نقد الأمل

الطبعة الأولى 1995
دار الكنوز - بيروت
الغلاف طالب الداوود
عدد الصفحات 147
الطبعة الثانية ‏1998‏
دار الكنوز - بيروت
الغلاف عبد الله يوسف
عدد الصفحات 208

 

أخذه من ذراعه و قاده إلى خزانة

1

(... فقد المحررُ صبره ونهضَ من كرسيه، ثم أخذ جاروميل من ذراعه وقاده إلى خزانة كبيرة، وفتحهاو أراه أكداساً عالية من ورق مصفوف على الرفوف :
- يا رفيقي العزيز، إننا نتلقى يومياً قصائد من إثني عشر مؤلفاً جديداً تقريباً، كم يكون مجموعهم سنوياً؟
قال جاروميل مرتبكاً، لأن المحرر كان يصرّ :
- لا يمكنني أن أحسب ذلك عن ظهر قلب.
-يكون المجموع أربعة آلاف وثلاثمئة وثمانين شاعراً جديداً سنوياً، هل ترغب بالذهاب إلى الخارج؟
قال جروميل : لم لا ؟
قال المحرر : إذنْ، تابع كتاباتك، إنني متأكد أنا سنصدّر شعراء عاجلاً أم عاجلاً. فالبلدان الأخرى تصدّر مركبي آلات أو مهندسين أو قمحاً أو فحماً، أما نحن، فثروتنا الرئيسية هي الشعراء الغنائيون، إن الشعراء الغنائيين التشيكوسلوفاكيين سيذهبون لتأسيس الشعر الغنائي للبلاد النامية. وفي مقابل هؤلاء الشعراء الغنائيين سيستطيع إقتصادنا أن يكتسب آلات قياسٍ ثمينة وموزاً).

2

هكذا عَبَّرَ (ميلان كونديرا)، الفاتن السخرية، في إحدى رواياته عن ظاهرةٍ لا يخلو منها مكانٌ في خريطة الأرض، حيث يذهب إلى الشعر كلُّ فقير الموهبة بمحاولاته الرديئة، وعديم المعرفة بإدعائه الفخم، ومعوَّق المخيلة بسطحيته الفجّة، كما لو أنهم يهرعون إلى سرادق شاسعة الأرجاء مفتوحة من كل الجهات ليُـولمون على ذبيحةٍ في عرسٍ تغيبُ عنه العروسُ وأصحاب الدعوة، وما دامت نية الجميع حسنة، بزعم النهوض بالحركة الأدبية في الوطن، فثمة عمل وطني قيد التحقق ويستحق العرفان.
ولو أننا قارنا الحالة، التي يسخر بها كونديرا، بالوضع العربي قاطبة، لتحتم علينا الايمان بأننا أكثر الشعوب ثروة وخيرات، وجازَ لنا أن نكون واحدة من الأمم العظمى في مجال تصدير الشعراء، ولن يكون بمقدور الأمم الأخرى أن تهزمنا، ومن المتوقع أن تتضاءل القيمة الحقيقية للنفط، الذي يوشك أن يظهرنا قاصري الفطنة متورمي الأوداج والنواصي لفرط اللطم الدولي. في حين أن الثروة الشعرية، التي صار الهواةُ ومحترفو الشعر يمنحونها لنا ليل نهار، تكاد تصادر منحة الهواء في الطريق العام بسب أكداس الكتب الشعرية التي تسد عين الشمس العربية لتحول دون أفولها الوشيك.
أكثر من هذا، فإن كل من تيسر له إرسال محاولته الأولى في الكتابة إلى باب القراء في جرائد المدينة، أصبحَ على درجة من الثقة، بحيث يتوقع أن يتلقى في اليوم التالي دعوةً من جمعية الشعراء الدولية لكي يتحدث عن تجربته الشعرية المتميزة بالغنى والتنوع، ليبعثهم من الموت ويسعف الوضع الشعري. وبهذا لن يمتلك محرر الصفحة الثقافية في تلك الجريدة الجرأة على نشر هذه المحاولات دون ديباجة تتوجه إلى الله الكريم بالشكر على الهبة الربانية التي خصّنا بها دون العالمين في شخص هذا الشاعر، الذي آن له أن يصبح حديث المدينة ونجم السهرات ودينامو الندوات وعنوان الثروات التي يتناهبها المصدّرون ويسعى لها الموردون ويفشل في الفوز بها الناشرون ويحتكرها متعهدو الحفلات، و الله المستعان.

3

لكن قبل هذا وبعده،
ما الذي يفعله محرر الصفحات الثقافية عندنا إزاء هذه الظاهرة الاقتصا / أدبية.
هل يأخذ كلَ أصحاب النوايا الحسنة ويقودهم إلى الجحيم ؟
يقيناً أن خزانة الأرشيف التي أشار إليها كونديرا ليست متوفرة في جريدتنا العربية، لأننا نصادف هذا الأرشيف يومياً على صفحات الجريدة، وبهذا يتخلص المحررون من الأكداس الورقية، التي سوف تأخذ حيزاً كبيراً من غرف المبنى، و ربما زاحمت العاملين في مكاتبهم، وربما إضطرت الجريدة استئجار غرف إضافية في المبنى المجاور. وبذلك إستطاعت الجريدة (بحجة تشجيع المواهب الواعدة) التخلص من الشرور كلها، فلن تتحمل مشقة الزيارات الكثيرة اللحوحة لأصحاب هذه المحاولات، وهم يراجعون المحررين لمعرفة أسباب تأخير نشر أشعارهم أو حجة عدم نشرها، و من جهة أخرى فإن الجريدة ستوفر المكان المريح والصحي للعاملين فيها بعيداً عن الغازات السامة التي يمكن أن تصدر من أكداس الأوراق والأحبار المعتقة، ومن جهة ثالثة سوف تساهم الجريدة في إنعاش الوضع الاقتصادي في البلاد، وتؤكد متانة الثروة الوطنية التي ستكون ذخيرةً نباهي بها الأمم ونجابه بها الأعداء، ونصدّرها لكل من تسوّل له نفسه من الشعوب الأخرى ويتقدم بشكوى من فقر شعري أو تخلف في حركته الأدبية.

4

لا ينبغي أن نكون على عجلة من أمرنا، فكل من بعثَ بمحاولته الشعرية الأولى، سوف يطالعها في العدد القادم مباشرة، مدبجة بما يليق به من تكريم وإحترام، فلا إستهانة بالثروة الوطنية، ولا تقليل من شأن ذوي الشَعر(بفتح الشين) الطويل والقَصة (بفتح القاف) القصيرة. وما عليكم إلا التوجه إلى الله العلي القدير بالشكر على ما وهبنا من النعم الغامرة، في زمن (نزعم) أنه يعاني من القحط في كل مجال.*

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى