي تخرج من النوم ... لتخرج عليه.

( 8 )

"أرجّحُ أن الهواء الثقيل الذي يحمل الطائرات
سيقذف قلبي على شرفة شاهقة.
أرجّح أن الخطى الواثقة
ستخذلني ذات ليل طويل
وتمدحني الساحرات
لفرط احتمائي من النار بالصاعقة".

 

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى