نقد الأمل

الطبعة الأولى 1995
دار الكنوز - بيروت
الغلاف طالب الداوود
عدد الصفحات 147
الطبعة الثانية ‏1998‏
دار الكنوز - بيروت
الغلاف عبد الله يوسف
عدد الصفحات 208

 

نقد الأمل

1

أضعُ الكتابةَ في اليأس وأزعُمُ أنه الأمل.
ما أفعلُ، ليس ثمة مكانٍ أخر يمكن أن يلجأ إليه ذئبٌ مثلي.
فماذا يعني أن تكتبَ روحٌ وحيدةٌ إلى هذا الحد. وحيدة حتى أن يأساً كاملاً لا يكفي لكي تتيقن من أن الأمل الذاهب..
لم يذهب سدى.

2

موتٌ يوشك أن يصبحَ الأفق الوحيد المشرع (مثل شرك) أمام الغريب.
في غابة السلطة (يزعم بعضنا أنها بستان الجنة)، طواطم تتناسل مثل أشباح البئر المهجورة، وما إن تفكّ الخط المعقود في روحك، حتى يطير في وجهك سربُ الكائنات التي تصدر من الخفاش والغربان والضبع في آنٍ واحد، كائناتٌ تتدرّع ببراثن الأجهزة وتتذرّع بها، فلا تبدو لنا البئر المهجورة يابسة من الماء فحسب، ولكنها قفر مسموم أيضاً.
ماذا يعني أن تكتبَ روحُكَ في بئرٍ مهجورةٍ إلى هذا الحد. مهجورة، حيث ليس للغريب سوى حرية الموت، هي الحرية الوحيدة المتاحة أمام من يفكر في تفاهاتٍ حضاريةٍ كهذه. لماذا تبدو الحرية في هذا الأفق ضرباً من الترف، ما إن تحلم به حتى تصابَ بالعسف والخراب، أو يطالك العطب لفرط النطرة.
ليس للغريب أن يحدّق كثيراً في الواقع لئلا يقع في الكتابة. فالكتابة في النص العربي نوعٌ نادرٌ من الخطيئة. ومن منا بلا خطيئة عليه أن يبحث لنفسه عن واحدةٍ تليق.
خطيئة الأمل هي حرية الهواء. كيف يتسنى لنا الكلامُ عن حرية الأمل في هواء يتقفّص حتى يكاد يخنق الحنجرة ويفرز الوريدَ لشفرة النصل، كمن يعانق عدواً لا مفر من صداقته.
في مثل هذا المشهد يحلو لذئب مثلي أن يكابر ويسمي يأسه المزدهر أملاً لمستقبل الكتابة، ثم يشكّ في هذا الأمل. بغير هكذا مكابرة لن يتسنى لي التوغل في هذا النص اللانهائي، وهو نصٌ / جحيمٌ، لا تسبقه جنةٌ و لا تليه.

3

كل شيء ضربٌ من السلطة، حتى الأمل السائد، ربما خصوصاً هذا الأمل.
أملهم الذي نتجرعه مثل ترياق، كأن لا مفر من الكابوس مادمت مجبراً على النوم.
فليس سهلاً أن يصبح العدوُّ هو أملك الوحيد المتاح، لئلا يقال إن الأفق، الذي ذهبنا إليه كل العمر، يوشك أن يتمثل أمام أحداقنا وأكبادنا في هيئة الفولاذ السميك.
في مشهد تتناسلُ فيه السلطاتُ من الجهات والأشكال، تبدوالكتابة سلطة مجردة من الأسلحة. وعلينا أن نصدقَ بأنه لم يزل في الوقت متسع لنجاة المرء من الكتابة.. فيما يرتكبها، مثل شخصٍ يروّج لأملٍ شائعٍ لئلا يجابه فضيحة يأسٍ مكبوت، كما لو أنه يفعل الجريمة الكاملة.
شخص يكبت أمله لنتوهم أنه يكتب يأسَه.
كتابة اليأس تحصّننا ضد مشاريع الأمل العربي الشائع المتكاثفة حولنا.
مشاريع علينا وليست لنا كما يزعم الزاعمون.
فليس في الأفق ما يبعث على يأسِ أكثر رأفة.

4

الأمل لا يجري البحث عنه، فهو أما أن يكون موجوداً أو لا يكون. ومن يزعم غير ذلك، عليه أن يتفضل ويفسّر لنا معنى أن نجلسَ مع العدوّ لصياغة المستقبل، في حين نشحذ الأسلحة لمقاتلة الأصدقاء وتمزيق الأشقاء ؟

من هذه الشرفة نستطيع أن نتيقن من فشلنا المبجل عندما نحاول تبرير المشهد ظناً بأننا نفسّره.
ليس في الأمر مبالغة. اليأس واضح مثل شمسٍ ليست لنا، أما الأمل فهو الحاضر، المهيمن، في الكلام الغامرالذى يملأ الأفق.. ويسده علينا، أمل أكثر كثافة من الحديد، حديد يقدّون منه القيد والمسامير والحافر والقفل والجنازير والأسلحة والأسوار وهوائيات تبث لنا حريات العالم التي هناك.
أما هنا ،
فكل شيء شاغرٍ ، فضاءٌ يتحاجز فيه الحب والنحيب.

5

لكن،
كيف أترجم نفسي،
مثل ذئب يمدح اليأس ويهجو الأمل.
مسألة ترتجف إزاءها فرائص الغريب.

6

مرة قال الذئب الغريب، كمن ينتحب أمام جثته :
"ثمة شمسٌ ليست لنا مرصودةٌ للشرق"
ومرة قال الذئب الغريب كمن يرى نعشه رأيَ العين :
"أتذكر المستقبل قبراً قبراً"
ومرة قال :
"المتفائل يفقدُ الأملَ ،
لكن ما الذي يفقده اليائسُ.." ***


 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى