النهروان

ما أجملك أيها الذئب

(جائعٌ وتتعفف عن الجثث)
قاسم حداد

الولع بما يستعصي
في حضور ما يستهين

(إلى الصديق خالد الهاشمي
الفنان المازح مع الشعب الرازح)

إنعاش موهبة المستقبل

ينبغي التأكد دوماً من وجود الشعر في حياتنا، لأنّ بعض السهو عن ذلك هو ضرب من الإستهانة بالحياة، وبضرورة تحقيق الجمال والعدل والخير في هذا العالم. فالشعر في العمق، هو هذا الحب في تجلياته التي لا تحصى. الشعر هو أيضاً، هذه الوسائط الغامضة التي تمنح البشر طاقة إنتاج الحياة وبلورتها وإنعاش موهبة المستقبل فيها. الشعر إذاً بوصفه فعل الخير والعدل والجمال، لا يقتصر على تجليه في الحروف والكلمات والنصوص فقط، إنه التمثل الجوهري في سلوك حياتنا وطبيعة امتزاجنا بالروح العميق لهذه التفاصيل الموغلة في البساطة والسمو في آن.

لهذا، ينبغي عدم الغفلة عن التأكد من وجود الشعر في حياتنا. فكلما فاضت طاقة الحب عن حدود الشعر في النص فقط، كلما أشرفت الحياة على احتمالاتها الفاتنة. وإلا ماذا نسمّي قصوري، في هذه اللحظة بالذات، عن التعبير عن مشاعري المرتبكة إزاء هذه الفيوض الحميمة التي يغمرني بها حضوركم وكلماتكم؟ ماذا نسمّي اندلاع الروح الصادق الذي سوف يظل يمسّ الشغاف المرتعشة ويمنح استعدادي للقصيدة القادمة قلقاً مضاعفاً؟ أليس في شعور القلق والإرتباك هذا، ما يفيض عن حدود النص ليغمر الحياة شعراً أيضاً؟
أيها الصديقات والأصدقاء،
اسمحوا لي، أولاً، أن أعتبر هذا الاحتفاء تحية رائعة يستحقها جميع أصدقائي الشعراء والكتاب والأدباء والفنانين المبدعين في البحرين، الذين ساهموا في صياغة المشهد الثقافي الحديث لهذا البلد.
واسمحوا لي، ثانياً، أن أرى في احتفائكم هذا تحية نادرة تتجاوز الشخص والمكان متصلة بجيل واسع في غمار التجربة الإبداعية العربية على أكثر من صعيد. جيل وتجربة هما الآن من مكونات حياتنا المعاصرة، وشهادة باهرة وصادقة لم يعد ممكناً لأي دارس للتاريخ العربي الحديث تفاديها أو التقليل من شأنها. فهي واحدة من التجارب الإنسانية التي وضعت الحياة العربية في صلب القلق الحضاري المعاصر. جيل وتجربة يقفان الآن بأسئلة جوهرية مطروحة على مشهد عربي لا يحتاج شيئاً في هذه اللحظة كحاجته الحاسمة لأسئلة الأمل الباقي؛ أسئلة هي من صميم طبيعة الشعر المتصلة بالأقانيم الثلاثة ذاتها: العدل والخير والجمال.

أقترح هذه الرؤية مأخوذاً بالشعر وتجلياته، واقفاً في شرفة أمل آخر. فهذا هو خيارنا الوحيد، وهذا هو تحديداً ما أعنيه بإنعاش موهبة المستقبل في حياتنا. فربما تمكّن الشعر، من هذه الشرفة، من االمساهمة في ترميم العالم الذي أفسده السياسيون، وما انفكوا.

لقد أحسنتْ منظمة اليونسكو صنعاً عندما اقترحتْ على العالم الإلتفات إلى الشعر بهذه الدرجة من الجدية والرصانة والشغف الكوني العارم. ففي هذا إشارة نادرة إلى أن للشعر الدور الأسمى في تهذيب الأشخاص والأمم في اللحظة ذاتها. فعندما كان اليونانيون يصوغون مجتمعهم الديمقراطي، كانوا يصدرون عن أجمل ذروات الشعرية الإنسانية تألقاً في لحظتهم. وعندما بدأ المجتمع البشري، بعد تلك الحقبة، يبتعد عن الروح الشعري أو يقصيها عن حياته اليومية، أصبحت البشرية في مهب انحطاط السلوك الإنساني، مرشحة للخسارات الفادحة.

من هذه الزاوية أقترح أن نتأمل الإعلان الذي أطلقته اليونسكو لليوم العالمي للشعر، مشغولة بالموضوع الجمالي المهمّش في حياتنا، بأمل أن يساعد الشعر على تلبية هذه الرغبة، إذا ما اعترفنا بالوسائط الغامضة التي يحققها الشعر بين الذوات الإنسانية، بوصفه (وسيلة لليقظة والتعبير والوعي).

وأظن أن احتفالنا في البحرين للمرة الأولى، بهذه المناسبة، في هذه اللحظة بالذات، من شأنه أن يسهم عميقاً، في طرح تلك الأسئلة الجوهرية التي سوف نحتاجها دائماً فيما نحن نصوغ أجوبة مستقبلنا على الصعيد الصغير كما الأصعدة الكبرى، متمسكين بأسئلة الحاضر عن المستقبل، واضعين سلوكنا الشعري تعبيراً عن جماليات اليقظة والوعي والتعبير.

هذا هو الشعر دائماً: قنديلنا الصغير في الظلام الشاسع. هكذا دائماً، كلما كان الظلام حالكاً، بدت النجمة الصغيرة متوهجة. لكن ينبغي التأكد من ذلك، لنصون نجمتنا، ونحرسها في ليل الله الغامر.

إن مشاعري في هذه اللحظة تستعصي على الوصف.
أشكركم شخصاً شخصاً على حضوركم الحميم، واسمحوا لي باسمكم أن أشكر وأرحب بالأصدقاء الذين شرفوا هذا الحفل بحضورهم، وأخصّ أصدقاءنا الذين جاءوا يشاركوننا هذه اللحظات الجميلة: الأستاذ الناقد صبحي حديدي، والشاعرين عبد المنعم رمضان وأمجد ناصر الذين يزورون البحرين للمرة الأولى ويمنحون هذا الاحتفال امتيازاً نوعياً، أيضاً الأديب سعد الدوسري من السعودية.

وإذا جاز لي أن أشكر الأصدقاء في أسرة الأدباء ومسرح أوال والملتقى الثقافي، فإنني أستعيد معهم تاريخاً كثيفاً من العمل الثقافي الذي اشتركنا في مشاغله جميعاً، وكان هو الصورة الأجمل من نضالنا الصادق للإسهام في المشهد الإبداعي العربي.
أما صديقي الفنان إبراهيم بوسعد، فأود أن أقول له بأن (إيقاظ الفراشة التي هناك) عمل رائع، جعلني أشعر بفرح الطفل مغموراً بأسراب الفراشات ومهرجان الألوان والطيور والنساء. شكراً له.

لقد أنشأ الأصدقاء والصديقات في قطاع الثقافة بوزارة الإعلام ورشة عمل نشيطة في سبيل تحقيق هذا اللقاء الجميل، ورشة عمل أحب أن اسميها ورشة الأمل، ولكي لا أذكر الأسماء، التي أشكرها واحداً واحداً، سوف أقول أن الأخ الدكتور عبد الله يتيم، الوكيل المساعد لقطاع الثقافة والتراث الوطني، والصديق الأعز عبد القادر عقيل مراقب الشؤون الثقافية، قد أسراني بحماسهما الدمث لفكرة هذا الاحتفال لتكريم الشعر والشعراء، ففي هذا الموقف خطوة تأسيسية لتكريس هذا التقليد السنوي في البحرين، راجياً أن يستمر ويتطور، لكي نتعرف في كل عام على تجارب شعرية جديدة.
بقي أن أختم بشكري العميق لراعي هذا الاحتفال، سعادة وزير الإعلام نبيل يعقوب الحمر، الذي أبدى اهتماماً شخصياً مبكراً بفكرة هذا الاحتفال، مُعرباً له عن تقديري الخاص وتمنياتي له بكل الخير والسلام.

كلمة الشاعر في حفل تكريمه في البحرين – 9 مارس 2002 في اليوم العالمي للشعر لمناسبة حصوله على جائزة سلطان العويس في الشعر.

 

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى