النهروان

ما أجملك أيها الذئب

(جائعٌ وتتعفف عن الجثث)
قاسم حداد

أحمد الشملان، محامي الحياة

في نهايات الستينات من القرن الماضي، عندما كان أحمد الشملان، في غمرة انهماكه النضالي، ماراً بالعاصمة اللبنانية "بيروت"، حمل إحدى قصائدي (الطوفان) إلى الدكتور سهيل إدريس مقترحاً عليه نشرها في مجلة (الآداب)، بوصفي إحدى التجارب الجديدة في البحرين. لكن الدكتور سهيل لم يقتنع لا بالاقتراح ولا بالقصيدة، الأمر الذي أدى إلى حوار محتدم بينهما أبدى فيه أحمد الشملان حماساً لم يتفهمه الدكتور آنذاك، ولم يدفع أحمد إلى التخلي عنه.

أذكر هذه الحادثة القديمة، لكي أشير إلى أمور مختلفة، من بين أهمها ذلك الاهتمام والحماس الذي كان يتميز بهما أحمد الشملان عندما يتعلق الأمر بالأدب وبالكتابات البحرينية خصوصاً، وهي مسألة لن نصادفها كثيراً لدى العديد من المثقفين المنخرطين في الممارسة النضالية طوال فترة الستينيات والسبعينيات (وحتى الآن)، الظاهرة التي ستفسر لنا دائماً الموقف المحرج (لئلا أقول المخجل) الذي يتخذه، مناضلونا من الأدب والفن، أفراداً ومؤسسات.

غير أن أحمد الشملان، لم يكن برغم انهماكه بما عرف به من الممارسة النضالية بشتى تجلياتها، متحمساً للأدب والفن فحسب، لكنه أيضاً كان بدأ باكراً في التعبير عن نفسه بالكتابة الأدبية، حيث كان منذ نهايات الستينيات قد كتب تجارب شعرية بالغة الرقة والشفافية لم ينشرها طوال الوقت، حتى آن له أن يطبع جديده مع بعض قديمه في السنوات الأخيرة من القرن الماضي.

وقد كنت أقرأ له، عبر مراسلات طويلة تصلني منه يوم كان خارج البحرين. وكان يدور بيننا حوار متشعب يبدأ بالشعر ولا ينتهي بالسياسة، لكنه في كل الأحوال يتصل بالهواجس التي كانت تستحوذ علينا معاً في حقول الهم العام.

وهنا يتوجب التأكيد على أن علاقتي بأحمد الشملان من الغنى والتنوع، بحيث يجوز لي القول دائماً بأنني قد أخذت منه درساً مبكراً في أخلاقيات المثقف المناضل، فكراً وسلوكاً. وهي الطبيعة التي سيعرفها دائماً من عرف أحمد الشملان عن كثب طوال تجربته الإنسانية البالغة الثراء والعطاء والبذل، في شتى حقول العمل. ولي معه شخصياً من المواقف التي تمس الشغاف لفرط عمقها الإنساني وتأثيرها العاطفي ودلالتها الأخلاقية.

وليست العلاقة العائلية، التي تربطني بأحمد الشملان، سوى واحدة من بين العناصر العديدة التي سأعتز بها وأمجّد بها حياتي بلا تردد. ربما لأن درس الحياة سوف يخلو من المغزى إذا لم يكن صادراً عن العاطفة وذاهباً إليها، ربما لأنني دائماً سأرى في الأدب والثقافة سلوكاً في الدرجة الأولى هو أهم من الكتابة ومزاعمها، وربما لأن النص يظل فارغاً إذا هو امتلأ بالخطاب وافتقر إلى الحب، وربما لأنني مع أحمد الشملان لا أستطيع (ولا أريد) أن أرى حدوداً بين النص والحياة، وربما أيضاً لأن صميم تجربتنا معاً، منذ البدايات، كانت قد صدرت عن ذلك الاستحواذ الصادق العميق، للروح النضالي، على تفاصيل النظر والعمل في حياتنا.

هذه هي الطبيعة التي لن تفارق تجربة أحمد الشملان في شتى تجليات حياته. ومن دون هذه الطبيعة لا نستطيع أن نتواصل جيداً، وجدياً، مع ما تشكله تجربته في سياق العمل الوطني العام، وفي تضاعيف العمل الثقافي الذي سوف ينهمك أحمد الشملان في مشاغيله منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث سيتعرف الآخرون على التوق القديم للأدب والفن الذي لم يفتر لديه، وهو توق لم يتمكن العمل السياسي أن يمحوه أو يطفئ جذوته، دون أن يكون ثمة حكم قيمة على مجمل تلك الاهتمامات التي انشغل بها أحمد طوال هذه الفترة، فالنزوع الإنساني للمعرفة والأدب قيمة حضارية متقدمة ليس في مقدورنا النظر إلى المثقف بمعزل عنها.

وإذا أردنا سبر التجربة، إنسانياً وثقافياً، يمكنني القول بأن أحمد الشملان سيكون من بين أكثر المنسجمين مع ذواتهم، حين يمتهن عمل المحاماة، فهو أحد أبرز شخصيات جيله ارتهاناً بالدفاع عن الإنسان وحقوقه المادية والاجتماعية والسياسية. وهذه واحدة من الظواهر التي ستفسر لنا جانباً هاماً من جوانب شخصيته، حيث الذهاب في العطاء إلى الحدود القصوى التي تتطلبها طبيعة المثقف المناضل متجلياً في العمل العام.

بقي القول أن أحمد الشملان، بعد أن أصدر عدداً من الكتب الأدبية، سيكون مفهوماً أيضاً أن يصدر كتاب (مقالات في المسرح)، جامعاً فيه عدداً من المقالات التي تتصل بالنشاط المسرحي في البحرين، وهو الحقل الذي كان قد اقترب منه وعايشه في جانب من مراحل عمله الثقافي، مستجيباً لذلك الهاجس القديم بأن المسرح أحد أكثر الأشكال اتصالاً ومبادرة بالتعبير عن الهموم العامة، بوصفه الخطاب الجماعي بالوسيلة الجماعية عن المجتمع.

من هذه الشرفة، الرحبة، سيسرني كثيراً أن أستجيب لمشاعر الغبطة وأنا أقدم لكتاب أحمد الشملان، كونه صديقاً بالمعنى العميق للصداقة الحميمة التي تجمع العلاقة العائلية والنضالية والثقافية في لحمة واحدة، وبقدر كبير من الاعتزاز والمحبة ولكي أشير دائماً بأن هذا الصديق لا يزال يصدر عن روح النضال ذاهباً إلى الأمل، حيث الكتابة أحد أشكال تعبيره عن هذه الروح الصادقة.

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى