النهروان

ما أجملك أيها الذئب

(جائعٌ وتتعفف عن الجثث)
قاسم حداد

إبراهيم بوسعد،
هذا الوحش صديقي

( 1 )

العمل مع إبراهيم بوسعد يشبه النوم في غرفة واحدة مع سبعة نمور دفعة واحدة. فالهدوء الذي يتميز به هذا الفنان هو في الواقع القناع اللطيف الذي يحجب الجحيم النادر المتواري خلفه. وما إن تسوّل لك نفسك الذهاب إلى هناك، حيث إبراهيم بوسعد الحقيقي، حتى تشرف على شفير يتأجج، كأن جيشاً من المحاربين يكمن لك لتلقينك الدرس. وهذه الطبيعة تحديداً هي ما يجذبني إلى العمل مع هذا الوحش؛ صديقي.

ومن خلال تجربتي، فإن العمل الفني المشترك لا يحلو ولا يكون جميلا ولا يأخذك إلى المغامرة، إلا إذا كان قرينك وحشاً على شاكلة إبراهيم بوسعد. الوحش هنا، ليس نقيض الإنسان، إنما حقيقته الجوهرية، حيث الفطرة الأولى التي لا تقبل الترويض. إبراهيم بوسعد لم يخضع للترويض، ولا أظنه سيفعل ذلك أبداً.

بعد تجربتي الأولى في (وجوه) شعرت أن تلك التجربة، برغم كثافتها وأهميتها (له ولي)، إلا أن شعوراً بعدم الإرتواء (عَبَّر عنه إبراهيم غير مرة، وسكتُّ أنا عنه دوماً) خالجنا ورافقنا منذ تلك الوجوه التي كنا نعرفها واحداً واحداً .. ولا نزال.

( 2 )

الوحش إذاً هو القاسم المشترك الذي نشعر بالاطمئنان إليه، كلما التقينا. وإبراهيم بوسعد يمنحني الشعور بأنه يحلم بجديدٍ في اللوحة القادمة. التجارب العصية عليه تشحذه للدخول في غيرها. ويكفي أن أجلس معه كي أشعر بجحيمه الملتهب يتحفز لقذفي بالجمر، حتى أوشكت على الظن بأنه هو الحداد لا أنا، وإذا كانت شرارة المتصاعد توقظ الجلاميد، فكيف بالفراشات إذاً.

ناره هادئة لكنها جهنمية. قليل الكلام، لكنّ صوت ألوانه شاهقة ولا تقنع بأقل من الشموس. جنسه الجميل يمنح أحلامي أجنحة النوم وأجساد الملائكة. يوقظ الفراشات ويتركني في زمهرير اللذة. وما إن يسألني عن الحب حتى أصدق أنه يسأل عن الشيء الذي لا يسبق الحب ولا يليه. فيعرف أنني أعرف.

( 3 )

عندما اتفقنا على (إيقاظ الفراشة التي هناك) كان الوحش الصديق قد قطع شوطه الأول. كان قد ترك العالم واعتكف وحده على ما يريد. والحق أنني لم أكن أعرف ما الذي يريده تحديداً. كنت فقط أدرك أنه (مثلي) لم يرتوِ من تجربة (وجوه)، ولم يغادر شهوة فضح الشعر في حضرة الحياة. أدركت أنه يعرفني أكثر مما كنت أعتقد. بل إن معرفته بي تضاهي معرفتي به.

قالت له والدته، ذات نهار سبعيني:
- هل تنتظر إبن الحداد؟ لقد أخذوه .
تناول غداءه وحيداً، وبدأ يتجرع فقداً لم أكتشفه (معه) إلا بعد أكثر من ربع قرن.
ألم أقل لكم أنه الوحش الأصدق من البشر؟

( 4 )

بعد أيام اتصل بي قائلاً: تعال أنظر ماذا فعلت بي.
فذهبتُ إلى ورشة ألوانه، فرأيت ماذا فعل هو بي.
كنت زعمتُ أنني قد كتبت الشعر، وهاهو يزعم أنه رسم اللوحات.
أين الوحش فينا وأين الصديق؟
لا أحد يزعم أنه يعرف.
لا أحد يعرف
لا أحد.

نص كلمة المعرض المشترك (إيقاظ الفراشة التي هناك) مع الفنان البحريني إبراهيم بوسعد.

 

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى