النهروان

ما أجملك أيها الذئب

(جائعٌ وتتعفف عن الجثث)
قاسم حداد

الشعر في مكانه (*)

(الشعر العربي في الانترنت)

مقدمة

ثمة ولع غامض جذبني إلى جهاز الكمبيوتر منذ منتصف الثمانينات، فرأيت فيه أفقاً جديداً أمام الكتابة. كان ذلك بمثابة الهدية غير المتوقعة للنص المحاصر بحدوده القديمة. لكن حين تعرفتُ على الإنترنت لاحقاً شعرتُ بما يشبه المسافة الضوئية تخترقني معرفياً وروحياً، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار الدور الجوهري للمخيلة في طبيعة الإنترنت. فكل شيء في هذا الحقل المعرفي ينشأ عن نشاط فعّال لطاقة الإنسان يحفزها على التخيل والتعامل مع هذه التقنية بوصفها عالماً افتراضيا جميلاً يظل دائماً قيد التحقق.

الطريف أن مادة هذا العالم الافتراضي الناتج عن طاقة المخيلة هي في الأساس معطى علمي خالص يتكون من نسيج وعلاقات رقمية وحسابية غاية في التركيب والتعقيد، وليس من الضروري أن يدرك الشاعر كنهها ليكتشف علاقتها العميقة بما يتصل بالشعر كطاقة تقوم هي الأخرى على نشاط المخيلة وجمالياتها.

ماذا يريد الشاعر أكثر من ذلك؟ لقد اقترحت الإنترنت على تجربة الإنتاج الثقافي آفاقاً مضاعفة من الحرية والجمال تتجاوز جلافة الواقع ومصادراته وتخومه المحدودة.

في ما يعمل الشاعر، يُحب أن يكون حراً، هذا شرط يتيح للكتابة التمتع بالفعالية الشعرية، إذ كلما اتسعت فسحة حرية الشاعر وجمالية أدواته، كلما صارت الحياة أكثر قابلية للعمل والأمل، لا سيما وأن كل ما يصنعه الشاعر ينبغي أن يكون شعراً أو شعرياً أو محرضاً عليهما. لذلك رأيتُ في فكرة الإنترنت ضرباً من الشعر (حرية وجمالاً) بوصفها تتصل بمستقبل لا يمكن تفاديه، وخصوصاً إذا جاز لنا الحلم بأن الشعر هو ذهاب الى المستقبل أكثر منه مراوحة في الواقع أو مجرد نوستالجيا عقيمة.

الشعر في مكانه

حين بدأتُ تجربة وضع الشعر العربي في شبكة الانترنت شعرتُ بأنني أضع الشعر في مكانه، في تلك المسافة الغامضة التي يتقاطع فيها النص والضوء والصوت والصورة ولا نهائية المخيلة، وبدأت أتأمل ما يحدث، مثل شخص يرقب حركة أحلامه في سديم شفيف من صنيع المخيلة في ما يتخلق. هذا التقاطع اللامتناهي والفاتن بين الأشكال والأدوات والوسائل وآليات التحرر هو من صميم نزوع الشاعر إلى تجاوز التخوم التقليدية لأشكال التعبير، فثمة ما يتوجب الانتباه له إبان حدوثه، للاستمتاع بالمساهمة في خلقه.

ثمة تقاطع ساحر بين الطاقة الروحية التي يصدر عنها الشعر وطاقة التقنية التي تتوسلها الوسائط الجديدة للكتابة والنشر والاتصال، إضافةً إلى المعاني الدالة التي يمكنها إضاءة تجربتنا الإنسانية اليومية في هذا الواقع. فقد تكشّف لي أن العديد من مشاكلنا العصرية يمكن النظر إليها من خلال مفهوم عميق لشرط (علاج المسافة)، متراوحاً بين العمق الروحي وتحولات الطاقة المادية، مما يجعل فعل الإبداع الجسر الذهبي النشيط بين الروح والمادة.

علاج المسافة بين النص والعالم

كنت أقول دائماً أن الانترنت إشارة إلى مستقبل لا يمكن تفاديه. فقد أصبحت المعرفة المعنى الكوني (لئلا أقول القوة الجوهرية) لحركة الإنسان في الحياة. كل الابتكارات المتسارعة ستسهر على رعاية هذه الحقيقة واختبار قدراتها على مساعدة الإنسان لنيل مستقبله العادل والحر والجميل، وبلورة تجربته الإبداعية، بما تحققه من سرعة اختزال للمكان والزمان والجهد والتكلفة في آن واحد.

(الآن)
لم يعد مفهوم المسافة (فيزيائيا) منذ بدأت وسائل الاتصال الالكترونية. ثمة تحول جذري، يستعصي على الوصف، يعتري فكرة المسافة في كثير من الحقول ويطال المعنى الاجتماعي للاتصال. فعندما يتساوى فعل الاتصال، واقعياً، بين الغرفة المجاورة في المبنى نفسه وأبعد نقطة في الكوكب من حيث السرعة والسهولة والوضوح والأمان، يتحتم علينا إذاً إعادة النظر في المعنى الإنساني لحضور الشخص بالمعنى الروحي (حضورا افتراضيا حسب المصطلح الالكتروني)، في هذا الفضاء الشاسع، في الوقت نفسه الذي يتوجب عليه إدراك المسافة كما لو أنه يتأمل باطن كفه. هذا الأمر يجعله قادراً على اختزال المكان والزمان في لحظة واحدة، وتالياً على انتقال المعلومة، (بوصفها حركة الإنسان في الحياة)، تحت اختبار يكشف قدرتها على التحول إلى معرفة فعالة. أليس في هذا ضربٌ من علاج المسافة الكونية؟ وتالياً، أليست هذه فكرة شعرية بامتياز؟

(الآن)
تطور وسائل الاتصال السريع والمذهل، يثير أهمية إعادة النظر في مفهوم (المسافة) ثقافياً واجتماعياً وروحياً على وجه الخصوص. رجاؤنا أن لا يحتاج المتصلون بالشأن الثقافي والإبداعي في واقعنا العربي وقتاً أكثر (في ما تتضاعف الخسارة) ليكتشفوا أن ثمة ما يمسّ شغاف أصحاب المخيلة النشيطة يحدث اليوم.

(الآن)
ليس من الحكمة التردد أمام التجربة بعد، فبين المسافة الزمنية التي نستغرقها والمسافة الافتراضية التي تخترقنا، تشكل شبكة الإنترنت ما يمكن وصفه بالمعجزة التي تخيلها الشعراء والمبدعون. ونعني بها معجزة اختزال الفجوة بين النص والزمن في العالم، ليس بوصفها وسيلة استهلاك متاحة، بل لأن الفكر والإبداع أصبحا الآن مرشحين (بوسائط غير تقليدية) لمعايشة تجربة غير مألوفة تتمثل في تقاطع فعاليات الإبداع وتعدد تأويلاته في لحظة بالغة العمق والاختزال.

(الآن)
أحب تسمية تجربة النشر والاتصال الإلكترونية بما يقاربها من الشعرية، وليس في هذا تبسيط للتقنية، لكنه تصعيد لنجاحات فعل المخيلة الإنسانية بتجلياتها الإبداعية، في صورة مشحونة بالعاطفة والاحتمالات، لتبدو الحياة أكثر جدارة. ألم تكن فكرة اتصال النص بالمتلقي هي الشاغل الكوني لطرفيْ المعادلة على مدى التاريخ الإنساني؟

في هذه الشرفة يمكننا فهم العلاقة بين الانترنت والثقافة من جهة، ورؤية الآفاق التي فتحتها الانترنت أمام الثقافة من جهة أخرى. فنحن لا نستطيع الذهاب والمشاركة في المشهد الكوني إلا بصوتنا الخاص ومواهبنا الخاصة ونتاجنا الإبداعي القادر على الإضافة إلى هذا المشهد. لكن علينا التخلي عما نتحصن وراءه من مواقف تقليدية تدافع عن الأصالة والهوية والتراث وغيرها من الحصون مما تشبث بها العقل العربي كجواب جاهز على مجمل الأسئلة الكونية، محاولةً منا لبلورتها جميعاً في سياق أسئلة نشارك بها الآخرين.

الشعر العربي تراث المستقبل

تُرى، هل يمكننا اعتبار الشعر علمنا العربي الذي نسهم به ونضيفه إلى المشهد الثقافي الكوني؟ وهل هو كما قيل قديماً: (علمُ قومٍ لم يكن لهم علمٌ غيره)؟ هل ثمة رسالة يمكن أن يحملها شعرنا إلى العالم، في ما نعمل على وضع هذا الشعر في المشهد الكوني بواسطة أكثر الوسائط حداثة؟

في اللغة،
عندما كان العربي يُرجع معنى كلمة (ثقافة) إلى فعل (ثقَّفَ) الرمحَ، أي شذبه وشحذه، فإنه كان يستعين بفقه آلية الحرب لتفسير موهبة الإبداع. يصدر مثل هذا السلوك (الثقافي) من اللاوعي الجمعي الذي يرى إلى الثقافة بوصفها فعلَ قتالٍ وصراع، أو استعداد لهما، مما يضعنا في حدود تراث كثيف، جزءٌ كبيرٌ منه يعتقد أن الثقافة فضاءُ مواجهةٍ وتصادم.

التحدي الكوني الآن هو في تفهمنا المعنى الجوهري للثقافة بوصفها فعل حب لا فعل قتال، كي نتأهل لحوار الثقافات لا لصراعها. فنحن لا نستطيع الذهاب إلى العالم بوهم تلقينه الدروس، بينما لا نزال نتعثر في أبجدية إنتاج المعنى الإنساني للتقنية وثقافتها في ذواتنا وبيوتنا ومجتمعاتنا.

يبقى الشعر سؤالنا الكوني، يضعنا في مهب التحولات من خلال أشكال الاتصال الأكثر حداثة، وبوسائط تستدعي سلوكاً حضارياً بالغ الشفافية، مما يقتضي الكفّ عن مزاعم الحداثة، والمبادرة إلى استيعابها وممارستها.

في الخيال،
تبدو هذه التجربة في حقليْ الأدب والشعر أكثر تشويقاً واستجابة للمخيلة الإبداعية. فقد بدأت تطرح علينا مبكراً ضرورة إعادة النظر في مفاهيم كثيرة تتصل بالكتابة والتعبير والقارئ والجمهور، والمعنى، والنص.

بعض منظورات فلسفة الأدب المتداولة (بلا تبصر) مثل: موت المؤلف وموت النص وموت القارئ، هي الآن في مواجهة اختبار البحث عن أجوبة جديدة للسؤال الذي يتصل بالدال والمدلول بوصفهما من مصادر النص ومذاهبه. فقد أصبح النص مرسلا لقارئ كوني، هو الواحد واللانهائي في اللحظة نفسها.

التوقف مثلاً أمام إحدى التقنيات في النشر الالكتروني المسماة Hypertext، يؤكد لنا أن الآفاق التي يذهب إليها الكاتب، وتالياً الثقافة برمتها، ليست فقط نائية عن طبيعة الكتابة والتأليف والنص القديمين، لكنها فعلياً تمثل انتقالة نوعية من عصر النشر الورقي في الصحيفة والكتاب بشروطهما التقليدية، إلى عصر النشر المتعدد الوسائط، المتنوع الأبعاد، الغني الإحتمالات، الفائق الجماليات، والفرق بين هذا وذاك يضاهي المسافة بين النوم والحلم. هذا ما يجعل تجربة الشعر العربي في شبكة الانترنت واحدة من مظاهر ارتباكاتنا في حضرة تسارع الوسائط.

الشعر العربي في الانترنت

تأخر الحضور الشعري العربي في شبكة الانترنت حتى نهاية التسعينات، نتيجة تردد الكثيرين وتهيّب البعض مما اعتبروه تجربة (آلية جامدة) لا تتناسب مع الشعر، أو ليست ذات فائدة تُذكر قياساً إلى الكتاب. لكن بعد موقف عدم الاكتراث واللامبالاة هذا، إلى حد الاستهانة أحياناً بفكرة الانترنت، أضحى عدد كبير من الأدباء والكتاب والمثقفين العرب اليوم من بين مستخدمي الانترنت النشطاء.

ببطء شديد اكتشف البعض المعطيات المتاحة للنشر في الشبكة، لكن سرعان ما انفجر اندفاع منقطع النظير لنشر المواقع الأدبية والشعرية، فردية وجماعية، في حين سارع بعض الشعراء المعروفين في إطلاق مواقعهم الشخصية، ونشر أعمالهم الشعرية وأرشيفهم الأدبي، في ما بعض المواقع استهوتها فكرة المنتديات، فسارعت في فتح حوارات مختلفة المشارب متفاوتة الجدية والجدوى.

وبالإطلاع على المواقع الشعرية عموماً، يمكننا اليوم مصادفة الكثير من النصوص الشعرية لأسماء معروفة ومجهولة، ومن أجيال شعرية مختلفة. الكثير من الشعر العربي بات متوفراً على الشبكة، بفضل جهود ومبادرات فردية متعددة، متوزعة في مواقع عدة، تفتقد معظمها إلى منظور ثقافي ونقدي واضح منظم ورصين. الأمر الذي يجعل حضور الشعر العربي في الشبكة مرتبكاً ومتعثراً من الناحيتين الأدبية والعلمية. فبينما تلبي بعض المواقع حاجة القارئ العابر غير المتطلب، فإنها لاشك تخذل القارئ المختص أو الدارس الباحث عن المعلومة أو المعرفة التاريخية والنقدية إضافة الى النصوص الموثقة.

التراث الشعري

تتنوع طبيعة المواقع المعنية بالتراث الشعري من حيث إمكانية احتوائها على مجمل أشعار التراث منذ ما قبل الإسلام وحتى العصر الحديث. ويغلب على معظم ناشري الشعر القديم ظاهرة التجميع العشوائي الخالي من الرؤية الموضوعية والتنظيم الملائم والمستفيد من تقنيات النشر الالكتروني. كذلك يختلف كل موقع من هذه المواقع بين تركيز اهتمامه على شاعر بعينه كالمتنبي مثلا أو على شعر المعلقات، أو العمل على نشر كشكول من الشعر القديم.

من بين هذه المواقع المتخصصة، وكي لا نذكر إلا نموذجاً من أهمها، يعد موقع (الموسوعة الشعرية) تجربة مثالية لنشر التراث الشعري العربي وإنتاجه.

(الموسوعة الشعرية)

موقع أطلقه المجمع الثقافي في ابوظبي، وهو أحد التجارب الفذة التي توفر (تقريباً) كل ما كتب من الشعر العربي، مفهرساً بوسائط تقنية جيدة التنظيم، مزوداً بمراجع تاريخ النقد الأدبي وقواميس اللغة وآلية بحث بالغة الدقة، الأمر الذي يجعل الموقع يوفر فرصة علمية لإعادة النظر في العديد من المعطيات النقدية التاريخية المستقرة عن الشعر العربي، وهذا في اعتقادنا نموذج لما يمكن اعتباره إسهاماً في تحويل المعلومة إلى معرفة توفر للباحث ما يعينه على تحقيق الدرس النقدي وإعادة إنتاج المعارف والمعاني والدلالات.

تتيح هذه (الموسوعة) للبحث النقدي الجديد، إذا ما أحسن الاستفادة العلمية من آلياتها في البحث والتدقيق وإعادة النظر والكشف، أن يغير مناهج الدرس التاريخي والفني للشعر العربي القديم، ويعيد النظر في الكثير من الحقائق والنظريات النقدية عن ذلك الشعر، ويراجع نتائجه المستقرة الموروثة. ولعل ناقداً جديداً على شاكلة الدكتور طه حسين سيتأكد من شكه الباهر في المسلمات الموروثة عن هذا الشعر ويثق به أكثر. وعلينا أن نتوقع جيلاً جديدا من نقاد الشعر يتوفرون على لياقة تقنية وذائقة معرفية يكشفوا لنا بواسطتها الخفايا التي قصرت عنها وسائل البحث التقليدية. وهنا تحديداً تكمن أهمية التكنولوجيا في حقل البحث الأدبي المعاصر.

يلي (الموسوعة الشعرية) في التخصص نفسه، مواقع كثيرة أقل تجهيزا وكفاءة، وأكثر تفاوتاً في مستوى الاجتهاد والتطور.

الشعر الحديث

تتفاوت درجات الجدية والفائدة في مواقع عربية لا تحصى انصرفت الى نشر الشعر الحديث (بشتى أصنافه واجتهاداته ولهجاته). وحين نحاول التوقف عند هذا العدد الكبير من المواقع لن نستطيع أن نفرز (دون قلق) عدداً يتجاوز أصابع اليد الواحدة بقليل، مشيرين إليها بوصفها مواقع وثيقة الصلة بالشعر والرؤية الشعرية الحديثة، ونحن بصدد الحديث عن مواقع رصينة الرؤية، فائقة الاحترام لذائقة القارئ، موثوقة المصادر لدرس الباحث، واعية لكيفية استخدام تقنية النشر الالكتروني في الشبكة، وحاذقة في الإفادة منها. وما سلف ذكره، شروط ضرورية تغيب عن الغالبية العظمى من المواقع التي تنشر الشعر العربي الحديث في الشبكة.

ويمكننا الإشارة إلى نوعين رئيسيين من مواقع الشعر الحديث:

  1. مواقع فردية، وهي مواقع شخصية تقتصر على تقديم قصائد وأعمال وسير وأرشيف أدبي لشاعر بعينه.
  2. مواقع جماعية، وهي مواقع تشتمل على نصوص ومعلومات لعدد كبير من الشعراء، مقدمة بذلك خدمة تتجاوز الأفراد الى تجارب شعرية مختلفة.

المواقع الشعرية الفردية

ضمن المواقع الفردية هناك عدد كبير من المواقع الشعرية الشخصية، لكن قليلا منها فقط ما يمكننا اعتباره اجتهاداً شعرياً رصيناً، على الصعيدين الأدبي والتقني، وذلك من طريق سعيه إلى نشر النصوص الشعرية ذات الموهبة الشعرية الحقيقية، ومن مختلف الأجيال الشعرية العربية. ونادراً ما نقع بين هذه المواقع على من يواصل التفاعل والتحديث بجدية، مستمراً في تطوير وسائطه التقنية.

اللافت أنه قلما نصادف موقعاً لشاعر من جيل السبعينيات مرتبطاً بالشاعر ارتباطاً شخصياً مباشراً، على عكس الظاهرة المهمة التي يتميز بها أجيال الشعر الجديد. وهذا ما يفسر لنا جانباً حيوياً من طبيعة أصحاب التجارب الشعرية الجديدة، لكونهم أكثر اتصالاً من سابقيهم بالتقنيات الجديدة، مما يجيز التنويه بالتقاطعات (التي لا تخلو من دلالة) بين مفاهيم الحداثة في النص والكتابة الشعرية، وبينها في المعرفة والسلوك على مستوى الممارسة الفردية في الحياة الثقافية. وليس من الحكمة التقليل من دلالة هذه المسألة سيما وأن التوغل في الحياة الجديدة للإنسان يقترح عليه مفهوماً كونياً للإبداع (بوصفه معرفة) يأخذ مكانته الحيوية في تفاصيل التجربة الإنسانية اللامتناهية الأفق.

يمكننا الإشارة أيضاً، إلى أن بعض المواقع الشخصية تفوق مواقع جماعية عدة تنظيماً وجمالاً. ربما يعود هذا إلى نزوع الشاعر الطبيعي إلى العناية بجمالية نشر النص استمراراً لكتابته، وهي ظاهرة تساعد عليها معطيات وسائط النشر الالكتروني في تجربة الإنتاج الثقافي العربي، مما يؤسس لمعرفة الاختلاف النوعي بين شكليْ النشر الالكتروني والتقليدي.

المواقع الشعرية الجماعية

يمكن الإشارة هنا إلى موقع (جهة الشعر) الذي أطلق عام 1996 كنموذج لموقع يقدم الشعر العربي الحديث بترجماته المختلفة، بالإضافة إلى اهتمامه بالشعر العالمي بأكثر من خمس لغات ومترجماً إلى العربية. ويشارك في (جهة الشعر) محررون مستشارون من الشعراء والمترجمين من دول ولغات مختلفة.

يحتوي هذا الموقع على عدد كبير من القنوات والملفات التي تنشر النصوص الشعرية والسير الأدبية والدراسات والمقالات النقدية وبيانات الشعر العربي التي صدرت طوال القرن العشرين، وملفات أرشيفية لأهم الشعراء العرب والأجانب، وملف خاص بشهادات الشعراء عن تجاربهم الأدبية، وثمة ملف الحوارات مع الشعراء، بالإضافة إلى ملف خاص بالتجارب الشخصية للشعراء والكتاب في حقل الكتابة والنشر الالكتروني، كما يقدم الموقع خدمة وثائقية مهمة تتمثل في عدد كبير من الأنتولوجيات الشعرية العربية والمترجمة. كذلك ينشر الموقع كتباً شعرية كاملة تنشر للمرة الأولى قبل نشرها الورقي. وهناك متابعة خاصة للمهرجانات والندوات الشعرية والأدبية في العالم، وقراءات وعروض لكل ما يصدر من الكتب الشعرية، ومدخل خاص بالترجمات من اللغات الأخرى الى العربية. أيضاً يحتوي الموقع على أرشيف فوتوغرافي يستكمل به الخدمة الصحافية التي يوفرها للصحافة العربية عن الشعر والشعراء، بالإضافة الى ملفات الشعر بأصوات الشعراء العرب والأجانب. كما يستضيف الموقع بين وقت وآخر شاعراً يكون بمثابة (رئيس التحرير الزائر) مع ملف خاص عن تجربته يحتوي على حوار مطول مباشر مع القراء وأرشيف غني عن حياته. ويهتم موقع (جهة الشعر) بالفنون البصرية والتشكيلية بملفات متخصصة، كما يقدم خدمة الصلات بأهم المواقع العالمية للشعر والشعراء في العالم، وملفاً خاصاً بالسرديات الشعرية ونصوص الشعراء عن الأمكنة. هذا إلى الاهتمام المميز الذي يوليه للنصوص الصوفية في التراث العالمي.

وقد أصبح هذا الموقع مركزا مرجعياً مهماً للشعراء والقراء والباحثين في شتى أنحاء العالم. ويعتبر المختصون موقع (جهة الشعر) أحد أهم النماذج التي تقترحها التجربة العربية في شبكة الانترنت. وقد حقق الموقع مراحل لافتة في تطوير قدراته التقنية وتحديثها محاولا الاستفادة من برمجيات العرض المستجدة. ورغم أن الجهود في هذا الموقع بدأت فردية ولا تزال، فإنه يُمثل طموحاً فنياً رصيناً يتناسب مع منجزه الأدبي والثقافي.

ولا بدّ من الإشارة هنا، إلى أنّ هناك مواقع عربية أخرى، لافتة ومتفاوتة، أيضاً تقدّم اجتهاداً هاماًً في الشبكة العالمية. وإلى جانب ذلك، تزخر الشبكة الآن بمواقع معنية بنشر الشعر، لكن ليس كل ما ينشر من المكتوب العربي في الانترنت ناجحاً أو موهوباً أو واعياً لطبيعة ما يفعل في جميع الحالات، وخصوصاً في ظل تواجد بعض المواقع التي تتعامل مع الأمر كما لو أنه لا يخرج عن كونه إعداداً لجريدة حائط في مدرسة ابتدائية. هذا تحديداً ما ينطبق من الصفات على ارتجالات النشر الضعيفة المنشورة في الشبكة.

إنّ الاندفاعة العارمة للنشر في شبكة الانترنت تبدو في معظمها مشوشة ومرتجلة ومتسرعة، وتفتقد إلى الرصانة الأدبية، وخصوصاً في ما يتعلق بمستوى النصوص، وغياب الرؤية الفنية الشمولية الواعية عن هذه المواقع. لكن هذه ظاهرة لا تقتصر على التجربة العربية وحسب، ففي المشهد الشعري والأدبي العالمي في شبكة الانترنت، نقع على مواقع أجنبية عدة، وبلغات مختلفة، حافلة بنصوص شعرية لا ترتقي إلى مستوى الإبداع.

في المشهد العربي، ثمة ملابسات تقترح علينا ضرورة تفهم ما يحدث من دون انصدامنا به أو خشيتنا منه على واقع ومستقبل الكتابة العربية، على غرار ما انتابنا منذ سنوات من ردة فعل موسومة بالحذر تجاه التجارب الشبابية وما اقترحته من جديد.

جلياً أن النشر الالكتروني على شبكة الانترنت بما يميزه من شروط وآليات وسرعة تواصل، يجعل العلاقة بين الكاتب والمتلقي على قدر أكبر من التفاعل الفوري والصراحة، إلى درجة تعرض النصوص والتجارب إلى الانكشاف حد الفضيحة. فالنص لم يعد في متناول قراء ونقاد غير متوقعين وحسب، بما لديهم من أدوات جرأة في الرأي وحريات قبول ورفض وحساسيات معرفية مختلفة، إنما أيضاً بات في متناول ما نسميه بالقارئ الافتراضي الذي سيتلقاه ويعبّر عن موقفه تجاهه بجرأة لن تتيح (طويلاً) للدخلاء والمسكونين بوهم الشعر أن يصدقوا وهمهم.

هذه الطبيعة الجديدة للعلاقة بين الكاتب والقارئ، علينا تأملها بوصفها شكلا من اشكال الحساسية الطارئة على مفاهيم النقد، ولابد لهذه الطبيعة أن تسهم في صياغة مفاهيم وقيم مختلفة للشعرية العربية، في ما الأجيال الجديدة الراهنة والقادمة تراكم خبراتها ومعارفها التي تعتمد شبكة الانترنت مورداً ومصدراً لثقافتها.

لماذا هذه الاندفاعة العارمة لنشر الشعر بهذه العشوائية؟

سؤال يطرح نفسه بقوة. كأن الشعر العربي كان مختنقاً، فاكتشف فجأة شرفة على الهواء. وتبدو أسباب مثل الانحسارات التي أصابت المد الشعري، وعزلة الشعر (أو عزله) عن سياقه الطبيعي في الحياة، بدوافع واجتهادات روّجت لها وكرستها الصحافة الثقافية، وساعد عليها غياب الحركة النقدية الفعالة والمبلورة للتجارب الشعرية الجديدة، ثم استيراد وترويج مقولات مثل (موت الشعر) و(انتهاء عصر الشعر وبدء عصر الرواية)، ثم انغلاق وسائط النشر التقليدية وتحفظ دور النشر إزاء طباعة الشعر، وأخيراً وليس آخراً الموقف التقليدي من كتابة الأجيال الجديدة وعدم التفهم الموضوعي الرصين لتجاربهم المختلفة، كل هذه الأسباب مجتمعةً، يبدو أنها هي التي تقف وراء هذا الاندفاع نحو النشر الأدبي في شبكة الانترنت، لكأنها بمثابة الرد العفوي على المصادرات والتجاهل وانقطاع السبل. غير أن هذا الرد (العشوائي) لم يكن موفقاً في معظم الأحيان، إذ من بين العدد الكبير للمواقع الشعرية العربية التي يمكننا ملاحظة إطلاقها يومياً في الشبكة، ليس إلا القليل فقط ما يشير إلى توخيها قيمة شعرية في ما تنشره ورؤية ثقافية نوعية في ما تنتهجه.

أكثر من هذا، ثمة ظاهرة بالغة الخطورة تحتاج قدراً من التبصر لمراجعتها، قبل أن تصبح بمثابة حكم القيمة الناجز لمفهوم الشعر في الانترنت، وهي تتمثل في توهم الكثيرين بأن أسبقية إطلاق المواقع الخاصة في الشبكة، ومراكمة النصوص والكتابات هما بمثابة حكم القيمة الشعرية للشخص. الأمر الذي يجعل جميع الأطراف تتحمل مسؤولية تكريس بعضها البعض، ترويجاً للأسماء والنصوص والتعليقات (النقدية)، حتى لكأن عدد الشعراء العرب الآن هو بعدد النصوص المنشورة في شبكة الانترنت.

بالطبع علينا تفهم هذه الظاهرة بقدر كبير من سعة الصدر لئلا نقع في محاذير سلوك يتناقض مع طبيعة الحريات المفتوحة التي تشترطها هذه الوسيلة من النشر، لكن دون إغفال الحاجة إلى ابتكار آليات نقدية جديدة تسهم، بالوسائط الجديدة ذاتها، في الحد من مستوى الخفة والركاكة والسهولة في عملية النشر الأدبي.

إن ظاهرة رواج نشر المواد المرتجلة الخالية من الموهبة، تشكل استهانة من ناحيتين :
الناحية الشعرية، بوصف الشعر كتابة تستوجب موهبة لا تمنحها ميزة أسبقية النشر في الشبكة.
الناحية الحضارية، باعتبار أن الحضور الشعري العربي في المشهد الثقافي الكوني ينبغي تمثله في مستواه الأرقى، ليشكل تعبيراً مناسباً عن نتاج أمة من الإبداع والعلم في حضرة ثقافات لأمم أخرى، وذلك عطفاً على المقولة القديمة، خشية أنها لا تزال تصحُ علينا ونحن في القرن الواحد والعشرين.

نشير إلى طبيعة الحضور الشعري العربي ونحن نلاحظ مفارقة بالغة الفداحة، معربين عن قلقنا العميق لسوء استخدام شبكة الإنترنت، وللافتقار إلى إستراتيجية ملائمة وواضحة. ففي اللحظة التي بدأ فيها العالم يرى في الشعر العربي المعاصر تجربة تقف بجانب أهم التجارب الشعرية الأخرى، تأتي تجاربُ النشر في الشبكة العالمية لتقدم ركاماً فجاً من الكتابات الخالية من الشعرية والبالغة الركاكة بوصفه الشعرية العربية الحديثة.

ثمة ما يثير القلق فعلاً، بالنظر إلى حالة الشعر العربي في شبكة الانترنت، لما فيها من ارتباك وارتجال وعدم اطمئنان، وهي أمور يمكن إحالتها جميعاً إلى قصور في الحضور الثقافي العربي، المتمثل في عدم تبنيه بجدية كافية الشروط اللازمة لطبيعة النشر الالكتروني في الانترنت، وذلك من ناحية طبيعة الرؤية الثقافية الجديدة للعالم، ومن ناحية كيفية الصناعة الثقافية وإنتاج المعرفة وتحويلها.

النشر متعدد اللغات

معظم مواقع الشعر العربية تقتصر على النشر باللغة العربية، الأمر الذي يعوق فعالية حضورها في شبكة الانترنت العالمية، ويقلل أهميتها من وجهة نظر مفهوم الاتصال بالآخر والإسهام في الحوار.

النشر في شبكة الإنترنت يكون متواضع الجدوى إذا ما هو اقتصر على اعتماد اللغة العربية دون سواها، الأمر الذي التفتت إليه مواقع عربية قليلة اعتمدت التعدد اللغوي، إذ يمكننا العثور فيها على نصوص شعرية عربية مترجمة (باجتهادات فردية).

مقابل ذلك، نلاحظ عدداً كبيراً من المواقع الشعرية الأجنبية (متعددة اللغات) تعتني بنشر النصوص الشعرية العربية مترجمة إلى الانجليزية والفرنسية والأسبانية والألمانية وغيرها. ويمكن القول، أن مجمل النصوص الشعرية العربية المترجمة إلى لغات أخرى، والمنشورة في مواقع أجنبية تضاهي حجم الشعر العربي المترجم والمنشور في المواقع العربية وتفوقه تنوعاً وجدية. الأمر الذي يسبب لنا الحرج فعلاً. إن ظاهرة من هذا النوع، وإن كانت مألوفة في حالة النشر التقليدية، إلا أنها مدعاة للقلق في حالة النشر الإلكتروني خصوصاً إذا ما استمرت وتُركت دون اكتراث، مما سيشي بقصور العقل العربي عن إدراك ضرورة التعدد اللغوي في النشر الأدبي الالكتروني في الشبكة، لئلا نبدو كمن يواصل مخاطبة نفسه في حضرة العالم.

معطيات مستقبلية

إن معطيات تجربة الشعر العربي الجديد في حقل النشر الالكتروني سوف تتيح للأجيال الجديدة، في ما يكتبون نصوصهم ويسهرون شخصياً على إنتاجها الكترونياً، أن يحرزوا تحررهم من مصادرات السلطات التقليدية دفعة واحدة.

التحرر من سلطة الناشر والموزع، وسلطة المؤسسة الثقافية التقليدية، وسلطة تزكية الأجيال الشعرية السابقة، تحرر يسهم في صياغة الشخصية الجديدة لأجيال الحساسية تجاه الشعرية العربية المغايرة عن الآباء والأسلاف. ومن المتوقع أن تتبلور ملامح فنية مختلفة الأدوات والأداء وآليات الإنتاج والتعبير، بناء على اختلاف وتنوع وسائط الإنتاج الأدبي وبرمجيات أساليب نشره. وهذه مسألة ستحتاج دائماً المزيد من التأمل الجاد لدراسة تأثير تقنية الوسائط الالكترونية في تقنية الكتابة، وخصوصاً وأن المعطيات الفنية، في أحسن نماذجها، وشيكة التخلق، لتجربة النشر الالكتروني في فضاء الانترنت سوف تتجاوز حدود الأشكال، لتتصل، عمقياً، بالمقترحات الإبداعية في طبيعة التعبير الثقافي والأدبي والشعري للأجيال الجديدة.

في تجربة الأجيال الشعرية الجديدة، التي تبدع ذواتها، لا يمكن تجاهل ظاهرة الخروج الخارق عن الأدلجة التي أعطبت تجارب سابقة. فنحن الآن بصدد تجارب لا تصغي إلا لنداء الأعماق، ولا تسعى لتقليد أحد، ولا تخضع لموضوعية الواقع، ولا تروج لمزاعم تأسيس القواعد بمثابة التخوم، ولا تخشى التشابه، دون أن تسعى إليه، مؤمنة بتجاور غير مسبوق للأساليب والأشكال واللغات، مأخوذة بشعرية الفنون البصرية بشتى تجلياتها وتقاطعها مع النص الشعري، مستجيبة لحريات المخيلة، مدركة لجماليات المسافة الحرجة بين الكلام عن الحداثة والانهماك في مشاغلها كسلوك في الحياة والكتابة.

من هذه الشرفة يمكن أن نكون أكثر انسجاماً مع أنفسنا ونحن نصغي إلى مستقبل تجربة النشر الالكتروني في فضاء الانترنت، كي لا تبدو علاقتنا بالوسائط الجديدة استمراراً كسولاً لمنظورات العمل الأدبي والشعري الموروثة. وقريباً جداً سوف يتعلم مهندسو الكتابة الأدبية من هؤلاء الشعراء المذعورين، الدرس الدال على موهبة الإنسان في جعل التقنية الحديثة جزءاً من تكوينه الإبداعي وقدرته على ابتكار المسافة الضوئية الفعالة والمنتجة بين النص والشخص وبين العالم.

مستخلصات عملية

مجمل تجربة الشعر العربي في النشر الالكتروني، أسهمت فعلياً في إضاءة العلاقة الجديدة بين الكتابة العربية (الشعر خصوصاً) ووسائل التقنية الجديدة.

وتقترح علينا فكرة إطلاق الشعر العربي في المواقع الالكترونية ملاحظات تأسيسية في سبيل بلورة تجربتنا، وسنحتاج دائماً إلى إعادة النظر في أشكال النشر في الشبكة وأساليبه، على الصعيدين الأدبي والتقني.

يمكننا اختصار بعض هذه الملاحظات في النقاط التالية:

  1. أهمية الصدور عن الأفق الكوني منذ اللحظة الأولى، وتجاوز أوهام وقيود المحلية والإقليمية التي لم تعد تناسب هذه الوسائط ولا فكرة حرياتها. والذهاب بثقة الإبداع لمشاركة العالم اكتشاف تجربة المستقبل.
  2. حاجتنا إلى تطوير مفهوم التعددية اللغوية في الشبكة، من فكرة النص العربي المترجم في لغات أخرى، إلى حضور النص الشعري العالمي بلغاته المختلفة وترجماته المتعددة.
  3. أهمية التجاور الحميم لحظة النشر في الشبكة، بين نصوص مختلفة لأجيال شعرية عدة، وبأساليب ولغات شعرية بالغة التنوع، وواردة من مصادر مكانية وزمانية متباعدة، كما هو الحال في تعدد الفنون وتقاطعها في اللحظة التقنية نفسها. وبذلك يكون لكل المبدعين بشتى أدوات تعبيرهم وآلياتها، حق متساو من حرية الحضور والاتصال، الأمر الذي يحقق في بعض المواقع تجربة حديثة بامتياز. هكذا نحظى بنموذج متقدم لمعنى التعددية في أفق الحوار الإبداعي، وهو ما يندر الوقوع عليه في حالة النشر التقليدي.
  4. أهمية التعامل مع الانترنت بوصفها طريقة للاتصال الإنساني وليست وسيلة للانتشار الإعلامي.
  5. اعتماد مبدأ البحث عن النص والمعلومة والذهاب إليهما لنشرهما في الموقع، وليس انتظار ورودهما صدفةً من جهة قطاع كبير لا يدرك بعد أهمية هذا النوع من النشاط المعرفي.
  6. اكتشاف واستنباط مفاهيم وقيم فنية واضحة، صارمة، رصينة، جديدة، تناسب هذا الحقل من النشر الأدبي، وتساهم في بلورة تجارب المبادرات الشخصية، في سبيل الإسهام في صياغة منظورات تنسجم مع الوسائط الجديدة. فنحن لم نستخدم أولم نستفد إلا قليلاً مما توفره تقنية النشر الالكتروني.
  7. الإدراك النقدي بأن حضور الشعر في شبكة الانترنت لا يجوز اقتصاره على مراكمة النصوص الشعرية وحسب، بل المهم أيضاً حضور المواد الأخرى من النقد الشعري (نظرياً وتطبيقاً)، والقراءات الفنية للتجارب، والحوارات، وسير الشعراء، والمعلومات الأرشيفية للتجارب الشعرية. بمثل هذه المواد يكون مشروع المادة المعرفية في حقل الشعر ممكناً بالصورة المناسبة ضمن وسيلة نشر واتصال تقوم أساساً على فكرة إنتاج المعرفة الأدبية ووسائط انتقالها الميسرة.
  8. تفادي استخدام آليات النشر الورقي (الكتاب والجريدة) في التعامل مع النشر الالكتروني، والعمل على تقديم المادة عبر الاستفادة القصوى من مفهوم النص المترابط المتشابك، والمتنوع الفعالية والنشاط، كذلك ضرورة التدقيق في المواد المنشورة ومراجعتها ومواكبة التطور في أساليب النشر الالكتروني لتحقيق جماليات العرض الفعالة.
  9. معظم المواقع الناجحة في الشبكة هي مشاريع شخصية، فردية، مستقلة عن المؤسسة، وعلى رغم أهمية المحافظة على استقلالية مثل هذه المشاريع، إلا أن هذا لا يبرر تخلّف المؤسسة العربية عن وعي تجربة النشر الالكتروني وما لشبكة الانترنت من أهمية كوسيلة اتصال حديثة. الأمر الذي يحرم هذه المشاريع الفردية من أي تشجيع أو دعم مادي يساعدها على بلورة وتطوير تجاربها ومبادراتها لتكون رائدة ومميزة.
  10. العناية بالأجيال الجديدة من الشعراء والثقة في مواهبهم وتميز مخيلاتهم، دون التفريط في حفظ التقدير للتجارب المكرسة ودورها الريادي.
  11. العناية بالفنون البصرية كمكوّن أساسي في هذا النوع من النشر والاتصال، لتساهم في إنتاج النصوص وتحولاتها، وتفهّم الميل الجديد إلى حضور التعبير المرئي في التجربة الشعرية عبر الوسائط الالكترونية الجديدة.
  12. تشجيع التجارب الشخصية في حقل النشر الالكتروني والاستجابة للاجتهادات التقنية في حقل الكتابة العربية.
  13. بلورة مفهوم الشعرية بدل الشعر النصي، والانتقال من حدود الشعر كشكل أو نوع تعبيري، إلى الشعرية كرؤية وحساسية ومغامرة تعبيرية تشمل التجارب الأرحب. فعندما تختلف الأواني تتغير الأشكال والمحتويات.
  14. تفادي وهم البعض بأن أسبقية النشر في شبكة الانترنت وكمية مواده، يمكن أن يكونا حكم قيمة أدبي للنصوص المنشورة.
  15. بالنظر إلى حداثة تجربة نشر الشعر العربي على الانترنت، فإن حجم الجيد المنشور منه كثير، لكن، بسبب فوضى النشر وتخلّفه التقني وتعثر انتقاله وصعوبة الوصول إليه، يكاد يكون غير موجود.
  16. ثمة عائق بنيوي لا يزال يعرقل علاقتنا بالوسائط الجديدة في حقل تكنولوجيا الثقافة، يتمثل في إحجام وتردد وتحفظ (لئلا نقول رفض) العديد من المثقفين والأدباء العرب، بخصوص فكرة استخدام وسائل الكتابة والنشر والاتصال الالكترونية، والاستفادة منها، وذلك نتيجة موقف تقليدي مسبق إزاء التكنولوجيا عموماً. الأمر الذي يحول دون توفّر فرص الانسجام الحضاري مع أحلام الحداثة، وتالياً يؤدي إلى التخلف عن عملية التسارع التقني لأشكال الإنتاج الإبداعي، لا سيما وأن الشعر ضرب من الثقافة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمفهوم الحديث لوسائل التعبير والاتصال.

الحوار الإنساني الكوني

إن المفهوم الجديد للثقافة يتطلب القدرة على استنباط العلاقة الجوهرية بين التقنية الجديدة ودورها الإنساني في تنمية المجتمع بآليات تتناسب مع رغبة الذهاب إلى المستقبل. وعليه فإن فكرة التناقض بين التكنولوجيا والعمل الإبداعي، هي إحدى أخطر الأوهام التي يجري تداولها، بصورة تحجب الإنسان عن أحلامه، وتحول دون اتصاله المبكر بالمستقبل. لذا يتوجب علينا تجاوز هذا الوهم بإثبات قدرتنا على استيعاب أهمية التكنولوجيا في إنتاج وتوظيف الإبداع لوضعه في سياق تنمية المجتمع الحديث.

ليس من الحكمة، الخضوع لوهم أن التكنولوجيا مضادة للإبداع، أو أنها حقل معرفي للمتخصصين فقط والنخبة. سيفوتنا الكثير إن أخذنا بمثل هذا الوهم. الوسائط التكنولوجية أضحت من بين انهماكات الإنسان الحديث اليومية، ولا يجوز لنا بعد الوقوف مترددين إزاءها، فنخسر الكثير مما يمكننا تحقيقه.

هذا هو المستقبل الذي لا ينتظر أحداً ولا يذهب إلى أحد، ولا أحد يقدر على حبسه. أمام الثقافة العربية الآن فرصة غير مسبوقة لأن تتقدم بأفضل ما لديها من المواهب الإبداعية، وتسهم في ما يمكن وصفه، دون مبالغة، بالحوار الإنساني الكوني، وذلك دون الإحساس بالنقص، ودون التخلي عن الحذر والقلق في الوقت عينه.

نماذج من المواقع الشعرية الجماعية

كي لا اذكر إلا نماذجَ عن المواقع الشعرية الجماعية، سأشير سريعاً إلى بعضها في المشهد الشعري العربي على الشبكة، دون أن يكون أفضلها حصرياً:

  • شبكة الذاكرة الثقافية- رئيس تحريرها علي بن تميم في الإمارات
    http://althakerah.net/home.php
  • الإمبراطور: موقع عربي أدبي يختص بشؤون الشعر العربي والحداثة بإشراف أسعد الجبوري المقيم في الدنمارك.
  • http://www.alimbaratur.com/StartPage.htm
    أدب (ديوان الشعر العربي)
    http://www.adab.com/
  • كيكا : على رغم تنوع هذا الموقع الثقافي إلا أن له عناية خاصة بالشعر، نصوصاً ومقالات. وهو موقع أطلقه من لندن : صموئيل شمعون.
  • شبكة الذاكرة الثقافية- رئيس تحريرها علي بن تميم في الإمارات
    http://althakerah.net/home.php
    http://www.kikah.com/
  • موسوعة الشعر العربي : علي محيلبة- مصر
    http://www.arabicpoems.com/
  • قصيدة النثر المصرية- موقع أطلقه عماد فؤاد
    http://egyptianpoetry.jeeran.com/
  • جهة الشعر : موقع متعدد اللغات يشرف عليه قاسم حداد.
    www.jehat.com

 

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى