النهروان

ما أجملك أيها الذئب

(جائعٌ وتتعفف عن الجثث)
قاسم حداد

لا تخدم ملوك العرب ولا تملك عبيدهم

عيناك تقطران دماً لفرط السفر، فترى معي تلك المرأة المنتظرة. وتعرف دفء الغيبوبة في حضن امرأة مثلها. كم امرأة صادفت بعدها؟! لن تقدر أن تتذكر العدد. فهو كبير. الأصدقاء الكثيرون الذين أعرفهم عندما يتذكرون أمهاتهم أو زوجاتهم، لا يقدرون إلا على وصف الملابس والوجه واليدين (وخصوصاً اليدين) لأنهم يرتبطون بالمرأة التي تقدم لهم الطعام غالباً.

إنني أجنح إلى تذكر الحضن بالذات، ذلك الحضن الشاسع، في لحظات التيه والبرد والرحيل. أشعر به يحتويني مثل جنين لم يولد بعد. وربما هذا ما يجعلني أنجو من الموت مراراً. عندما أكون في مشهد القتل. لا تكون أماً فحسب، بل التعويذة التي تتقمصني لئلا أتأخر عن العودة.

لم نعرف لها أثراً منذ سنوات، وما سمعنا بموتها، فهي على الأقل لم تمت بعد، حسب إدراكنا لمصادفات هذه السلسلة الجهنمية التي نمعن في التوغل في مجاهيلها.

ها نحن،
أمّـنا لم تمت،
وهذا مدعاة يأس أقل .

دعني، ستعرف إنني، برغم طاقتك الأسطورية على السبر والمعرفة، أكثر منك اتصالاً بمستقبل الأيام. العرافون ما كانوا ليقولوا نبوءاتهم لولا استغراقهم في الهذيان المحموم. لم يكن العقل دليلهم لكنه هذيان الأحلام. وها أنت تريد أن تدفعني عن شرفتي الملكية. تريد أن تستدرجني إلى هاوية العقل والأمل : شفير التريث.

آه لو أنك ذقت معي لذة ما استطعمه الآن، وتمتعت بحلاوة الجسد الذي أضع عليه أعضائي. آه لو أن جهنمي الحميمة التي تستحوذني هذه اللحظة مسّت شغافك لكنت ألقيتَ بنفسك تحت الأذيال المتوجة، ليتسنى لك شيئاً من العذوبة. لكنك أسيرُ شهوة الملك. موشك على التفريط بوصية أمنا.

أَتذكرُ ؟ّ! قبل أن نغادرها في ذلك الصباح الشاحب .
أنسيتَ ؟! ما كان لك أن تنسى وصيتها الأخيرة...
كانت تقول :
" لا تخدم ملوك العرب ولا تملك عبيدهم ".

وقتها كان بيتنا الطيني يعطي ظهره لملوك الروم، ويتطلع نحو السواد. لم نكن القرامطة بعد. لكننا فهمنا تماماً تلك الوصية.
الآن يصح لي أن أسميها النبوءة.

تعال إذاً...
ولا تحاول إخراجي من هذياني، عنصر حياتي الوحيد . تعال لنقرأ معاً وصية أمنا المنتظرة في مكانٍ ما، تلك الوصية التي تُرجمت إلى لغات الأرض دون أن يفهمها البشر، وخصوصاً العرب. ويراودني شعور بأنهم لا يريدون أن يفهموا. لكننا - أنت وأنا - نفهم على الأقل، وهذا يكفي. أن نتوغل في هذيان النص.. يكفي.

سترى كيف يطيب لنا الخلقُ، بدرجة ما يستهوينا الهدم. سترى أنك ما أن تكفّ عن محاولة شدّ كتفي لتثنيني عن الغواية، وتخرجني من حالة الترنح التي استعذبها، ما أن تكفّ عن ذلك، وتعمل على وضع أعضائك المعطلة على هذا الجسد الفاتن الذي يمتلكني، ما إن تفعل ذلك ولو لمرة واحدة على الأقل، فسوف .. يكفي.

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى